أجل، صدق غلام الله عندما قال:''حققوا الحرية الدينية في بلادكم ثم تحدثوا عن الآخرين''، في رده على تقرير الكتابة الأمريكية بشأن الحريات الدينية، الذي صدر مؤخرا، وقبل أن يتحدث احدهم عن الجزائر ويرصد واقعها المعيشي، كان حريا به أن يحقق في ما يجري داخل بلاده، واعتزازنا بهويتنا الإسلامية لم يدفعنا يوما من الأيام إلى التمييز العنصري كذاك الذي يحدث بأمريكا، وفرنسا الدانمرك بل وحتى أوروبا بأكملها تقريبا. أليست فرنسا هي التي فرضت حظر النقاب في الأماكن العامة، ولماذا لم ينظر التقرير إلى ذلك التضييق المفروض بسويسرا على المسلمين الراغبين في بناء المآذن، ثم لم يتغاضى الجميع عن تلك الطريقة المؤلمة التي تسعى من خلالها دولة الدانمرك ابتزاز المسلمين ومشاعرهم، وهي التي أعلنت مؤخرا عن مشروع قانون للمهاجرين، أجبرت فيه أطراف برلمانية دانمركية كل من يرغب بالهجرة إلى دولة الدانمرك قبول النظر إجباريا إلى صدور النساء العاريات، بحجة التأكد من قبول هذا الشخص الراغب في الهجرة للثقافة الغربية وعدم معارضته للحريات. إذ أكدت التقارير أن اليمين الدنمركي يبحث عن طرائق لمنع المسلمين من طلب الهجرة إلى الدانمرك حتى لا يؤثر في نمط الحياة هناك، فاقتراح إخضاع كل مهاجر إلى بلاده إلى امتحان نظر إلى صدر امرأة عارية وصور عراة هو جزء هام وضروري جدا في امتحان القبول لطلب الهجرة. وحسب وجهة نظر اليمين الدانمركي، فان المهاجر لو حدث وكان متطرفا فانه فورا سيتنازل عن طلب الهجرة إلى الدنمرك على أن يشاهد تلك الصور ، أو على الأقل أن يفكر مرة أخرى في طلب الهجرة الى الدنمرك بعمق أكثر، ويا لها فعلا من طريقة شيطانية لإذلال المسلمين. تقرير الحريات الدينية الذي أعدته الكتابة الأمريكية، لماذا لم يتتبع عورات الهولنديين الذي قال تقرير صحفي مؤخرا، إن طالب الهجرة هناك يجبر على أن يشاهد فيلما يتضمن رجلان يتبادلان القبل قبل أن يوافق على دراسة طلبه، فهل من الحرية أن يجبر كل مسلم على التنازل عن قيمه وأخلاقه، وتقاليده ومعتقداته. أين نحن من كل الذي يحدث حولنا، وهل حدث مثلا أن أرغمنا أحدا من غير المسلمين على دخول جوامعنا لأداء صلاة الجماعة عنوة، ثم هل فرضنا على غير المسلمات حجابا أو نقابا بالقوة، ما لم يكن ما يفعله أولئك حبا منهم للإسلام، وهم أحرار في ذلك، فلماذا ينظر إذن، لصغائر الجزائر ولا ينظر لكبائر الدول الغربية فيما تفعله وإن كبر حجمها وكبر. وعندما يعمل الجميع على خنق الحريات الدينية، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالمسلمين، يتسارع الرؤساء على إلقاء الخطب الرنانة، مثلما فعل ساركوزي مؤخرا في خطابه الداعي إلى رأب الصدع، وإعادة تأسيس علاقات جيدة وجدية مع العالم العربي وتعزيزها، لكن بعد ماذا، بعدما نسفت تلك العاقات بالثقيل، فمن تابع جيدا آخر خطاب ألقاه نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي أمام أعضاء ''غرفة التجارة الفرنسية العربية'' في إطار الاحتفال بالذكرى الأربعين لتأسيس الغرفة، يرى كيف كان الخطاب غير مجدي وغير مقنع تماما، على الأقل ليس بحجم توقعات العرب الذين كانوا يرغبون في خطاب على أهمية خطاب الرئيس الأمريكي الذي وجهه من القاهرة إلى العالم العربي، وهو الخطاب الذي أسس لحقبة جديدة من التعاون بين العالم العربي والولاياتالمتحدة. ساركوزي الذي لم يجب في خطابه على الأسئلة المحورية التي لا تزال تشغل العالم العربي والمتعلقة أساسا بالمهاجرين وأبنائهم في فرنسا والذين يشكلون 10 بالمائة من عدد السكان، وعن كيفية اندماجهم في المجتمع الفرنسي وتقبل الفرنسيين لهم ولعاداتهم الثقافية والحضارية المختلفة، وهو الذي يعيدنا غلى نقطة الانطلاق، لا '' إفراط ولا تفريط''، فمثلما يسعى الجميع لتحسين وتوطيد علاقاته بالبلدان العربية، كان لزاما عليهم أن يعوا أن للمشرقي عادات تقاليد وقيم، لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتخلى عنها، مثلما يرغب الغرب أن يطمسها ويدمرها. وهل يعقل أن تتحول أمة بأكملها عما كانت عليه، أن تنسلخ، أن تندثر وتصير من المجهول والمعدوم، لا يعقل تماما، ما تسعى بعض الدول إلى تحقيقه، بفرض ثقافتها دفعة واحدة على الشعوب العربية والإسلامية، بحجة الدفاع عن أراضيها، لا يختلف كثيرا عما كان ولا يزال يقوم به المستوطن الذي يعمل على اقتلاع ثقافة ومعتقدات البلد المستوطنة من جذورها، مثلما فعلت فرنسا مع الجزائر أيام الإبادة الجماعية، وتفعل إسرائيل مع الفلسطينيين الذي ترهبهم بأفتك الأسلحة وأخطرها، ولأن لا أرض لهم غير أرضهم ولا يمكنهم بأي حال من الأحوال الانسلاخ عن ثقافتهم العربية، فليبق في علم الجميع أن العنف الذي تسعى بعض الدوائر الغربية إلصاقه بالإسلام لن يجدي نفعا البتة. فلتعاقب الميليشيات المسيحية المتطرفة في الولاياتالمتحدة عن العنف الذي تتسبب فيه، بل لماذا لا ينظر تقرير الحريات الدينية إلى العنف اليهودي في فلسطين، أم أن المسلمين هم أسهل الأشخاص الذين يسهل بشكل سريع نسبة العنف إليهم ضمن مسار تشويه الإسلام وليس محاربة العنف كما يدعون.