حادثة غريبة وقعت لي منذ أيام ..غريبة بالنسبة لي طبعا.. لأنها تتعلق بروايتي '' بين فكي وطن '' هذه الرواية التي احتفت بها الجرائد ووسائل الإعلام خلال أيام معدودات ثم جمد كل شيء وانطفأ النور . وغاصت كما تغوص سائر الأعمال الإبداعية مهما كانت قيمتها في بلدنا في مصيرها المظلم . وفجأة كأن رواية لم تكن .. هذه حكاية أخرى على كل حال .. ما أحببت أن أخبركم به اليوم هو لقاء الصدفة ولقاء الدهشة الذي جمعني بروايتي المذكورة .. أين ؟ على قارعة الطريق .. بالضبط على احد أرصفة العاصمة .. *مرمية ؟ لا .. ليست مرمية بالمعنى العادي للرمي.. *في يد أحدهم ؟ ولا هذه .. ليت الأمر كان كذاك.. فلا أسعد لكاتب أن يرى كتابه بين يدي أحد القراء ..تصوروا رأيتها مطروحة أرضا على بسطة احد بائعي الكتب المتجولين .. لم اصدق .. دققت النظر.. فوجدتها هي بشكلها وورقها وغلافها الذي أبدع الروائي الكبير الطاهر وطار شفاه الله في جعله لا يشبه شيئا .. لطخ من الألوان المدغمة تحيلها إلى منديل مطبخ لم يمسه الماء .. المهم .. هكذا هي أغلب مطبوعات الجاحظيةهذا أيضا موضوع آخر.. أعود لروايتي الملقاة على بسطة البائع .. في الحقيقة لم تكن وحدها .. وهذا ما هدأ من روعي ..رأيتها مصطفة إلى جانب كتب من كل نوع وفي كل اختصاص .. أدبية علمية تقنية كتب طبخ وخياطة وغيرها .. تسمرت أمامها مشدوهة . وأخذت أقلب نظري في الكتب التي حشرت وسطها وإذا بي أقرأ '' نجمة '' رائعة كاتب ياسين ومريض الوهم لموليير وسمرقند لأمين معلوف تميمون لبوجدرة والمحاكمة لكافكا .. وهنا لم أطق صبرا ..توقفت عن قراءة باقي الكتب المعروضة أرضا وعدت جريا لروايتي لأهنئها على المكانة التي حظيت بها أخيرا بعد طول إهمال ونسيان .. إنك مع المشاهير.. مع الروائع العالمية .. مع أبطال الأدب والإبداع .. أخيرا اعترفت بك مكتبة الشارع ومنحتك مكانة ما كانت لتعطيها لك أحسن المكتبات الوطنية والعالمية .. والحق أني شعرت بنخوة واعتزاز وعرفت أن جهدي وصبري لم يذهبا سدى .. كنت أظن قبل تلك اللحظة .. اللحظة المذهلة أن روايتي ''راحت في كيلة زيت '' كما يقال لكنها ويا للفخر هاهي إلى جانب كبار الكتاب وهذا أقصى ما يتمناه مبدع في واقعنا المر هذا .. وإذا فلتذهب المكتبات للجحيم .. ولتحيا مكتبة الشارع المنبسطة على الأرض لأهل الأرض .. لناس الشارع .. طبعا ما كنت لأغادر المكان قبل أن أسال البائع الذي لم يتفطن لما كان يدور في رأسي عن سعرها .. أجابني دون أن ينظر إلي : 50 دج ولم أعرف إن كان علي أن أفرح أم أغضب لهذا السعر الزهيد ودفعني فضولي وخبثي لمعرفة سعر رواية ''نجمة '' فرد علي البائع بنفس النبرة : 100دج .. أوف الحمد لله الفرق ليس كبيرا .