الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية و الامبريالية الأميركية كتاب جديد لمؤلفه الدكتور غازي حسين صدر مؤخراً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، و يتألف من أربعة أبواب وعدة فصول تعالج كيفية بروز مصطلح الشرق الأوسط على أيدي تيودور هرتزل وزعماء الحركة الصهيونية وتبني الولاياتالمتحدة الأميركية للفكرة وللمخطط الذي وضعته إسرائيل للمنطقة العربية و الإسلامية. يشير الدكتور حسين في بداية مؤلفه إلى أن الولاياتالمتحدة الأميركية تبنت منذ البداية المخطط الصهيوني لنظام الشرق الأوسط الجديد, وخلقت الأرضية لبلورته و إخراجه إلى حيز الوجود, ووضعت المخططات وسوقت الأفكار لتأسيس التعاون الإقليمي على أساس شرق أوسطي وليس على أساس عربي, مؤكداً أن حرب الخليج الثانية أدت إلى تعزيز النفوذ السياسي والعسكري الأميركي وإقامة القواعد العسكرية في معظم أنحاء المنطقة, وتجسد التصور الأميركي للسلام بين العرب وإسرائيل في تبني الأفكار الإسرائيلية لنظام الشرق الأوسط الجديد في كلمة الرئيس جورج بوش الأب في افتتاح مؤتمر مدريد للسلام.ثم ينتقل الباحث للحديث عن تفاصيل مشروع شمعون بيريز للشرق الأوسط الجديد فيشير إلى أن الأخير حاول تهديم فكرة العروبة والوحدة العربية بأساليب صهيونية خبيثة مستعدياً العالم على العرب و المسلمين, ومعلناً الحرب ضدهم بذريعة مكافحة الإرهاب المزعوم والأصولية المزعومة والتطرف وما إلى ذلك من مصطلحات لا تنطبق إلا على الكيان الإسرائيلي نفسه. ويتطرق الباحث في الباب الثاني من مؤلفه إلى دور إسرائيل في الحرب العدوانية التي شنتها أميركا وبريطانيا على العراق لاحتلاله وتدميره و نهب نفطه وثرواته وتغيير طابعه العربي وجعله البوابة والممول لرسم خارطة الشرق الأوسط الكبير التي تعتبر أسوأ بكثير من خارطة سايكس-بيكو الاستعمارية, انطلاقاً من الإستراتيجية الصهيونية التي تقوم على وضع القوة فوق الحق واستخدام القوة والاستعمار الاستيطاني لخدمة المشروع الصهيوني, وتفتيت الدول العربية الكبيرة لضمان تفوق إسرائيل واستمرار مشاريعها التوسعية وتولي قيادة نظام الشرق الأوسط الكبير كمقدمة للهيمنة الأميركية-الصهيونية على المنطقة. بعد ذلك يتناول المؤلف في الباب الثالث إستراتيجية الحرب الاستباقية على العراق لإقامة النظام الشرق-أوسطي فيشير الى أن نظرية الحرب الاستباقية تعتبر في القانون الدولي وفي ميثاق الأممالمتحدة من أفظع الجرائم وأبشعها ضد السلام والاستقرار والازدهار وتعد خطأ جسيماً ضد استقلال وسيادة و حرمة أراضي الدولة المعتدى عليها وضد السلم والأمن الدوليين, حيث يحرم ميثاق المنظمة الدولية التهديد بالقوة أو استخدامها في العلاقات الدولية ولا يعترف بشرعية الآثار التي تترتب عليها. وقد أظهرت الحرب الاستباقية على العراق محاولات حثيثة لتشريع الحرب العدوانية بالأكاذيب والخداع والتضليل لذلك تعتبر هذه الحرب أسوأ من الحرب التي أشعلها هتلر وأخطر منها ما يتطلب محاكمة المسئولين عنها كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب العالمية الثانية, كما أظهرت هذه الحرب بجلاء أن الهدف الأساسي منها هو الاستيلاء على النفط أولاً والقضاء على فكرة القومية العربية والدولة العربية القوية ورسم خارطة جديدة للشرق الأوسط الكبير من خلال العراق وتصفية القضية الفلسطينية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين ولا سيما في العراق.? و يعتبر الدكتور حسين غازي أن هذه الحرب العدوانية هي جزء من الحرب الشاملة التي تشنها الولاياتالمتحدة وبريطانيا على العرب والمسلمين باسم مكافحة الإرهاب الإسلامي المزعوم, وترمي من ورائها إلى بسط الهيمنة على المنطقة العربية وكذلك على أوربا واليابان والدول الصناعية بخاصة. ويغوص الباحث في ثنايا صفحاته بموضوع مصير الإمبراطورية الأميركية قائلاً: إن مصير الإمبراطورية القديمة كان دائماً إلى زوال لأن الإمبراطوريات تشب وتشيخ ثم تنهار, وهذا ما حدث مع الإمبراطورية الرومانية والفارسية والإغريقية وألمانيا النازية وجميع النظم الاستعمارية والعنصرية,وهذا ما سيكون عليه حال الإمبراطورية الأميركية ومصير الكيان الاستيطاني الإسرائيلي. أما الباب الرابع فيعالج من خلاله المؤلف مبادرة الرئيس بوش الابن لمشروع الشرق الأوسط الكبير والموقف العربي و الأوروبي منه, والتي تتلخص في اعتبار الولاياتالمتحدة القوة المؤهلة لتعليم الشعوب والحكومات في المنطقة كيف تصبح شعوباً وحكومات ديمقراطية وعصرية متطورة من خلال تركها لهويتها القومية وعقيدتها وثقافتها ومن خلال قبولها لإسرائيل وقبول اغتصابها للأرض وللحقوق والثروات الدينية وهيمنتها على المنطقة, ويتساءل المؤلف: هل من المعقول أن الرئيس بوش الذي أشعل الحرب على العرب والمسلمين ودمر أفغانستان والعراق ويدعم إبادة إسرائيل للشعب الفلسطيني يعمل على نشر الحرية والديمقراطية في العالم ومجيباً إن هذه الدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان هي كلمة حق يراد بها باطل لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يسعى لتحويل إسرائيل إلى قوة عظمى تهيمن على العرب وتلغي مشروعهم القومي. الفصل الأول: بروز مصطلح الشرق الأوسط: في هذا الفصل يقول الدكتور غازي حسين أنه نظراً لأهمية فلسطين التاريخية والدينية وموقعها الاستراتيجي بين آسيا وإفريقيا، بين بلدان المشرق والمغرب العربي قرّر الاستعمار البريطاني إقامة ''إسرائيل'' في فلسطين، قلب الوطن العربي كنقطة ارتكاز وانطلاق للتحكّم بالمنطقة العربية وثرواتها وإراداتها، لفصل البلدان العربية الآسيوية عن البلدان الإفريقية. وهنا كتب تيودور هرتسل، مؤسس الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة عام 1897 في يومياته، يقول: ''يجب قيام كومنولث شرق أوسطي، يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادي فاعل، ودور اقتصادي قائد، وتكون المركز لجلب الاستثمارات والبحث العلمي والخبرة الفنية وأبرز ضابط البحرية البريطانية الفرد ماهان مصطلح الشرق الأوسط في مقال كتبه في الأول من أيلول عام 1902 في لندن، ثمَّ استخدمه فالنتاين شيرول مراسل التايمز اللندنية في تشرين الأول عام 1902 و1903 في سلسلة من المقالات تحت عنوان ''المسألة الشرق أوسطية''، ثمَّ أصدرها في كتاب عام 1903 كما صدر في عام 1907 في لندن تقرير كامبل بنرمان وزير المستعمرات آنذاك، الذي وضعه في مؤتمر عقدته مجموعة من علماء التاريخ والسياسة والاقتصاد، بمشاركة عدد من السياسيين الأوروبيين وتناول الوضع في المنطقة العربية، جاء فيه: (يكمن الخطر على الغرب في البحر المتوسط، لكونه همزة وصل بين الشرق والغرب. ويعيش في شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد، تتوافر له وحدة التاريخ واللغة والجغرافية وكل مقوّمات التجمع والترابط، وذلك فضلاً عن نزعاته الثورية وثرواته الطبيعية الكبيرة. و هنا يشير الكاتب إلى ما جاء في التقرير الذي يتساءل عن مصير المنطقة، إذا انتشر فيها التعليم والثقافة و يجيب بأنه إذا حدث ذلك، فسوف تحل الضربة القاضية بالإمبراطوريات القائمة ووضع المؤتمر الاستعماري المذكور المخططات والوسائل الكفيلة لإضعاف الوطن العربي وتسهيل السيطرة عليه وعلى شطآنه واحتواء إراداته وطاقاته وثرواته ومنع تطوره وتقدمه ووحدته وحدد الوسائل والأساليب للوصول إلى ذلك بما يلي: أولاً: إقامة حاجز بشري غريب وقوي مانع، يفصل بلدان المشرق عن بلدان المغرب العربي، وإقامة قوة قريبة من قناة السويس، عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية. ثانياً: العمل على تجزئة الوطن العربي إلى دول وكيانات متعددة. في نفس السياق يوضح الدكتور أن نفس التقرير يهدف إلى إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، والسيطرة على الموقع الجيو استراتيجي الهام للوطن العربي وعلى قناة السويس، ونهب ثرواته الطبيعية والحيلولة دون تطوره ودون تحقيق الوحدة العربية. وقد بدأت الصهيونية تعمّم هذا المصطلح مصطلح الشرق الأوسط بديلاً للوطن الواحد والشعب الواحد والأمة الواحدة، نظراً لأنه ملتقى القارات الثلاث ويُشرف على أهم الممرات المائية كقناة السويس، ومضيق باب المندب، والخليج، وخليج العقبة ومضيق هرمز، ويختزن أكثر من ثلثي احتياطي النفط العالمي. وتخشى الصهيونية والاستعمار من إقامة دولة اتحادية عربية قوية وغنية ومسلحة بالثروة النفطية والقومية العربية والعقيدة الإسلامية. احتلت المنطقة مكانة هامة في التنافس الاستعماري بين دول أوروبا الاستعمارية وبالتحديد بين بريطانيا وفرنسا من أجل السيطرة على الهند (المسماة بدرِّة التاج البريطاني). وجاءت حملة نابليون على الشرق في هذا الاتجاه، ولكنه فشل أمام أسوار عكا فعاد إلى فرنسا. من جانب أخر يشير الدكتور حسين غازي إلى الكتاب الذي ظهر في لندن عام 1909 بعنوان: مشاكل الشرق الأوسط لمؤلفه هاملتون وضّح فيه أهمية المنطقة لأوروبا والعالم، وطالب بضرورة السيطرة عليها. وأعلن الحاكم البريطاني على الهند اللورد كيرزون عام 1911 إدارة خاصة للشرق الأوسط، وكلّفها بالإشراف على شؤون فلسطين وشرق الأردن والعراق، كما اقترح فلاديمير جابوتنسكي عام 1922 مشروعاً لإقامة سوق شرق أوسطية وحدّدت الحركة الصهيونية عام 1942 أهدافها التوسعية وسيطرتها الاقتصادية على الوطن العربي في مؤتمر بلتمور الصهيوني، الذي يعتبر أهم مؤتمر صهيوني بعد المؤتمر التأسيسي في بازل على الشكل التالي: (إقامة قيادة يهودية للشرق الأوسط بأكمله في ميداني التنمية والسيطرة الاقتصادية) ووضع الصهاينة دراسات ومذكرات حول ''الشرق الأوسط'' في عامي 1941 و,1942 وأنجزوا مشروعاً صهيونياً للشرق الأوسط لمواجهة الكتاب الأبيض لحكومة الانتداب البريطاني في فلسطين ويتضمن المشروع العمل على قيام تعاون سياسي واقتصادي يمنع التصادم بين العرب واليهود، ويدمج فلسطين وبقية بلدان المشرق العربي. كما غرس يهود بريطانيا والولاياتالمتحدة فكرة الشرق أوسطية في صلب السياستين الأمريكية والبريطانية خلال الحرب العالمية الثانية وقد طُرحت فكرة التعاون الاقتصادي بين بلدان منطقة الشرق الأوسط لأول مرّة في 18 تشرين الثاني ,1943 وذلك في اجتماع عُقد بين ممثلين عن وزارتي الخارجية الأمريكية والبريطانية في لندن، بمقر وزارة الخارجية البريطانية للتباحث في تسوية وضع الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لضمان مصالح البلدين في المنطقة والهيمنة عليها. وأعد اليهودي الأمريكي د. ارنست بيرجمان ''أحد تلامذة حاييم وايزمان، زعيم المنظمة الصهيونية العالمية''، مذكرة قدَّمها للاجتماع، ويمثّل فيها تهويد فلسطين جوهر الخطة الأمريكية والقائمة على هجرة اليهود إلى فلسطين العربية وإقامة ''إسرائيل'' فيها، وتحويلها إلى قاعدة صناعية متطورة لتكون حجر الزاوية في المشاريع والمخططات المستقبلية للولايات المتحدةالأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. كما ظهرت ''الشرق أوسطية'' كفكرة ''إسرائيلية'' لأول مرة في وثيقة أصدرها ''اتحاد إيهود'' بتاريخ 28/3/1948 وتضمنّت ''التصاق فلسطين في اتحاد شرق أوسطي واسع''، ووقعها عن اللجنة التنفيذية للاتحاد المذكور: يهودا ماغنس، مارتن بوبر، ديفيد سيناتور، جيرت ويليلم وإيزل مولهو. وضعت الصهيونية وبريطانيا مخططاً لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين العربية من خلال: تهجير اليهود إلى فلسطين واستيطانهم فيها وترحيل العرب عنها وتوطينهم في البلدان العربية وتحقيق الاستعمار الاستيطاني عن طريق المجازر الجماعية والحروب العدوانية وبناء المستعمرات اليهودية. الانطلاق من الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والاحتلال والاستعمار الاستيطاني والمفاوضات لفرض اتفاقات إذعان على بعض الأطراف العربية. وولَّد تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين العربية، تحدياً مصيرياً للعرب والمسلمين كافة، وأحدث انقطاعاً في التواصل الجغرافي العربي واستنزافاً في الموارد الاقتصادية للبلدان العربية، وأصبح الكيان الصهيوني أداة عسكرية في يد الدول الاستعمارية للحيلولة دون وحدة العرب وتطورهم ولإذلالهم وإخضاعهم والسيطرة عليهم وعلى ثرواتهم. كما اقترح بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني على الرئيس الأمريكي إيزنهاور بتاريخ 24/7/1958 في رسالة وجهها إليه ''إقامة سد منيع ضد المد الناصري'' (أي التيار القومي) وللوقوف أمام التوسع السوفييتي من ''إسرائيل'' وتركيا وإيران. فشلت جميع المساعي الأمريكية والبريطانية في فترة الخمسينيات في إخضاع البلدان العربية للهيمنة الإمبريالية، ففشل حلف السنتو، وحلف بغداد، ومشروع جونسون للتعاون المائي بين الأردن و''إسرائيل''، ومشاريع التوطين، ومبدأ إيزنهاور، نظرية الفراغ للحلول محل فرنسا وبريطانيا في المنطقة. .../... يتبع