سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جلاد بن مهيدي والأبرياء والمجاهدين، الفرنسي بيجار، يرحل دون محاكمة في الجزائر اتهم بوتفليقة بعرقلة ملف الصداقة بين البلدين، واعتبره ساركوزي نموذجا للجمهورية الفرنسية
توفي أمس، الجلاد الفرنسي الجنرال، مارسيل بيجار، عن عمر يناهز 94 سنة، تاركا وراءه تاريخا مليئا بالمجازر والانتهاكات في حق الإنسانية، وأعمال الإبادة الجماعية والحرق والاغتصاب والتنكيل بالمجاهدين الجزائريين خاصة، ارتكبها طيلة مدة تواجده في صفوف الجيش الفرنسي الاستعماري بالجزائر خلال ثورة التحرير، ويبقى ما تعرض له الشهيد العربي بن مهيدي خير شاهد على بشاعة أعمال الجنرال الفرنسي، ناهيك عن ما ارتكبه من جرائم في الفيتنام من قبل. تنسب لكاتب الدولة للدفاع الفرنسي الأسبق، في عهد الرئيس جيسكار ديستان، وأحد أبرز العناصر المشاركة في الحرب ضد الثورة التحريرية الجزائرية، وحرب ”ديان بيان فو” بالهند الصينية، العديد من الأعمال الدموية ضد الشعب الجزائري خلال الثورة المجيدة، منها حادثة إعدام عشرين جزائريا دفعة واحدة، وكان لا يجد أي حرج في ترديد عبارة ”لقد نذرت حياتي لفرنسا، فهي بلدي الأم، ولذلك فأنا أتضايق حين أُنْعت بالجلاد، لكنني لن أتردد ما حييت عن التضحية في سبيل بلدي”. ويعرف عن الجلاد بيجار أنه من دعاة الفكر الاستعماري الفرنسي، وصاحب محاولة فرض مشروع الصداقة مع الجزائر وفق المصالح الضيقة لفرنسا، وفي تصريحاته وردود أفعاله على الموقف السيادي والثابت والرافض للجزائر والجزائريين، حول موضوع الصداقة دون الاعتراف بجرائم بلده الأم فرنسا، حيث اتهم آنذاك الرئيس الجزائري والمجاهد عبد العزيز بوتفليقة ومن معه في السلطة بمعاداة فرنسا، والسعي لتعطيل مشروع الصداقة معها، بسبب ربطه بموضوع الاعتذار عن الجرائم الاستعمارية المرتكبة في الجزائر. وكتب التاريخ ولا يزال عن الجلاد، الجنرال بيجار، العديد من الأعمال الممجدة للفكر الاستعماري والأحداث المروعة والجبانة ضد الأبرياء والثوار الساعين للحرية، بالإضافة إلى تصنيفه في خانة المهندسين لمشروع تمجيد الاستعمار الصادر بتاريخ 23 فيفري، وأحد العنصريين الرافضين لفكرة اعتذار الحكومة الفرنسية على التجاوزات التي قامت بها في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية التي دامت 132 سنة كاملة، رافعا وبلده شعارات رنانة باسم الحرية والعلم والحضارة، ومتناسيين أن الأمر أصبح مكشوفا، والعولمة فضحت أعمال أصحاب تلك الشعارات الرنانة. وخلال ثورة التحرير المباركة، قاد بيجار فوج المظليين الاستعماريين الثالث، وقاد معركة عاصمة الجزائر سنة 1957 ضد مجاهدي جبهة وجيش التحرير الوطني في العاصمة، في محاولة يائسة لمحاصرة الثورة، حيث تلقى خلالها دروسا في الحرية والمقاومة والانعتاق، مثلها في أعلى صورها الشهيد العربي بن مهيدي، الذي تعرض لتعذيب بشع على يد مظليي بيجار، بلغ حد سلخ جلد وجهه، ورغم كل أنواع التعذيب رفض إفادة الاستعمار بمعلومات حول الثورة، وخاصة معركة الجزائر التي شرع في الإعداد لها منذ 1956، بل وكان يبتسم في لحظات وعيه المسترجعة من حين لآخر في وجه جلاديه، وهو ما دفع بالجنرال بيجار إلى تقديم تحية عسكرية للشهيد وقال ”لو أن لي ثلة من أمثال العربي بن مهيدي لفتحت العالم”، ولكن الجلاد استمر في تعذيب بن مهيدي حتى استشهاده في مارس 1957. وإلى جانب انهزام بيجار أمام بن مهيدي الأعزل، فإن معركة الجزائر هزمته أيضا بعد إضراب الثمانية أيام الشهير من 28 جانفي إلى 07 فيفري 1957، والذي عجل بطرح القضية الجزائرية أمام هيئة الأممالمتحدة. واعتبرت المعركة نقلة نوعية في مسار الثورة التحريرية، إذ نقلت العمل المسلح إلى قلب العاصمة أمام مرأى ومسمع من الصحافة الدولية والبعثات الدبلوماسية، وبذلك لم يعد الحديث عن مجموعة من المتمردين في الجبال فقط. وقدرت المصالح الفرنسية عدد المناضلين الناشطين في العاصمة ب5000 شخص، وعندها تكالب الجلادون على عنفوان الثورة، حيث تكلف الجنرالان بيجار وماسو بالقضاء على معركة الجزائر مستخدمين كل الوسائل من مداهمات، تعذيب وحشي ، اغتصاب واختطاف دون جدوى، حيث دفع لهيبها الحكومة الفرنسية إلى الرضوخ وقبول التفاوض. وقد عمل الجلاد بيجار على تصدير أفكاره الاستعمارية حتى خارج فرنسا، عندما أكد في أحد الحوارات الصحفية، أن الجيش الأمريكي في حربه ضد أفغانستان يعتمد على بعض خططه التي انتهجها في حربه ضد الجزائريين، وقال إن كل فرد من فرقته أثناء الثورة التحريرية المجيدة كان مستعدا للموت للقضاء على الجزائريين، وتحدث مفتخرا عن يديه الملطختين بدماء الأحرار والشهداء والأبرياء، متناسيا أن التاريخ يبنى بيدي الحر وليس بيدين وسختين للجلاد، وكان يتحدث عن صرامته في حربه ضد الثوار الجزائريين وجيش التحرير. ورغم المعارضة الشديدة التي كان يلقاها من طرف بعض الأحزاب الفرنسية المناهضة للفكر الاستعمار، لم يتوان الجلاد بيجار في مواصلة سياسته القائمة على الفكر الاستعماري البربري، ويذكر في هذا الصدد أن الحزب الشيوعي الفرنسي، قاد حملة تدعو إلى تقديم اعتذار رسمي أمام البرلمان، جراء ما قامت به في الجزائر، وأن الجلاد مارسيل بيجار، أحد الشخصيات التي يجب أن تقدم الاعتذار عن الانتهاكات الجبانة ضد الإنسانية والجزائريين خلال تلك حقبة تواجدها في الجزائر. لكن ما يؤسف له عن رحيل الجلاد بيجار أنه لم تتم محاكمته على أفعاله الدموية ضد كل من ينادي للحرية، سواء في الجزائر أو في البلاد التي أساء إليها دمويا، لكن أرواح الأبرياء من الشهداء والمجاهدين والنساء والأطفال والحيوان فوق التراب الجزائري لن يتركك تهدأ تحت التراب، الذي سيلفظك يوما لا محالة. كما أنه من المؤسف، الإشادة المبالغ فيها بالفكر الاستعماري الصادرة عن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، الذي قال فور إبلاغه بخبر وفاة بيجار، وهو يعبر عن ”حزنه العميق”، إنه ”جندي كبير جدا، كان يمثل بالنسبة للفرنسيين صورة المقاتل البطل”، مؤكدا أن ”تاريخه كان مثاليا وسيبقى نموذجا للجمهورية”. وفي ذات الشأن، أشاد وزير الدفاع، إيرفيه موران، بالجنرال بيجار، معتبرا أن اسمه وحده يعادل ”كافة أوسمة المجد وكافة الرتب”. وخلص الوزير إلى القول ”اعلم أيها الجنرال أن تعلقك بفرنسا الغالية الذي تركته إرثا لنا سيصان بكل عناية”.