''اللّي خَانو سَعدو يقول السُحور بيَّا''، مقولة شعبية تختصر إلى حد كبير طريقة تفكير شريحة واسعة من الجزائريين، ففي وسط الكمّ الهائل من المشاكل التي يعاني منها الكثيرون في مجتمعنا راح معظمهم يبحثون عن الأسباب التي تقف وراء معاناتهم، محاولين إيجاد تفسيرات منطقية قد تقنعهم بتقبل واقعهم كما هو، فقلة الحظ وعدم الحصول على عمل، وتأخر سن الزواج، وحتى المشاكل بين الزوجين، لا بد من أن يكون لها سبب وجيه، وفي حال ما انتفت الأسباب فإنّهم يقعون في دوامة الاعتقاد بأنّ هناك من تربَّص بهم، وعمل لهم سحرًا أو أصابتهم عين حاسد، مستبعدين تماما أن يكون ذلك قضاء وقدرا. الجدير بالملاحظة أنّ هذا الاعتقاد ورغم أنّه منتشر بين الرجال والنساء على حد سواء إلاّ أنّه عند النساء يكون بدرجة أعلى، فكثيرات هنّ النساء اللّواتي وجدن أنفسهن مجبرات - ربما - على التفكير بأنّهن مسحورات بسبب قلة حظهنّ، أو تأخر سن زواجهنّ، خاصة إذا كانت تتوفر فيهنّ كل مواصفات الجمال، معتبرات أنّ هناك من هنّ أقل منهنّ سواء من حيث الجمال أو المستوى الثقافي إلاّ أنّ فرصهن في العمل أو الزواج أفضل بكثير أي باختصار ''هن سعيدات''. هل هو القضاء و القدر.. أم فعل فاعل ؟ ''فريدة''، ''حكيمة'' و''نادية'' هن ثلاث شقيقات أكبرهنّ قد تجاوزت الخمسين وأصغرهنّ في الأربعين من عمرها، شاء القدر أن يمرَّ قطار الزواج أمامهنّ دون أن يجدن مكانا فيه رغم كونهنّ محافظات، جميلات، وعلى خلق. تقول ''حكيمة'' وهي تحكي معاناتها ومعاناة شقيقاتها 'ل'الحوار'': '' قد استوعبُ أن لا يكون لواحدة منّا نصيب في الزواج لكن أن يكون مصيرنا نحن الثلاثة نفسه فهذا ما لا يعقل''، مؤكدة أنّه رغم إيمانها بالقضاء والقدر إلاّ أنّها مع ذلك على يقين بأنّ هناك شيئا قويا حرمها وشقيقاتها من العيش كباقي النساء، خاصة أنهنّ على مدى سنين مضت قد شهدوا الكثير من الأمور الغريبة التي تقزز النفوس وتقشعر منها الأبدان وكان باب منزلهم شاهدا على أكوام الملح والقطران والأحجبة التي يجهلون مصدرها والتي كانوا يفاجأون بها بين الحين والآخر، كل هذه الأمور- تقول ''حكيمة''- جعلتها وشقيقاتها متأكدات بأنّ هناك من قام بسحرهن لذلك فإنّ الرقاة لا يفارقون منزلهم. وإذا كانت ''حكيمة'' وشقيقاتها لهنّ دوافعهن للاعتقاد بأنّهن مسحورات إلاّ أنّ غيرهن لم يحملهن على هذا الاعتقاد إلاّ رفضهن لواقعهن مثلما هو الحال مع ''إلهام'' 28 سنة التي أصبح التردد على الرقاة عادة عندها فقط لأنّها تعتقد أنّ ما يحدث معها أمر غير طبيعي لأنّها لم تُوظف بعد ولم يتقدم لخطبتها أحد،على عكس معظم صديقاتها، وإذا كانت ''إلهام'' قصدت الرقاة فإنّ غيرها جعل من المشعوذين وجهته من اجل فكّ السّحر أو العين أو ربط معين، وحتى المشاكل بين الزوجين قد يرجعها البعض إلى التغير في سلوك أحد الطرفين الذي يكون حتما تحت تأثير العين، الحسد وفي غالب الأحيان السحر.. رجال أدمنوا الحجامة وآخرون ''الحيطة و الحذر'' شعارهم وحتى الرجال هم أيضا ليسوا في منأى عن هذا الاعتقاد ف''سليم'' هو أيضا من الأشخاص الذين يربطون ما يصيبهم من مشاكل بالعين أو السحر، لذلك فالحجامة والرقية هي وجهته فقط لأنّه سبق له أن سحر من طرف خطيبته الأولى. وحسب ما أخبرنا به فإنّ التجربة كانت قاسية جدا عليه، الأمر الذي جعله يتخذ من الحجامة سلاحا ضد أي طارئ غير متوقع إضافة إلى منافعها الصحية. أمّا ''حسين'' فلم يجد غير ''الحيطة والحذر'' سلاحا له أمام كثرة ما يسمعه من قصص وحكايات إذ أصبح تعامله مع أي كان حتى مع اقرب الناس إليه ضمن حدود يضعها هو. وفي هذا الخصوص يرى الشيخ''عبد النور''راقٍ شرعي أن نقص الوازع الديني وضعف الإيمان في قلوب الكثيرين هو الذي سمح لمثل هذا الاعتقاد بالتغلغل في تفكيرهم، متناسين تماما أن كل ما يصيب الإنسان هو قضاء وقدر، حتى و إن كان سحرا فلو لم يكن مقدرا لهم ما كان ليصيبهم، مؤكدا أنّه من خلال جلسات الرقية التي يقوم بها فإنّ خمس أو ست حالات فقط هي التي تكون بحاجة فعلا إلى معالجة، أما باقي الحالات فمعظمها تكون سليمة. ويضيف الشيخ أنّه على الإنسان أن يقبل بما قدر له سواء أكان ذلك خيرا أو شرا، فإنّ كان خيرا حمد الله وإن كان شرا احتسب وصبر.