لا يخلو أي مجتمع من الجريمة، حتى وإن كان هناك تفاوت كبير بين نسبة وجودها في تلك المجتمعات، أو من حيث مقدار انتشارها ، ومن يوازن بين مجتمعنا وأي مجتمع آخر فسيجد الفرق واضحا لا يحتاج لأي دليل، غير أن المقلق فعلا هو تسابق بعض صحفنا الوطنية على نشر أخبار الجرائم المرتكبة في أنحاء العالم، فتنقل إلينا كل ما هو غريب على عرفنا ولا علاقة له بمواضيعنا الاجتماعية، والأسوأ أنها غالبا ما تحكي قصصا مروعة تجرح شعورنا وتسيء إلى نظام حياتنا. وتنقل إلينا ما يزعج هدوءنا الذي اعتدناه، هذا كله دون مردود نافع يمكن للقارئ من أن يجنيه بعلمه لهذه النماذج الشاذة في مجتمعات أقل ما يقال عنها أنها دول متقدمة ، أخفقت حتى في حماية مواطنيها من مواطنيها، حتى صارت الجريمة ترتكب فيها كل ثانية من ثواني الدهر. والذي أقلقني ودفعني فعلا إلى الكتابة في هذا الموضوع، هو إسراف بعض الصحف في ذكر تفاصيل الجرائم، بشرح الخطط التي مكنت المجرم من الوصول إلى تنفيذ جريمته، مع التركيز على مكامن الضعف التي أدت إلى كشفه فيشترك بذلك الصحفي دون قصد منه، بأفلام الرعب التي تسوقها لنا نلك الدول لتلقن من خلالها شبابنا أصول الجريمة، والدافع من وراء ذلك هو السبق الصحفي والركض خلف الإثارة لجذب القراء. اليوم وللأسف صارت بعض الصحف الوطنية تتسابق في نقل تصريحات بعض زعماء الإرهاب والقتلة الذين سفكوا ويسفكون دماءنا ودماء إخواننا عبر تراب الوطن، مع نشر صورهم وصور محاكماتهم الصورية ضد الأبرياء، ولم يكن رئيس الحكومة بغافل عندما دعا الأسرة الوطنية للإعلام إلى اتخاذ موقف ثابت تجاه هذا الوضع، محذرا إياهم وإيانا من الوقوع في الدعاية الإرهابية، ومحملا الصحافة الوطنية جزءا من الدعاية الإرهابية دون شعور بالخطأ الجسيم. وكان الجدير بمثل هذه الصحف أن تمتثل إلى أسلوب القرآن الكريم حين ذكر بعض الجرائم، فإنه لم يفصل في أحداثها وأجملها إجمالا ، فصور المنهاج القرآني الجريمة دون أن يغري بها، واعتنى بمعالجة الموقف وإثارة شعور القارئ ضد المجرم والجريمة، ملمحا إلى أن المجرم سيصل لا محالة إلى ساحة العدالة ما يعني بالضرورة التذكير بالعقاب، فيقع المرجو من إعلان الجريمة، وهو اعتبار الآخرين بها، فرفقا بالجزائر أيها الزملاء، فلكم نحن بحاجة ماسة إلى ذكر نماذج الطموح والتقدم والرقي عوضا عن غيرها من النماذج.