الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية و الامبريالية الأميركية كتاب جديد لمؤلفه الدكتور غازي حسين صدر مؤخراً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، و يتألف من أربعة أبواب وعدة فصول تعالج كيفية بروز مصطلح الشرق الأوسط على أيدي تيودور هرتزل وزعماء الحركة الصهيونية وتبني الولاياتالمتحدة الأميركية للفكرة وللمخطط الذي وضعته إسرائيل للمنطقة العربية و الإسلامية. الفصل الثاني: ''الشرق أوسطية'' مصطلح صهيوني استعماري أوروبي التخطيط الإسرائيلي للشرق الأوسط يواصل الدكتور غازي حسين في هذا الفصل شرح كيف خططت إسرائيل والولاياتالمتحدة لحرب حزيران العدوانية عام ,1967 ولأهدافها السياسية والاقتصادية وحالت الولاياتالمتحدة دون معاقبة العدو على حربه العدوانية وإجباره على دفع التعويضات طبقاً لأهداف ومبادئ الأممالمتحدة والقانون الدولي. حيث بدأت المخططات الإسرائيلية لمستقبل الوطن العربي بالظهور بعد الحرب العدوانية مباشرة، وبعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، وتمسك العدو الإسرائيلي بالأراضي العربية المحتلة لإجبار العرب على القبول بمخططاته السياسية والاقتصادية. ونظّمت إسرائيل عقد المؤتمرات الثلاث لليهود في أعوام 1967 و1968 و1969 لإحكام سيطرتها الاقتصادية على المناطق العربية المحتلة واستغلالها. وأنشأ المليونير اليهودي روتشيلد معهداً بالقرب من جنيف أطلق عليه اسم ''معهد من أجل السلام في الشرق الأوسط'' لدراسة احتمالات التعاون الاقتصادي في المنطقة بعد تسوية الصراع والبحث عن وسائل لإقامة علاقات تجارية بين إسرائيل والبلدان العربية. وتأسّست في الكيان الصهيوني عام 1968 جمعية للسلام في الشرق الأوسط، مهمّتها وضع الخطط والبرامج والمشاريع لفرض هيمنة إسرائيل الاقتصادية على البلدان العربية. خطّطت الجمعية الإسرائيلية لإقامة سوق شرق أوسطية على غرار السوق الأوروبية المشتركة وبالتنسيق والتعاون معها، وتتألّف من عدّة سلطات أهمها: سلطة نفط الشرق الأوسط. سلطة التنمية السياحية. سلطة المياه والري. سلطة الزراعة والصناعة. سلطة تعمير الصحاري. وحدّدت الجمعية الإسرائيلية بعض السمات الأساسية التي يجب أن تبرز في تطور اقتصاد المنطقة فخصّصت كل بلد من بلدان المشرق العربي بالصناعات التي تراها الجمعية، وتنبأت للسياحة بأن تكون من أهم صناعات الشرق الأوسط، بسبب تقارب سكان المنطقة وسرعة المواصلات وزيادة الدخل. طرح حزب العمل الإسرائيلي في نهاية الستينات إقامة اتحاد إسرائيلي فلسطيني أردني على غرار اتحاد بنيلوكس، بين بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ. وتبنى ياسر عرفات طروحات حزب العمل حول الاتحاد الثلاثي وأوهام مشروع مارشال. ووضع جاد يعقوبي، وزير المواصلات في حكومة الجنرال إسحاق رابين عام 1975م مخططاً سرياً للتعاون الإقليمي في مجال المواصلات بين إسرائيل والأردن ومصر، وقدمه للجنرال رابين وجرى بحثه ضمن هيئات حكومية إسرائيلية، ويشير جاد يعقوبي في مخططه إلى أن التعاون الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط في مجال المواصلات هو أمر ضروري للطرفين، ويتضمن المخطط آنذاك التعاون بين مطاري إيلات والعقبة وإقامة مطار جديد مشترك في مرحلة لاحقة في الأردن، لإسرائيل والأردن ويكون استمراراً للمطار الأردني الحالي، وإقامة محطة مشتركة وبرج مراقبة واحد. وتضمن مشروع يعقوبي ربط الأردن بميناء حيفا بواسطة سكة حديد قطار الغور، وإيجاد اتصال بري بين الأردن وميناء أسدود، وتطوير شبكة خطوط حديدية بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، وتحويل إسرائيل في نطاق التعاون الإقليمي إلى جسر بري بين مصر ولبنان. وتضمن المشروع أيضاً تطويراً إسرائيلياً أردنياً مشتركاً لإيلات والعقبة في المجال السياحي، وبحرية انتقال السيّاح بين إيلات والعقبة. ووضع يعقوب ميريدور، وزير الاقتصاد في حكومة مناحيم بيغن بعد شهر واحد من زيارة السادات للقدس عام ,1977 مشروعاً للتعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط وتوطين الفلسطينيين في البلدان العربية. واشتمل المشروع على تأسيس صندوق مالي قوامه (30) مليار دولار لعشر سنوات من دول النفط العربية وأوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية، وتستفيد منه فقط الدول التي توقّع على اتفاقات سلام مع إسرائيل، بينما تحصل إسرائيل على حصّة الأسد من الصندوق. كذلك يشير صاحب الكتاب إلى أن بعض الأوساط الأمريكية تبنت مشروع ميريدور، وتقدّم فرانك شريش، عضو مجلس الشيوخ باقتراح إلى مجلس العلاقات الخارجية والأمن في الكونغرس طالب فيه رئيس الولاياتالمتحدة بلورة مشروع (مارشال جديد للشرق الأوسط) يؤدي إلى تعاون اقتصادي كامل في الشرق الأوسط مع الذين يعقدون اتفاقات سلام مع إسرائيل. كذلك اقترح شمعون بيرس خلال زيارته للولايات المتحدة في بداية نيسان 1986م اعتماد مشروع مارشال للشرق الأوسط لتأمين الاستقرار في المنطقة حسب التخطيط والمصالح الإسرائيلية على غرار مشروع مارشال لأوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لدمج إسرائيل في المنطقة، والهيمنة عليها. ويؤكد الدكتور غازي أن بيرس يهدف من جرّاء طرح مشروعه الاستمرار في التسوية التي بدأت في كامب ديفيد بحيث ترتكز على أرضية اقتصادية لحل أزمات إسرائيل الاقتصادية وتحقيق الازدهار فيها وإيجاد مصالح مشتركة مع بعض الأوساط العربية لخدمة المخططات الإسرائيلية، ووعدت الولاياتالمتحدة بدراسة مقترحات بيرس بعناية مع حلفائها. وقال بيرس قبل مغادرته الولاياتالمتحدة أنه ''يعتقد بأن القضايا الاقتصادية ستصبح القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط، وإذا لم تعالج مثل هذه المشاكل فإننا يجب أن نتوقع عدم الاستقرار وأن يواجه الشرق الأوسط أعظم المشكلات في تاريخه''. وطرح يائير هير شفيلد، رئيس الوفد الإسرائيلي في اجتماع بروكسل في أيار ,1992 لمجموعة عمل التعاون الاقتصادي الإقليمي في المفاوضات المتعددة الأطراف مخطط حزب العمل الإسرائيلي للتعاون الاقتصادي الإقليمي. وشملت المقترحات آنذاك المشاركة في الموارد الطبيعية والبشرية، وتوسيع أسواق المنطقة، وجذب الاستثمارات من الدول الأجنبية ومن دول النفط العربية ومؤسسات التمويل الدولية، وإقامة صندوق إقليمي للتنمية في الشرق الأوسط. وأجمَلَ شمعون بيرس موقفه حول التعاون في الشرق الأوسط في المعهد القومي لدراسات الشرق الأوسط وأمام مثقفين مصريين خلال الزيارة التي قام بها إلى القاهرة في تشرين الثاني في 1992 بالعبارات التالية: ''لا ينبغي أن ننظر إلى المفاوضات السياسية بالتركيز في النظر إلى الماضي، يجب أن نضع نهاية للنزاع العربي الإسرائيلي وأن نبني شرق أوسط جديداً... يجب أن يكون الشرق الأوسط منطقة مفتوحة من ناحية اقتصادية لكل الشعوب التي تقطن فيه... يمكن أن تنشأ كونفدرالية أردنية فلسطينية، أو كونفدرالية ''إسرائيلية أردنية فلسطينية، أو حلف بصيغة بنيلوكس''. ويشير الكاتب الإسرائيلي أودد بتون إلى فشل الصليبيين في المنطقة ويطرح درساً على إسرائيل للاستفادة من هذا الفشل لتجنّب المصير الذي حلّ بالصليبيين، ويتلخص الدرس في ضرورة السيطرة الإسرائيلية على المقدرات الاقتصادية العربية. ويتطرّق إلى الموارد النفطية الهائلة في المنطقة وعدم قدرة أصحابها على حمايتها ويقول: ''إن هذا الوضع العربي يخلق فرصاً جيدة للسيطرة الإسرائيلية على المنطقة... تعويض إسرائيل ما فات عليها من فرص بسبب النظرات السياسية الضيقة والآراء اليهودية المتطرفة، وليس أمامها من مفر غير السيطرة على الموارد العربية إذا ما أرادت الاستمرار في الوجود''()، ويتوقع الخبير الإسرائيلي موشيه ماندلباوم أن تصبح إسرائيل في ظل السلام مركزاً للأموال العربية والتأمين في الشرق الأوسط، ويقول: ''وبما أن إسرائيل تتمتع بأفضل الاتصالات في الشرق الأوسط، فمن الممكن جداً أنه مع حلول السلام أن تتحول أموال النفط العربية إلى أسواق إسرائيل المالية، أما بالنسبة للتأمين ''فإسرائيل'' تتمتع بمكان عظيم للحصول على القسم الأكبر من السوق العربية''. ويقول الجنرال أمنون شاهاك، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية ورئيس الأركان الأسبق في مقال له بعنوان إسرائيل والشرق الأوسط في عام ,''2000 نشر في عام 1987 ما يلي: ''ينبغي أن تسعى إسرائيل، خلال السنوات القليلة المقبلة لترسيخ مفهوم انتمائها إلى الواقع الشرق أوسطي''. ويقول الجنرال الوف هارايفن حول اندماج إسرائيل في المنطقة: ''إذا لم تستطع إسرائيل الاندماج في عالم الغد فإن المشكوك فيه أن يكتب لها البقاء فترة طويلة''. وهنا أيضا يؤكد الدكتور غازي حسين أن ''الشرق أوسطية'' مصطلح صهيوني استعماري أوروبي النشأة والأصل، ولخدمة الأهداف الصهيونية والإمبريالية. جاء من أوروبا، فهو خارجي وغريب عن المنطقة، ولا ينسجم مع واقعها الجغرافي وخصائصها البشرية بل يخدم مصالح القوى التي ابتكرته. وهو يمزق وحدة الوطن العربي الجغرافية والبشرية، وبالتالي يعرقل الوحدة العربية ويقضي على إمكانية تبلور النظام العربي ويطرح بديلاً عنه النظام الشرق أوسطي. وهو يستثني بعض الدول العربية ويخرجها من النظام المطروح ويضم إليه بعض دول الجوار غير العربية كالحبشة وقبرص والباكستان وأفغانستان. ويرمي إلى دمج الكيان الصهيوني في المنطقة كمقدمة لتوليه القيادة وإعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة، لتجزئة الوطن وإضعاف الأمة وإعادة تشكيلها من شعوب وقوميات وأديان وحضارات مختلفة لخدمة مصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية ولتسهيل السيطرة على الأرض والثروات العربية والتحكّم بصياغة حاضرها ومستقبلها. الدكتور : حسين غازي