يملك بعض الأطفال مواهب تمكنهم من اقتحام ميادين هي عادة حكرا على الكبار، حيث تجود أناملهم بروائع تحير الكبار، شعراء، مبدعون في المسرح، في الموسيقى، في الرسم، في الرياضة وحتى في الطبخ، وهم يحتاجون فقط إلى الرعاية والاهتمام، فهل هناك نية ورغبة على مستوى المؤسسات لتشجيع هؤلاء؟، وهل هناك اهتمام من العائلة بأطفالها الموهوبين؟، أسئلة أردنا الإجابة عنها بالتوجه إلى المعنيين بالأمر، لنكتشف من خلال ذلك مواهب عديدة، لدى أطفال في مختلف المجالات. اكتشاف المواهب يكون عادة في العائلة، حيث يلاحظ الوالدان ميل أحد الأبناء إلى هواية ما، ثم يأتي دور المدرسة التي تحتضن هذا الطفل فيما بعد وتوفر له الإمكانيات، ليتمكن من تطوير موهبته، وهذا ما يحدث في بعض المؤسسات التربوية التي تلقت تعليمات وزارية لإنشاء جمعيات ونواد ثقافية ورياضية على مستوى المدارس.
تفضيل الدراسة على الموهبة وهناك اختلاف بين الأسر، فمنها من ترعى وتهتم بموهبة الأبناء إلى حد بعيد، في حين هناك أخرى لا يهمها الأمر، بل بالعكس تفرض على الطفل الالتزام بالدراسة فقط، دون الاهتمام بموهبته، وهذا عادة ما يحدث في بعض العائلات غير الميسورة التي لا تستطيع توفير كل ما يطلبه الطفل، لذلك تفضل أن يهتم هذا الطفل بدراسته فقط، وفي هذه الحالة فإن هذا الأخير حتى وإن كان بارعا في مجال ما فإنه يهمل موهبته، وقد يؤدي ذلك أحيانا إلى إهماله دراسته كذلك، هذا ما حدث ل (إبراهيم. ب) الذي كان اهتمامه كبيرا بكرة القدم، غير أنه كان يعاني من ضغط والده الذي أراده أن يتابع دراسته، ونظرا لحبه الشديد لهذه الرياضة فضل ابراهيم التركيز عليها، فتخلى عن الدراسة، من جهته يقول التلميذ (عادل.ز- 14سنة)، يملك موهبة في الرسم، ويدرس في السنة الاولى من التعليم الثانوي بثانوية سعد دحلب »أحب الرسم كثيرا، واكتسبت الموهبة بمشاهدتي للرسوم المتحركة التي أعيد رسمها، لكن والداي لا يتركاني أمارس هوايتي، ويطلبان مني أن أدرس فقط« رغم هذا لقي عادل بعض الرعاية من أستاذ الرسم بثانويته، مما مكنه من ممارسة موهبته، وهناك آخرون ضيعوا كل شيء، (محمد رضا.ب) مثلا كان بارعا هو الآخر في الرسم منذ نعومة أظافره، غير أنه لم يتمكن من تطوير هذه الموهبة نظرا لإصرار والديه على أن يكون متفوقا في الدراسة، إلا أنه وللأسف لم يتمكن من تحقيق ذلك، وفي نفس الوقت ضيع موهبته في الرسم، ويقول إنه ندم على ضياع موهبته، لأنه كان بإمكانه أن يحقق من خلالها أشياء كثيرة.
رعاية الأولياء تطوّر مواهب الأطفال وإذا كان هذا حال بعض الأولياء، الذين يحرمون أبناءهم من ممارسة هوايتهم وموهبتهم فإن بعضهم الآخر يولون أهمية كبيرة لما يقوم به الأطفال، بل يساعدونهم ويمنحونهم كل الإمكانيات اللازمة من أجل تحقيق أحلامهم، من هؤلاء الطفلة أسماء بوشريط (خمس سنوات) والبارعة في فن الطبخ، والتي تهتم بها والدتها أشد الاهتمام، وتساعدها في إعداد كل الأطباق، وتتركها تختار بحرية ما تريد إعداده، وتقول الأم: "إن تعليم الأطفال أي فن وجعلهم يمارسون مواهبهم يدخل البهجة والسرور في قلوبهم. أما التلميذ رضا بورابعة (16 سنة) يدرس في السنة الأولى علمي بثانوية سعد دحلب بالقبة، فإنه يميل للشعر واللغة العربية ويقول: »رعاية والدي كان لها أثر كبير في نبوغي وتطوير موهبتي«، مع العلم أن الأب والأم طبيبان، وكانت بدايته في سن الثامنة، حيث بدأ يكتب قصصا قصيرة وخواطر، »وأنا وأخي "توأم" متأثران كثيرا بالثقافة العربية، فحتى إذا تعلق الأمر بالرسوم المتحركة، فإننا نفضل تلك المدبلجة باللغة العربية«.يضيف رضا: »في سن ال13 بدأت أكتب الشعر العمودي الموزون والبحور الخليلية، وبعد ذلك كان هناك تطور من الناحية الشكلية«، ولأن الوالدين طبيبان فقد طرحنا سؤالا على رضا حول ما إذا كان الوالدان يدفعانه لأن يترك الشعر ويهتم فقط بدروسه خاصة العلمية، فرد قائلا: »والدي يشجعاني كثيرا لأواصل كتابة الشعر، أنا في القسم العلمي، وأحاول أن أوازن بين الأدبي والعلمي، وبخصوص المهنة أتمنى أن تكون في المجال العلمي، وتعد قصة رضا أحسن مثلا لأولياء دفعوا بابنهم الى تطوير موهبته، مما جعله من التلاميذ القلائل الذين يشاركون في مهرجانات مختلفة، وتحصل على جوائز عديدة، فهو صاحب قصيدة طويلة حول غزة أطلق عليها اسم: »النجمة الدامية«.
تعليمة وزارية لتشجيع المواهب على مستوى المؤسسات التربوية، فإن وزارة التربية الوطنية، أصدرت تعليمات وزارية من أجل تنشيط الحياة المدرسية واكتشاف هذه المواهب، وكمثال وقفنا على ما تقوم به مديرة مدرسة »الحاج ت?رين« بالمقرية، السيدة العلجة مادور، من نشاطات لصالح تلاميذ المدرسة لاكتشاف المواهب من التحضيري فما فوق، فالطباخة الماهرة، أسماء بوشريط، تلميذة في هذه المدرسة، وهي تلقى الرعاية الكبيرة من طرف المشرفة على هذه المؤسسة التربوية، تقول السيدة مادور »أنا أدعم هؤلاء الأطفال، فمنذ تواجدي في هذه المدرسة، بدأت في اكتشاف المواهب، وفي كل مناسبة أعد حفلات أشرك فيها كل أطفال المدرسة، فقد صنعنا فضاء خاصا، ووفرنا إمكانيات لهؤلاء الأبناء، حتى يعبروا عن مواهبهم«. مؤسسات تربوية أخرى التزمت بدورها بالتعليمة الوزارية، وأنشأت نوادي داخل مؤسساتها، وشاركت في مختلف المهرجانات الخاصة بالأطفال الموهوبين، سواء مهرجان الشعر والنثر، الذي ينظم سنويا بالبويرة، أو مهرجان الرسم في تيبازة، إلى جانب مهرجان الأنشودة الوطنية، وتقول السيدة (نصيرة. ر) مسؤولة مكتب النشاط الثقافي والرياضي على مستوى مفتشية أكاديمية الجزائر»لدى اكتشاف هذه المواهب يتم احتضانها من خلال تشجيعها للمشاركة في مختلف المسابقات الولائية والمهرجانات الوطنية وحتى الدولية، التي تشرف عليها الوزارة«. اكتشاف هذه المواهب، حسب ذات المسؤولة، يتم على مستوى المؤسسات التربوية، فهناك عمل تنسيقي بين المشرفين على هذه الأخيرة والهيئات المسؤولة من أجل رعاية هؤلاء الموهوبين، فالمعلمون والأساتذة يلعبون دورا هاما في اكتشاف هذه المواهب مثلما يقول السيد ابراهيم بومعزوزة المدير بالنيابة لثانوية سعد دحلب: »نكتشف هذه المواهب خلال الدراسة عن طريق الأستاذ، ولدينا على مستوى المؤسسة، نشاطات ثقافية كالرسم، الموسيقى، المسرح، وهناك في كل مرة منافسات على مستوى الثانوية، فاكتشاف موهبة (بورابعة) في ثانويتنا كان من طرف استاذ الادب العربي الذي دفعه الى الأمام، وتم احتضانه في المؤسسة«.
من يحتضن هذه المواهب بعد المدرسة ؟ يبقى المشكل المطروح فيما يخص هذه المواهب هو من يحتضنها بعد المرحلة المدرسية، فحتى وإن قامت بعض المؤسسات بإنشاء نواد وتنظيم نشاطات ثقافية على مستواها، إلا أن ذلك ليس كافيا، فحسب السيدة (نصيرة.ر) من مفتشية أكاديمية الجزائر، فإنه على مختلف المؤسسات الاخرى أن تهتم بالموضوع وتدعم المدارس، وتقول »أظن أنه لايوجد تثمين لمثل هذه المواهب، فشاعر الغد تلميذ اليوم، ولهذا لابد من تكملة هذه النشاطات على مستوى قطاعات أخرى لاحتضان هؤلاء الأطفال«. للإشارة تقوم المفتشية بتنظيم مسابقات بين المؤسسات التعليمية المختلفة، تقدم من خلالها عدة نشاطات، ومنه يتم اكتشاف العديد من المواهب في الشعر، الرسم، الموسيقى، وحتى الرياضة وحسب ذات المتحدثة فإن هذه المسابقات سمحت باكتشاف التلميذ طارق مغنم، من ثانوية ابن خلدون برايس حميدو، الذي تصفه ب »محمود درويش الجزائر« وتقول »أتمنى أن يحتضن ويلقى الرعاية اللازمة«. ولايجد بعض الأطفال الذين يملكون مواهب فذة المحيط المناسب لتطوير مواهبهم، وهو ما يؤثر سلبا عليهم، فحتى وإن كانت هناك نواد في بعض المؤسسات، إلا أن بعضها لا تملك مثل هذه الفضاءات التي تسمح للطفل بإبراز ملكاته في مختلف المجالات وحتى في الأحياء، فإن بعض دور الشباب التي من المفروض أن تكون فضاءات لكل الاطفال لإبراز مواهبم لا تقوم بدورها، ولهذا فإن هناك عدة مواهب أهملت بمجرد دخول أصحابها الجامعة التي تفتقر- للاسف - الى الفضاءات الملائمة لمثل هؤلاء الموهوبين.