تحولت أيام عيد الأضحى بالنسبة للكثير من العائلات الجزائرية إلى ما يشبه ''الكوشمار'' بسبب افتقادهم للعديد من الخدمات جراء تحول المدن الجزائرية إلى ما يشبه الإضراب العام شنه التجار دون سابق إنذار، بحيث غلقت المخابز أبوابها وشلت متاجر الخضر وتحول لهث المواطن للظفر بكيس حليب مثل الذي يبحث عن إبرة في كومة تبن، ونفس الأمر بالنسبة لإيجاد صيدلي مناوب. يأتي هذا ''التصحر'' الذي عاني منه الجزائريون طيلة أيام العيد، رغم أن ما يسمى بالاتحاد الوطني للتجار والحرفيين الجزائريين، وهو لسان حال التجار، قد وجه نداء لمنخرطيه من التجار بتوفير الخدمات للمواطنين، وتعهد بضمان ديمومة الخدمة خلال هذه المناسبة الدينية، وهو ما جعل الجزائريين يأخذون تلك التصريحات على محمل الجد، خصوصا وأن هذا الاتحاد يدعى تمثيله للآلاف المؤلفة من التجار والحرفين. لكن المعاناة التي واجهها الجزائريون خصوصا في المدن الكبرى على غرار العاصمة وهران وقسنطينة أظهرت أن الفوضى التي يعيشها القطاع التجاري لا ينفع معها لا نداءات ولا دعوات الاتحاد الوطني للتجار والحرفين الجزائريين الذي تبين بأنه ''جهاز أجوف''، بل يقتضي الأمر ضرورة تدخل الدولة لجعل الحصول على السجل التجاري لمزاولة أي مهنة أو حرفة له شروط ومتطلبات يعاقب كل من تجاوزها بشطبه نهائيا من التجارة، ومن ذلك فرض المداومة ليلا ونهارا وخلال العطل الرسمية والأعياد وتعليق سجلات المداومات في الأماكن العمومية حتى يكون بإمكان المواطن رفع الشكاوي والاحتجاجات ضد المخالفين والغشاشين والذين يريدون الربح ولا يتحملون القيام بالخدمة العمومية. إن الإضراب غير المعلن الذي دشنه الخبازون والصيادلة والمحلات التجارية للمواد الغذائية الأساسية يوم عيد الفطر لم يحدث لأول مرة بل تحول إلى عادة وسلوك دائم وكأن التجار يعيشون في غابة لا يحكمها عرف ولا قانون. وتعد الجزائر هي البلد الوحيد في العالم الذي يفتح فيه التاجر متجره في الوقت الذي يريد ويغلقه متى شاء ويغير مهنته كيفما أراد وحسب الفصول والمواسم دون إخطار حتى زبائنه أو أي جهة وصية أخرى، وهو سلوك منحط يكشف أن تجارنا للأسف الشديد امتهنوا التجارة عن طريق الغلط ومن باب ''مهنة من لا مهنة له''. ومثل هذا السلوك هو الذي جعل عاصمة البلاد تتحول إلى مدينة ميتة بمجرد غروب الشمس بسبب تهافت التجار لغلق محلاتهم ومتاجرهم ومقاهيهم وفنادقهم دون سبب مقنع، وهو أمر مؤسف حقا ولا يخدم صورة الجزائر في الخارج، لأنه إذا كان هذا حال العاصمة فكيف هو حال بقية المدن الأخرى؟. هذه الصورة لا بد أن تتغير وليس بطلب ''مزية'' من أصحاب المحلات التجارية، بل يجب أن تفرض الدولة شروطا صارمة على كل من يريد استخراج سجل تجاري وذلك حتى لا تتحول أعياد الجزائريين وأفراحهم إلى هواجس وكوابيس.