قبل 48 عاما مضت حقق الشعب الجزائري واحدا من أعظم انتصارات العالم الثالث، حين تم إعلان استقلال الجزائر بعد ثورة تواصلت نحو قرابة ثمانية سنوات، قدم فيها شعب الجزائر تجربة هزت العالم أجمع، وشكلت مفصلا في تاريخ شعوب آسيا وإفريقيا خاصة. إذ وضع هذا الشعب النهاية الحاسمة لواحدة من أهم وأخطر تجارب الاستعمار الاستيطاني، وأجبر فرنسا على التسليم بهزيمتها بعد مائة واثنين وثلاثين عاما، ولا يختلف اثنان في أن ثورة نوفمبر 1954 وسيرورة أحداثها كانا سببا مباشرا في استقلال العديد من الدول الإفريقية وخاصة تلك التي كانت خاضعة للهيمنة الاستعمارية، ولا تزال جزائر الاستقلال ثائرة وتقف سدا منيعا في وجه القوى الامبريالية، ويجمع المؤرخون بسبب ذلك على أن الثورة الجزائرية كانت من بين أكبر الثورات التي غيرت مجرى التاريخ الإنساني تماما، ورغم أن موقف الجزائر وضعها تحت ضغوط القوى الاستعمارية إلا أن ذلك لم يثنها عن مواصلة مسيرتها، ومازالت تفعل كذلك رافضة كل مقايضة لمبدإ دعمها لاستقلال الشعوب وتقرير مصيرها وجعلت من ذلك أحد مبادئ سياستها الخارجية. يوم 14 / 6 / 1830 وتحت جنح الظلام داهمت الجيوش الفرنسية الغازية الشاطئ الصخري في سيدي فرج، وأخذت في الزحف الهمجي نحو العاصمة، وبعد أن هزمت جيش الداي حسين في سطاوالي تقدمت نحو العاصمة وتسلمت مفاتيحها في 5 جويلية ,1830 ومن يومها وعلى مدى 132 عام عاش الجزائريون مرارة الاحتلال والهوان. وفي ذاك اليوم سقطت عاصمة الجزائر في أيدي الغزاة ومن يومها عمت المحنة على الشعب الجزائري الوديع، وأخذت مآسيه تتفاقم، وأحزانه تتعاظم، وغابت البسمة ودخلت الجزائر في مرحلة غضب وحداد طيلة سنوات الاحتلال. ولكن الشعب الجزائري ما لبث أن تمرد على الظلم والاحتلال الفرنسي بكل الأشكال والوسائل المتاحة بإصرار قل نظيره طيلة النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبعد الحرب العالمية الثانية باتت أسباب الثورة الشعبية المسلحة متوفرة على المستويين الداخلي والخارجي، وفي أول نوفمبر 1954 اندلعت الثورة الجزائرية المسلحة الشاملة ضد الاستعمار بقيادة جبهة التحرير الوطني، وإذا كانت هذه مهمة شاقة ثقيلة العبء، وتتطلب التفاف كل القوى وتعبئة كل الموارد الوطنية.. وحقيقة أن الكفاح كان طويلا ولكن النصر محقق، وتحقق ذلك بإعلان النصر في 19 مارس 1962 وكان للشعب الجزائري ما أراد من حرية واستقلال انتزعها بالتضحيات الجسام والدم الطاهر، وتم إعلان استقلال الجزائر واندحار فلول الاستعمار الفرنسي من على أراضيها، وهو اليوم الذي سقطت فيه العاصمة الجزائرية قبل 132 عام. من الهزيمة يتولد النصر حقق الشعب الجزائري واحدة من أعظم انتصارات العالم الثالث، حين تم إعلان استقلال الجزائر بعد ثورة تواصلت نحو ثماني سنوات، قدم فيها شعب الجزائر أمثولة هزت العالم أجمع، وشكلت مفصلا في تاريخ شعوب آسيا وإفريقيا خاصة، إذ بدا أن هذا الشعب العظيم بنضاله وصموده قد وضع النهاية الحاسمة لواحدة من أهم وأخطر تجارب الاستعمار الاستيطاني، وأن يحمل فرنسا على التسليم بهزيمة مشروع استعماري بلغ اثنين وثلاثين ومائة عام، تواصلت خلالها محاولات طمس الهوية القومية للجزائر، وتشويه موروثها الثقافي العربي الإسلامي، من أجل تأصيل تبعيتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وذلك رغم الخلل الفادح في ميزان القدرات والأدوار فيما بين فرنسا ذات التاريخ الإمبراطوري، وأحد أهم أعمدة حلف شمال الأطلسي، وبين أحد شعوب العالم الثالث، التي عملت فرنسا جاهدة لدفعه نحو التخلف والضعف والإذعان. لقد مثلت الثورة الجزائرية المجيدة وبانتصارها التاريخي العظيم أنموذجا يحتذى لكل الشعوب المقهورة الساعية إلى الحرية والانعتاق... جزائر الثورة تثور على كل قوى الاستعمار في العالم لا ينكر اثنان أن ثورة نوفمبر 1954 وسيرورة أحداثها كانا سببا مباشرا في استقلال العديد من الدول الإفريقية وخاصة تلك التي كانت خاضعة للهيمنة الاستعمارية الفرنسية، وفرض ثوار جيش التحرير على أرض المعركة والتحركات السياسية لقيادة جبهة التحرير الوطني في مختلف العواصم الدولية منذ تلك الانطلاقة منطقا مغايرا للفكر الاستعماري الذي وجد نفسه أمام معطيات طارئة غيّرت مجرى التاريخ المعاصر وفتحت باب الاستقلال والتحرر على مصراعيه أمام الشعوب المضطهدة والتي وقعت ضحية منطق الهيمنة الذي فرضته القوى الأوروبية منذ مؤتمر برلين سنة 1878 الذي اقتسمت خلاله الدول الأوروبية مناطق النفوذ في قارات جنوب الكرة الأرضية، فقد كان لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية ضد أكبر قوة استعمارية عرفها العالم وقع على حركات التحرر الإفريقية واللاتينية وحتى الآسيوية بعد أن أعطتها دفعا وتشبثا لمواصلة مطالبها في الاستقلال والحرية. فقد أرغمت ثورة نوفمبر المحتل الفرنسي على تركيز اهتمامه سياسيا وعسكريا على ما يجري في الجزائر التي كانت الأدبيات الاستعمارية تعتبرها امتدادا إقليميا لفرنسا من خلال الترويج لفكرة ''الجزائر فرنسية''، مما اضطرها لمنح الاستقلال لعشرات الدول الإفريقية التي كانت ضحية نظام استعماري مقيت، لتتفرغ لما هو جار فوق أرض حلم الفرنسيون ومازالوا بأن يجعلوا منها عمقا استراتيجيا لبلدهم في أغنى قارة. وكان وهج الثورة الجزائرية التي انطلقت عاما قبل ذلك بلغ أوجه ولم تجد السلطات الاستعمارية الفرنسية حينها من وسيلة للإبقاء على سيطرتها على الجزائر سوى مخرج واحد وهو تمكين مستعمراتها الإفريقية من الاستقلال الذي منحته مكرهة للمغرب وتونس على أمل أن لا تضيع منها الجزائر ويمكنها ذلك من تركيز جهدها العسكري على ما يجري فيها. والى حد الآن فإن العديد ممن صنعوا أمجاد شعوبهم في مختلف الدول الإفريقية لا ينكرون فضل الثورة الجزائرية في تسريع استقلال بلدانهم بعد أن اقتنعت الجمهورية الرابعة المتهالكة في فرنسا بحتمية التضحية بكل مستعمراتها الأخرى بهدف الاحتفاظ بالجزائر ضمن منطق استراتيجيتها بجعلها امتدادا حيويا لإقليمها على الصعيدين العسكري والاقتصادي، وبما يمكنها من البقاء كقوة عظمى قادرة على صد الزحف الأمريكي والسوفياتي المتنامي مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية. الجزائر ترفض مقايضة مبدإ دعم استقلال الشعوب وإذا كان تأثير الثورة الجزائرية مباشرا على دور الدول الاستعمارية التقليدية في صنع السياسة العالمية بعد أن أعطت دفعا لمختلف الحركات التحررية للتمسك بمطالب شعوبها الاستقلالية، فإن الدولة الجزائرية المستقلة سنة 1962 أبقت على هذا الدعم بل إنها تحولت إلى قبلة لحركات التحرر التي لم يكتب لها الاستقلال آنذاك. ورغم أن موقف الجزائر وضعها تحت ضغوط القوى الاستعمارية إلا أن ذلك لم يثنه عن مواصلة مسيرتها ومازالت تفعل كذلك رافضة كل مقايضة لمبدأ دعمها لاستقلال الشعوب وتقرير مصيرها وجعلت من ذلك أحد مبادئ سياستها الخارجية. وقد انتهجت الجزائر المستقلة نفس طرق الدعم ولكن بغاية مخالفة تكرست من التجربة المريرة لأكثر من 132 سنة من الصراع مع أبشع استعمار استيطاني في العالم وبقناعة أن من اكتوى بحرارة نار الاستعمار لا بد أن يشعر بمعاناة الآخرين من أمثاله. ويحتفظ قادة وثوار دول وحركات تحرر إلى حد الآن بتلك الصور التضامنية التي كانت تقدمها الجزائر لهم ولحركات التحرر الأخرى وهم الذين كانوا يجدون فيها قبلتهم الوحيدة عندما يضيق بهم الحال ولا يجدوا السند اللازم لمواصلة مسيرة كفاح هي بالضرورة ليست سهلة بسبب تجاذبات السياسات الدولية التي فرضها منطق الأقوياء في عالم فضّل أن تسوده حرب باردة ولكنها في واقع الحال كانت ساخنة على شعوب بأكملها. ولم تكن حركات ثورية في شرق إفريقيا أو غربها أو حتى جنوبها تستطيع اتخاذ قرار الثورة ما لم تحظى بدعم السلطة الفتية في الجزائر والتي تحوّلت إلى أشبه بقاعدة خلفية لها.