فقدت الساحة الفنية الجزائرية، بداية الأسبوع الجاري، أحد أعمدتها، الموسيقار شريف قرطبي، عن عمر يناهز الثلاثة والسبعين عاما بعد مرض عضال ألمّ به منذ سنوات ليفارق الحياة بأحد مستشفيات مارسيليا الفرنسية. كانت ''الحوار'' التي اعتادت الاهتمام بشيوخ الفن الجزائري الأصيل قد أجرت حوارا مطولا مع المرحوم قبل بضعة أشهر. ليسرّ لنا الفنان الراحل بعد طول غياب بالكثير مما كان يختلج في قلبه المتحسر على حال الفن الجزائر وما آل إليه، وهوالذي نذر ربيع شبابه لإسماع صوت اللحن الجزائري في الداخل والخارج. ومن ضمن ما استوقفنا ونحن نحاور ذاك المبدع الوطني قوله ''لا أستطيع أن أحدد إذا ما كنت أنا من يجب عليه أن يشفق على الفن أم هو من عليه أن يشفق عليا'.. مبديا عشقه للموسيقى ومحاولته لإعادة أمجاده من خلال الشباب. الموت يخطف قرطبي قبل أن يتم مشروعه الغنائي أزيد من خمسين عاما من العطاء في حياة قرطبي لم تشفع له لأن المرض لم يمهل قرطبي لإتمام عمل فني وعد به جمهوره عبر جريدة ''الحوار''، حيث كان المرحوم يحضر لإطلاق استعراض غنائي مع ''مصطفى تومي'' والفنانة ''نادية بن يوسف'' بعد أن تعطل المشروع بسبب وفاة كل من شيخ الاغنية الشعبية ''الهاشمي ڤروابي'' وعميدة الأغنية البدوية المرحومة ''صباح الصغيرة''. ولم يحل فقدان قرطبي لصديقيه دون تحقيق المشروع وحاول البحث عن أصوات شابة قوية دون جدوى بعد أن غير من نص كلمات الأغنية وألحانها تسهيلا للأغنية ولكن دون جدوى. فالبحث طال والموت وصل ليخطفه من بين أوراقه وأبحاثه، حيث كان المرحوم يحضر مجموعة من الأعمال الخاصة به وببعض الفنانين تحسبا لأي دعوة مع انه، وحسب تصريحاته، كان متشائما بهذا الخصوص. بعد خمسين سنة من العطاء قرطبي مات وفي قلبه غصة..؟ وقد كان قرطبي قد غاب عن الساحة الفنية الجزائرية منذ سنوات واقتصر تواجده على بعض المشاركات الفنية بعد أن اتخذ موقفا مما يقدمه الشباب اليوم، حيث أخبرنا الفنان الراحل انه كان قد رفض التعامل مع الكثير من المغنين الشباب فيما يخص اللحن ''ارفض وضع اسمي على أعمال لا ترقى إلى المستوى المطلوب''. كما رفض وضع تاريخه الفني فيما أسماه بمهب الأغنيات الهابطة التي باتت رائجة هده الأيام، خاصة أنه رائد من رواد العصر الذهبي من تاريخ الأغنية الجزائرية، حيث كان الفنان يغني بروح وطنية قوية تزيد من ترابطه مع جمهوره وزملائه من الفنانين. وتحسر الفنان في ذات اللقاء بمرارة انعكست على ملامح وجهه النحيل على ما آلت إليه أحوال الأغنية الجزائرية مع نهاية الثمانينيات، حيث أصبحت الأمور، حسبه، تسير إلى الانحراف بالفن إلى مستوى السوقية نظرا لتركيز الفنانين على الربح أكثر من تركيزهم على القيمة الإبداعية للعمل،''وعليه تحول الفولكلور الجزائري الى معقل للتجارة وأصبح الفنان يسرق الأغاني الفولكلورية ويضفي عليها نوعا من التعديلات التقنية وينسبها الى نفسه بكل بساطة، لاغيا بذلك تاريخ من سبقوه من الفنانين الكبار''... خ. ب