خاض البشر منذ العصور القديمة صراعا مريرا من أجل البقاء وإثبات الوجود. ومازال الصراع قائما إلى يوم الناس هذا وسيظل ولا يتوقف فلماذا؟ إن الحياة صراع وأخذ وعطاء هذه الحقيقة لذلك فالمواجهات بدأت تعود من جديد لتأخذ أشكالا وأنواعا كيما كان في القديم تماما، تجمعات.. ارتباطات عائلية وقبلية.. وعلاقات إقليمية متميزة كالتي رسمت الهويات وشكلت ثقافات الانتماء، واليوم تسعى الشعوب إلى تشكيل ثقافات المصالح، لذلك فإنه لا يزال الخوف والقلق يغذيان الصراع في أرجاء المعمورة، والذي يدفع بالكل شعوبا ودولا وقوميات إلى أخذ الحيطة والحذر والتوجس خيفة من الآخر. إذ تبقى الأفكار تتلاطم، تتصارع وتتأرجح تلقائيا حينما تستدعي الحاجة وتتجدد المواقف ونحن في العالم العربي يفزعنا الذي نختلف معه والذي يختلف عنا في الثقافة والهوية، ويسبب لنا الخوف والهلع فلماذا؟ لأن كل دخيل علينا يريد استلابنا حقوقنا وحريتنا، ومستقبل أبنائنا، فنحن غير محصنين ولا مهيئين هذه حقيقة، ولم نعمل على حماية أبنائنا الذين يعيشون الفراغ، أجل الفراغ الميئس، ففي الوطن العربي خطابان يستأثران بالرأي العام، خطاب سياسي مناسباتي لا يلتفت إليه إطلاقا وخطاب ديني مسجدي يستأنس به، لكنه زاهد في الحياة، يردد بعض العموميات التي لا تجد مجالا لها للتطبيق، أما الأحزاب فألسنتها خرساء، تشغلها الكراسي، وتتسابق إلى مد يدها متذللة إلى الأجنبي طالبة منه أن ينصرها على هذا الشعب الذي لم يعترف بها وأخرى تهرج وتتدعي أنها تمثل الكل وهي مترفعة متأففة، فضلا على عدم أهليتها، وعدم امتلاكها برامج واضحة عدا المساندة والمعاندة، والمواطن غير مشغول بالتغيير ولا بالتنمية وكأنه معفى من المسؤولية تماما، ناهيك أن وسائل الحوار منعدمة، وآليات الاتصال معطلة، مع هذا فاستثمار الفرص للتطور قائمة، لكن هناك غزو فكري ولغوي معلب يركب أمواج التفتح، هدفه الاستحواذ.. نواياه خبيثة وضالته يجدهافي الاضطرابات والفساد وأعمال الشغب، التي يعمل على الترويج لها من خلال العمل على تعتيم الأجواء، ويسعد هؤلاء كثيرا بكل ما هو خرادة، بينما يتربص بنا الأعطاء ويبحثون عن إثارة المواجيع والفتن، ويعتزمون تحريرنا من أنفسنا وتعريتنا من قيمنا وإعادة تجويعنا، ويجدون تساهلا لدى الأنظمة ومهللين في المعارضية.. ينسحب الكلام على صراع القطب الواحد، وأنسجته العنكبوتية الرهيبة، وتجاهله للآخر قيمه وإرثه الحضاري وسيادته، تجاهلا أوجد الثغرات وأورثنا العداوة والبغضاء، وجعل الشباب أمام الواجهة تغريهم الشبابيك العنكبوتية الرهيبة وما تلبث أن تبتلعهم، إن السعي إلى تكريس ثقافة الأقوى واستغلالها لثورة الاتصالات والمعلومات والتيكنولوجيات بات يغرى بإلغاء ثقافة الضعيف، وطمرها في خنادق النسيان، إذ الثقافة المهيمنة مفتاح للاستحواذ والهيمنة على الاقتصاد والسياسة وفرض إرادة الأقوى وسحق إمكانات التقدم والرفاه، إن مفهوم القرية الكونية دعوة للاندماج في هذا الشباك الفخ العنكبوتي الرهيب، وإن الصمت المخيم على هذه الشعوب الضعيفة يجعلها تعزف عن التفاصيل ولا تلتفت لما هو جوهري وأساس في العملية الإصلاحية التي نرومها حتى لا نعادي لا نعترض على تهاطل المشاريع الثقافية الوافدة علينا والتي تثرى بالتنوع والتعدد وتخدم ثقافة النجم القائمة على تحطيم القيم الأصيلة واستبدالها بأخرى مهجنة من أجل جعل الجماهير في عجينة واحدة في كف عفريت، قد احتوت كل الحالات وجعلت المسلم يرتد عن دينه لتكون له حقوق، ومطالب وجعلتهم متعاونين مع النكرات، وذلك هو الخداع المعلب أو الأمل الكاذب، إذ النجومية هي جزء من ثقافة العولمة وخادم من خوادمها من أجل ربط الكون بشريط واحد، من الثقافة والسياسة والاقتصاد، وإن الشباب العربي لا يعرفون شيئا عن قضايا المغرب العربي والمشرق، لا عواصمه ولا رؤسائه، في حين أنهم يجيبون عن أسئلة تتعلق بالنجوم الرياضية والمغنين ولا يعرفون من الزعماء إلا صدام حسين وبن لادن ولم يقولوا شيئا عن ''الأباتشي'' وهي تسوى المساكن بالأرض على ساكنيها في فلسطين ولا تستثني طفلا ولا امرأة كل الشعوب العربية تكتفي بالبكاء والتفرج، حتي الإدانة انتزعت منهم، وهذا إمعانا في الذل وفي تنفير المسلمين وجعل صبرهم ينفد فيرتكبون الحماقات والأخطاء، في حين تلتزم الأنظمة العربية بالصمت اللافت للنظر.. إن الفرص الإعلامية متاحة للجميع وبإمكان الإنسان العربي المهزوم، أن يكون له صوت يعبر فيه ومن خلاله عن حضوره عبر الشبكات العالمية للانترنت، لكن أن يبقى عاجزا عليتوصيل صوته المبحوح والترويج لنجومه حتى وإن كانوا مهزومين أمر محير، إذ النماذج الثقافية الرخيصة تزيدنا خيبة أمل وسوء طالع، عندما نشاهد نساءنا عاريات يهززن أردافهن وأكتافهن على الشاشات طوال الوقت، وآلات التدمير تسحق أرواح الأبرياء في العراق وفلسطين ولبنان والصومال، وجحافل من الشباب يرمون أنفسهم في البحار، إن ثقافتنا أسيرة عجزنا وتخلفنا ورفضنا للأخذ بأسباب التطور والرقي، فأين العرب من جارتهم وليدة العهر؟ عندما كان الصهاينة يعملون وينتجون؟ أين كان العرب؟ ألم يكن العرب يطبلون ويرقصون ويرفعون الشعارات الجوفاء؟ ألم تكن الأكف تلتهب بالتصفيقات والحناجر تردد الآهات؟ في تلك اللحظات المأساوية كانت إسرائيل تدك حصون العرب وتصنع النصر المبين، وهم يضحكون أو علينا إلى الأذقان أين العرب من غزو العراق ومن مأساة لبنان؟ نحن ما زلنا نتفرج على سباق الإبل ونصنع منه انتصار القبيلة وحديثها، وننصح بالتداوي ببول الجمال والذئاب، ونفتح قنوات للشعوذة والدروشة ونعيد المجد للهجات العامية لغة الدراويش على حساب اللغة الفصحى، وفي مدارسنا للأسف نعلم العربية باستعمال العامية اللغة المحكية في الوسط بينما العلوم تدرس باللغة الأجنبية، وهذا مطلب مصهين في حين أن اليهود متمسكون باللغة العبرية مخاطبة وتدريسا ولغة علم وإدارة، وهم يتقنون الفرنسية والإنجليزية، أفلا ننتبه؟، هلا فكرنا في ذلك؟ ألا نفكر في شيء اسمه العلم والسيادة والوطنية؟ إن هذه الكائنات العربية الجائعة المفلسفة لو أنها عادت إلى بداوتها وزرعت أرضها القاحلة بوسائلها البدائية لاكتفت ووفرت لأبنائها الأمن الغذاذي ولما توددت لغيرها واستجدت، إن أمتنا تلتزم صمت أهل القبور ولا تتحرك إلا للموت أو للتخريب، أليس هذا هو جلد للذوات؟ أم قتل للأمنيات؟ أم أنه قضاء وقدر؟ كتب علينا أن نكون دائما في المؤخرة نعيش على الفتاة وننتظر من الآخر أن يفكر بدلنا ونتلقى منه النصح، فهلا بدأنا نلتف من حولنا لنرى أن الشرق والغرب تحركا وأن دول آسيا تعملقت وصار يحسب لها ألف حساب، ونحن العرب صرنا أقزاما نلتزم الصمت حتى بات يطمع فينا الذئاب واللئام والذين في قلوبهم الأمراض.. فهلا استوعبنا الدروس؟أم مازلنا نتمادى في جلد الذوات، والاحتفال بالأموات.. * مفتش متقاعد في التربية والتعليم الأساسي