يختص بعض الأطفال دون غيرهم بمواهب تمكنهم من اقتحام ميادين هي عادة حكرا على الكبار، حيث تجود عقولهم بروائع تحير الكبار من شعر أو إبداعات رسم، مسرح، وموسيقى أو حتى رياضة ولا يحتاجون إلا للرعاية والاهتمام. موهبة الطفل بين الاهتمام واللامبالاة إن اكتشاف المواهب يكون عادة في العائلة، حيث يلاحظ الأولياء ميل أحد الأبناء إلى هواية ما، ثم يأتي دور المدرسة التي تحتضن هذا الطفل لتوفر له الامكانيات، حتى يتمكن من تطوير موهبته وصقلها، هذا ما يحدث في بعض المؤسسات التربوية التي تلقت تعليمات وزارية لانشاء جمعيات ونوادي ثقافية ورياضية على مستوى المدارس. لكن هناك اختلافا بين الأسر، فمنها من ترعى وتهتم بموهبة الأبناء إلى حد بعيد، في حين هناك أخرى لا يهمها الأمر، بل بالعكس تفرض على الطفل الالتزام بالدراسة فقط دون الاهتمام بموهبته، وهذا ما يحدث في بعض العائلات غير الميسورة التي لا تستطيع توفير كل مستلزمات الطفل، وفي هذه الحالة فإن هذا الأخير حتى وإن كان بارعا في مجال ما فإنه يهمل موهبته، وقد يؤدي ذلك أحيانا إلى إهماله لدراسته. وهذا بالضبط ما حدث لمحمد الذي كان مشدودا جدا للرسم منذ نعومة أظافره، غير أنه لم يتمكن من تطوير موهبته نظرا لاصرار والديه على أن يكون متفوقا في الدراسة، إلا أنه وللأسف لم يتمكن من الظفر لا بالدراسة ولا بالرسم ، ويقول انه ندم على ضياع موهبته لأنه كان بإمكانه أن يحقق من خلالها أشياء كثيرة. لكن على العكس من ذلك هناك أولياء يولون أهمية قصوى لما يقوم به الأطفال بل ويساعدونهم ويمنحونهم كل الامكانيات اللازمة من أجل تحقيق أحلامهم. ومثال على ذلك سفيان 14 سنة موهوب في كتابة الشعر والقصص يقول: رعاية والدتي كان لها ذلك الأثر الكبير في تطوير موهتبي، مع العلم أن والداي يعملان وكانت بداية في سن الثامنة حيث بدأ يكتب قصصا قصيرة وخواطر، مضيفا أنه بدأ يكتب الشعر في سن مبكرة، مؤكدا أن والديه يشجعانه كثيرا ليواصل كتابة الشعر على اختلاف أنواعه، كما يحاول من جهته مواصلة دراسته والتفوق والعمل في مجال آخر غير موهبته. دور المؤسسة التربوية في اكتشاف المواهب على مستوى المؤسسات التربوية فإن وزارة التربية الوطنية أصدرت تعليمات وزارية من أجل تنشيط الحياة المدرسية واكتشاف هذه المواهب، والتزمت المؤسسة التربوية بدورها بالتعليمة الوزارية، وأنشأت نوادي داخل مؤسساتها، وشاركت في مختلف المهرجانات الخاصة بالأطفال الموهوبين، سواء مهرجان الشعر والنثر أو مهرجان الرسم إلى جانب مهرجان الأنشودة الوطنية. فاكتشاف هذه المواهب يتم على مستوى المؤسسات التربوية وهناك عمل تنسيقي بين المسؤولين من أجل رعاية هؤلاء الموهوبين فالمعلمون والأساتذة يلعبون دورا هاما في اكتشاف المواهب مثلما تصرح به خديجة أستاذة في اللغة العربية: ''نكتشف هذه المواهب خلال الدراسة عن طريق الأستاذ ولدينا على مستوى المؤسسة نشاطات ثقافية كالرسم، الموسيقى، المسرح وهناك في كل مرة منافسات على مستوى الثانوية، لكن وللأسف هناك عدة مواهب أهملت بمجرد دخول أصحابها الجامعة التي تفتقر إلى الفضاءات الملائمة لمثل هؤلاء الموهوبين مضيفة إلى أن المشكل المطروح في بلادنا فيما يخص هذه المواهب هو من يحتضنهم ويهتم بهم بعد المرحلة المدرسية، فالأولياء يلعبون دورا هاما في تحقيق الأبناء طموحاتهم ومن بينها المواهب، كما تلعب التربية أيضا دورها في ذلك، فهناك أولياء يشجعون أبناءهم على الدراسة ونسيان موهبتهم، هذا ما يدفع ببعض الأطفال إلى الانتقام وبالتالي تعمد الرسوب في الدراسة لأن موهبته تجذبه أكثر، ويعتبرها حلما يسعى لتحقيقه يوما ما، وآخرون يتبعون نصائح أوليائهم في الحالتين، سواء شجعوهم على الدراسة أم صقلوا موهبتهم، وفي هذه الحالة يكونون مرتاحين على عكس الطفل الذي يرى أن والديه يضغطان عليه وهنا تضطرب نفسيته، ويجد نفسه بين حتميتين قد يحققهما وينهار نفسيا، أو يتركهما ويرتاح، أو يتبع إحداهما، وهنا يكون الانتقام، مثال على هذا ''يوسف'' الذي كان اهتمامه كبيرا بكرة القدم غير أنه كان يعاني من ضغط والده الذي أراده أن يتابع دراسته، ويصبح طبيبا في المستقبل، ونظرا لحب يوسف الشديد لهذه الرياضة فضل التركيز عليها، فتخلى عن دراسته من أجل التفرغ لصقل موهبته، والانخراط في إحدى الأندية الرياضية. الاهتمام بمواهب الطفل مرتبط بالوالدين قالت (حميدة. ب) أستاذة في علم الاجتماع إن الموهبة عند الطفل مرتبطة بقدراته الخيالية والتصورية، وإدراك العلاقة بين الطفل وبين تهميشها، حيث تلعب دورا في تأثير هذه الأخيرة في شخصية الطفل المستقبلية وتطورها، ويمكن لنا ذلك من خلال فهم دراسة الأسس الاجتماعية التي مرت بها الشخصية أثناء عملية التنشئة الاجتماعية فالوالد-تضيف- إذا ما لم يحقق موهبته في طفولته فستكون كعامل نفسي قوي من أجل إبراز مواطن الموهبة لديه، إضافة إلى رأسمال الثقافي للوالدين، فلكما كان المستوى التعليمي للوالدين مرتفعا كلما كانت درجة الاهتمام بموهبة أطفالهم أكثر والعكس صحيح، كما يلعب العامل الاقتصادي دورا في ذلك، فالعائلة الفقيرة مثلا تجد صعوبة في الاهتمام بمواهب أطفالها والعكس صحيح. وهنا أنصح كل الأولياء الذين يلمسون موهبة دفينة لدى أطفالهم أن يولوها الاهتمام ويصقلوها ، لأن عدم الاهتمام والرعاية الكافية تؤدي إلى زوال هذه الموهبة مع الزمن، أو تولد حقدا ورغبة في الانتقام لدى الطفل لعدم حصوله على الرعاية اللازمة، وشعوره بفقدان شيء أحبه ويستطيع تطويره مع الزمن.