اهتدى أطفال الجزائر إلى طريقة جديدة للحصول على الراية الوطنية دونما الحاجة إلى صرف مبالغ مالية لذلك. ووجدوا في سرقتها من فوق العمدة في الساحات العمومية بدل شرائها، حلا مناسبا لإشباع حاجتهم في تأمين ما يكفيهم من أجل الاحتفال والمناصرة، وكذلك في الربح ببيعها إلى أطفال آخرين، لا يدخرون بدورهم جهدا من أجل صنع لوحات فنية جميلة في شوارع الجزائر مساندة للمنتخب الوطني في مهمته المصيرية في مونديال جنوب إفريقيا. يعاني أعوان الأمن منذ تأهل الفريق الوطني إلى المونديال من تصرفات جديدة لأطفال ومراهقين، يتحدون مطاردات الشرطة لهم في سبيل الحصول على العلم الوطني. فمع موجة المنافسة الشديدة بين باعة الأعلام والألبسة الرياضية في الآونة الأخيرة التي أدت إلى رفع الأسعار، وجد محبي الخضر سبيلا جديدا للحصول عليها دون مقابل بتكبد جهد قليل وخطر كبير. الزيارات الرسمية... فرصة لا تعوض تتزين الشوارع الرئيسية والساحات العمومية بالعاصمة في كل زيارة رسمية لأحد رؤساء الدول أو الحكومات أو الوفود الرسمية، بالرايات الوطنية للبلدين، ترحيبا بضيوف الجزائر، إلا أن هذه الرايات أصبحت محل أنظار واهتمام فئة من الأطفال والشباب، لا يرون فيها رمزا من رموز الدولة وحسب، وإنما سلعا يكثر عليها الطلب وطريقة للكسب السريع أيضا. يقوم العمال اليوميون للبلديات، ليلة قبل موعد الزيارات الرسمية، بالتحضير للمناسبة من إعادة طلاء الطرقات، وجدران الشوارع الرئيسية وتعليق الأعلام، حيث جرت العادة أن يعلق على أعمدة الساحات العمومية والطرقات السريعة والشوارع الرئيسية، علم للدولة الضيفة وعلمان جزائريان على كل عمود، على أن تنزع بعد انتهاء الزيارة ومغادرة الضيوف. لكن أصبحت هذه الأعلام والرايات الوطنية، في الآونة الأخيرة، محط اهتمام بعض الأطفال والشباب الذين يجدون في عدم وجود رقابة أعين رجال الشرطة فرصا لتسلق الأعمدة وسرقة تلك الأعلام، ويكون الجزائري هو المستهدف بالطبع. غير أنه إذا ما تناسبت أعلام الدولة الضيفة وألوان أحد الفرق المحلية، فسيكون هو الآخر محلا للسرقة، فكما يقال زيادة الخير خيرين. الأعلام المخاطة قبل المصبوغة يستهدف هؤلاء الأطفال والشباب نوعية معينة من الأعلام قبل سواها، وكلما كانت كبيرة كانت محط أنظارهم واهتمامهم أكثر. وتكون الأعلام المخاطة قبلتهم الأولى لتليها فيما بعد الأعلام المصبوغة. وحتى تلك المخاطة تتوفر على درجات حسب نوعية القماش المستعمل وحسب الحجم أيضا. وعليه تختلف أسعارها لدى بيعها من واحد لآخر، حسبما رصدناه في جولتنا بحي ميسويني، حيث لاحظنا أن أحد أصحاب طاولات بيع الأعلام الوطنية والبدلات الرياضية، يعرض أنواعا من الأعلام يظهر جليا أنها من تلك التي اعتدنا رؤيتها معلقة على الأعمدة. ليسرّ لنا في محاولة منه لبيعنا واحدا منها، أنه سلعة جيدة ومصنوعة من الحرير، مؤكدا لنا أنه صنع خصيصا ليعلق في الإدارات والمؤسسات الوطنية نظرا لحجمه الكبير. وفعلا تختلف أسعارها اختلافا كبيرا، فسعر العلم الكبير المصنوع من الحرير يتجاوز ألف و500 دينار، فيما تتراوح أسعار الأحجام الأخرى ما بين 5 مائة وألف دينار. في حين لا تتعدى أسعار تلك المخاطة يدويا من قبل النساء في منازلهن، 450 دينار. ''نأخذ ما نحتاج ونبيع الباقي'' تقربت ''الحوار'' من مجموعة من الأطفال كانوا يتسلقون أحد الأعمدة على مستوى شارع ميموني بساحة أول ماي، لنزع الأعلام المعلقة هناك، علما أن الشارع يطل مباشرة على ساحة المقراني التي تضم محطة الحافلات ومحطة سيارات الأجرة، والتي يتواجد على مستواها بصفة دائمة شاحنة شرطة لمراقبة المرور، إذ لا يخشى هؤلاء الأطفال الذين احترفوا سرقة الأعلام من على الأعمدة مطاردات الشرطة لهم، ولا تردعهم أيضا نصائح المارة خاصة كبار السن الذين يخشون تعرض أحدهم إلى الأذية إذا ما سقط من الأعلى. وعلمنا من أحد الأطفال ونحن نسأله عن سبب تسلقه العمود لأخذ العلم، أنه يقوم بجمعها ليخيط بها زيا من نوع برنوس ليلبسه لمناصرة الفريق الوطني، في حين يقوم ببيع ما لا يحتاجه منها وبالتالي يحصل على مصروف لدخول مقهى الإنترنت أو قاعة ألعاب الفيديو. وقال لنا صديقه ''نحن نأخذ ما نحتاج ونبيع الباقي''. وعن مطاردة الشرطة لهم، أجاب هذا الطفل أنه يحرص وأصدقاؤه على اختيار الأوقات المناسبة، كوقت الغذاء مثلا أو أوقات ازدحام السير، حيث يكون أعوان الشرطة منشغلين بتنظيم حركة السير. ''كما أننا أضاف ذلك الطفل، نسارع لأخذها قبل أن يقوم أعوان البلدية بنزعها''. وروى لنا هذا الطفل إحدى مغامرات صديق له، اقتاده أعوان الشرطة إلى قسم الأمن وهو ينتزع العلم الوطني من فوق عمود، ولم يمنعهم سنه الصغير من ذلك، حيث تم الاتصال بوالده ليخرجه بعد إمضاء تعهد بعدم معاودة الكرة. ث. م