ناشد الدكتور مصطفى نويصر أستاذ التاريخ المعاصر ونائب قسم التاريخ مكلف بالدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة بوزريعة السلطات الجزائرية لإعادة طبع كل تصريحات واعترافات جنرالات فرنسا كالجنرال بيجار، بيشو، ديغول، كلوزال، لتكون بمثابة حجة على فرنسا الحالية التي ترفض الاعتراف بجرائمها ضد الجزائريين. وعن الاتفاقية الخاصة بالأرشيف الوطني ودور المجاهدين والباحثين في توثيق تاريخ الثورة، وكذا عن يوم وقف إطلاق النار يحدثنا نويصر في هذا اللقاء الذي خص به جريدة ''الحوار''. تم الاتفاق يوم 18 مارس 1962 وبالضبط على الساعة الخامسة والنصف مساء على وقف إطلاق النار بين الجانبين، ونحن نحتفل بالذكرى ال48 لعيد النصر ماذا تقول لنا بهذه المناسبة بصفتك أستاذا في التاريخ ؟ 19 مارس 1962 تاريخ نحتفي به سنويا لثقله التاريخي الذي يحمل العديد من الدلالات التي لها أثر بالغ على الجزائر على جميع الأصعدة، وهو يرمز لذكرى تاريخية عزيزة على قلوب الجزائريين، في اعتقادي هذه الذكرى لا نستذكرها فقط إنما يجب أن نأخذ منها العبر للمستقبل. هذا اليوم هو تتويج لمرحلة تاريخية طويلة دامت أكثر من قرن من الزمن، هذه المرحلة التاريخية التي عاشها الجزائريون اتسمت بالقسوة والقهر والحرمان، فالجزائر عاشت فترة استعمار خاص، بمعنى استثنائي، وهو الاستيطان، ففرنسا الاستعمارية حاولت أن تقوم بما قامت بريطانيا في مناطق عديدة من العالم، حيث حاولت أن تمحو الشعب الجزائري من الوجود وأول ما قامت به الإدارة الفرنسية سن قانون ينص على اعتبار الجزائر فرنسية وهو ما لم تقم به فرنسا في باقي مستعمراتها خاصة في دول الجوار مثل تونس والمغرب ولا حتى دول المشرق ولا الدول الإفريقية، وأريد أن أنوه هنا إلى أن الأربعين أو الخمسين السنة الأولى من الاستعمار كانت فيه عملية إبادة للجنس البشري في الجزائر، ملايين من الجزائريين اغتيلوا وعذبوا في غياب رأي عام عالمي، لكن هذه المرحلة للأسف لم نعطها حقها لا كباحثين ولا كمسؤولين. حديثك عن هذه المجازر والإبادة الجماعية للشعب الجزائري تقود إلى التساؤل عن كيفية إرغام فرنسا على الاعتراف بجرائمها؟ مازالت هناك فئة من الفرنسيين يحنون إلى الاستعمار، في الحقيقة أن تتنكر الإدارة الفرنسية الراهنة لما قامت به إدارتها السابقة في الجزائر التي استوطنت الأرض واستعبدت الإنسان ومارست عليه شتى أنواع العذاب، فهذا شأنها، لكن مهمتنا نحن كباحثين أكاديميين هو تويثق الدليل القاطع لهذه الجرائم، و لا ننتظر من فرنسا أن تقدم اعترافها، وعليه أقترح من موقعي كباحث وأستاذ في التاريخ على الجهات المعنية في الجزائر أن تقوم بطبع كل تصريحات الجنرالات إبان فترة الاحتلال للجزائر من اعترافات كانوا يسوقونها أثناء حرب التحرير مثل الجنرال بيجار، بيشو، ديغول، كلوزال، روفيقو... الذين يؤكدون في كل موقع أنهم قد أبادوا الجزائريين وأنهم ألقوا القبض على كذا عدد منهم، وحرقوا وعذبوا وأبادوا قرى ومداشر بكاملها، وقطعوا الأشجار المثمرة، كل هذه التصريحات تحمل في لبها اعتراف فرنسا بجرائمها التي تتنكر لها اليوم أو في وقتنا الحالي وترفض أن تقولها علانية، هم قالوا هذا الكلام في تصريحاتهم للصحف العالمية وهم متباهون بأعمالهم وبمخططاتهم الجهنمية التي يخيطونها ضد الجزائريين فعلينا طبع هذه المذكرات وجعلها في كتاب يكون حجة على الفرنسيين، مما يرغم فرنسا أن تعترف بجرائمها رغما عنها لأن أبناءها هم الذين اعترفوا بذلك. ما هي أصعب مرحلة واجهتها الدولة الجزائرية غداة الاستقلال؟ هي بطبيعة الحال المرحلة التي أعقبت الاستقلال، لأننا ورثنا كما هائلا من الفوضى والدمار وحصدنا نتائج وخيمة على جميع الأصعدة. برأيك هل الأرشيف الذي قدمته فرنسا بموجب الاتفاقية التي أبرمتها مع الدولة الجزائرية كاف؟ في حقيقة الأمر ما قدمته فرنسا من أرشيف غير كاف لكن أحسن من اللاشيء فالخمسة بالمائة التي تحصلنا عليها قد تفيدنا في أشياء، وقد نتحصل في السنوات القادمة على نسبة أخرى منه، لكني شخصيا أشك في أن فرنسا قد تسلم أرشيفا حقيقيا خاصا بالثورة الجزائرية، وأناشد الدولة الجزائرية أن تمارس صلاحيتها الدستورية في الحصول على أرشيفها، خاصة أمام تعنت فرنسا وتمسكها بقرارها القاضي بأن أرشيف الجزائر يعد أرشيفها، رغم أنه في حقيقة الأمر أرشيف جزائري لأنه يتعلق بالشعب الجزائري. بصفتك نائب رئيس قسم التاريخ مكلف بالدراسات العليا والبحث العلمي هل هناك اهتمام من طرف الباحثين بتاريخ الثورة التحريرية؟ فعلا هناك أبحاث علمية أكاديمية في هذا الشأن بدأت تثمر استنادا إلى بعض المذكرات التي قام بها بعض من عايشوا الثورة على الرغم من قلتها، وبالمناسبة أوجه ندائي إلى كل هؤلاء المجاهدين أن يدونوا قدر المستطاع ما قاموا به و ما قام به غيرهم من المقربين من أعمال خلال الثورة الجزائرية حتى تبقى مادة في يد الباحث يستثمرها لصالح الأجيال والتاريخ، وهو حق الأمة عليه يجب أن يوفيه، لأننا كلما سمعنا أن مجاهدا توفي و لم يكتب مذكراته فقد دفن سر الثورة معه وهذا إجحاف في حق الأجيال.