أرباب العمل: الاتحاد الوطني للمقاولين العموميين ينظم الجمعة المقبل لقاء حول الشراكة بين القطاعين العام والخاص    عطاف يستقبل نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي    مجلس الأمة: إجراء قرعة تجديد نصف أعضاء المجلس المنتخبين في الولايات العشر الجديدة الخميس المقبل    المجلس الشعبي الوطني : بوغالي يشرف على احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    يعزز الشفافية والاستقرار في النشاطات المنجمية.. عرض مشروع قانون المناجم الجديد على البرلمان قريبا    تتويج 5 فائزات في الهاكاتون النسائي    أسداها خلال اجتماع مجلس الوزراء.. رقمنة مصالح الجباية .. خبراء يثمنون تعليمات رئيس الجمهورية    بينما الحصار يشتد على غزة والمجاعة تتسع..حماس: المفاوضات ترتكز على إنهاء الحرب والانسحاب وإعمار غزة    فرنسا استخدمت أسلحة كيميائية محظورة في الجزائر    عندما يتوَّج المهرّج يصير القصر سيركا    صلاح يزحف نحو القمة..    خلال اجتماع لجنة أممية بنيويورك..مولوجي تبرز التجربة الجزائرية في تمكين المرأة    وقفات مع الصائمات    مستشفى مصطفى باشا يتعزّز بمصالح جديدة    دورة جيمنيكس الدولية بكندا: تتويج كايليا نمور في اختصاصي العمودين غير المتوازيين وعارضة التوازن    فتح باب الترشح للطبعة ال8 لجائزة "كاكي الذهبي" للكتابة الدرامية    بوتسوانا تجدد دعمها الثابت لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير و الاستقلال    العاصمة: ايقاف 45 شخصاً وحجز 9008 أقراص مهلوسة    إطلاق الحملة الوطنية للحد من التبذير خلال شهر رمضان    حركة "حماس" تؤكد استعدادها للشروع فورا بمفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار    عرض مسرحية "الخيط الأحمر" بالجزائر العاصمة    معسكر..افتتاح الطبعة الأولى للتظاهرة التاريخية "ثائرات الجزائر"    وهران..الطبعة ال17 للدروس المحمدية بالزاوية البلقايدية من 13 إلى 21 مارس    بورصة الجزائر: إدراج بنك التنمية المحلية الخميس المقبل    اللواء بخوش : مصالح الجمارك تعمل من أجل تعزيز دور المرأة الجمركية وإشراكها في صناعة القرار    كأس الجزائر/ الدور ثمن النهائي:حامل اللقب في مواجهة اتحاد الشاوية و داربي عاصمي واعد في القبة    كأس الجزائر/ الدور ثمن النهائي: نقل مباراة شباب بلوزداد - اتحاد الشاوية الى ملعب 5 جويلية    صناعة: غريب يستقبل ممثلي مجموعة "بهوان" العمانية وشركة "هيونداي" الكورية لصناعة السيارات    مزيان يشرف على حفل تكريمي للعاملات والإطارات    الوزير الأول يشرف على حفل تكريم عدد من النساء الجزائريات    أضرار أكل المخللات في رمضان    جزائريون يدمنون على أنواع من الخبز في رمضان    تعميق الممارسة الديمقراطية    تخصيص فضاء لهواة جمع الطوابع بالبريد المركزي    مائدة إفطار على شرف أفراد الجالية بالسعودية    "البيام" و"الباك" التجريبيان ما بين 18 و22 ماي    مواقف الجزائر الثابتة تزعج الأعداء    الأولوية للمعدّات وقطع الغيار المحلية قبل الاستيراد    مسعودي لطيفة.. من مستثمرة فلاحية إلى التصدير    بيع "المطلوع" و "الديول" و"الحشيش" لدعم مصروف العائلة    112 مسجد قيد الإنجاز    "حلف الشيطان" يتآمر لزعزعة استقرار المنطقة    بلايلي يعود إلى "الخضر" من الباب الواسع    "الحريرة".. "المعقودة" و"طاجين الحلو" زينة مائدة رمضان    "الفاف" تستغرب رفض عمر رفيق اللعب مع الجزائر    "بنات المحروسة" الأوّل ب 4,1 مليون مشاهدة    "القوال".. استثمار في الفن الشعبي وتعريف الناشئة به    18صورة تعكس جمال وثراء الأعماق    لاعب المنتخب الوطني، أمين غويري    مجالس رمضانية في فضل الصيام    دعاء : من أجمل ما دعي به في رمضان    الأسرة المسلمة في رمضان.. وصايا ومواعظ    قويدري يشيد بدور المرأة    مدربه السابق يكشف سرّ توهجه في ألمانيا.. عمورة يواصل التألق ويسجل هدفه العاشر    صناعة صيدلانية: قويدري يشيد بدور المرأة المحوري في ترقية القطاع    إنْ لم نقرأ ختمة أو نسمعها في شّهر القرآن.. فمتى؟!    الإنتاج المحلي يغطّي 76 % من احتياجات الجزائر    اجتماع تنسيقي لتطوير آليات خدمة الحجاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجال من التاريخ.. الخليفة الكامل .. 01
نشر في الحوار يوم 09 - 09 - 2008

يا أيها السادة: أريد منكم أن تأخذوا الأقلام بأيديكم، وتجمعوا أذهانكم وتكتبوا كل صفة تتمنون أن يتصف بها الحاكم، في نفسه وفي أهله، وفي أمانته وسياسته، وفي لينه وشدته.. حتى إذا اكتملت الصورة الخيالية التي صورتها أمانيكم وآمالكم، جئتكم بحقيقة واقعة لملك من ملوكنا تعدلها وقد تزيد عليها. حاكم كانت حياته المثال الكامل لما يمكن أن يبلغه خيال أديب قصاص، أو أمل عالم مصلح.
خليفة كان نموذجا من النماذج التي لا ترى إلا مرة واحدة في القرون الطوال، وليس من أمثاله في تواريخ الأمم كلها إلا آحاد. كان عالما: العلماء الكبار تلامذة أمامه، وكان كاتبا: الكتاب البلغاء مبتدئون لديه؟ وكان يتواضع لله حتى ليكبر عنده الصغير المسكين، ويشتد لله حتى ليذل عنده الطاغية الجبار. وكان يعيش عيش الفقر وبيده خزائن الأرض. ويحيا حياة العفاف والحرمان، وتحت سلطانه كل جميلة في الدنيا. ملِك لولا أنه كان بشرا لقلت إنه ملَك. يا سادة: لنرجع إلى الوراء ثلاثة عشر قرنا. نحن الآن في مرج دابق في أوائل سنة 97 للهجرة. ودابق قرية في جهات حلب، من أعمال عزاز، كان فيها المعسكر الأمامي للجبهة الرومانية، وفي دابق الخليفة الشاب سليمان بن عبد الملك، ومعه الجيش ورجال الدولة، وهو مرابط فيها منذ شتاءين. يمد الجيش المحاصر للقسطنطينية، الذي يقوده أخوه مَسْلمة، والمعركة لا أمل في ربحها، وقد فشا الضرّ في جيش مسلمة، وضعفت روح الجنود المعنوية، ووجب فك الحصار، وسليمان يصر عليه خلافا لآراء الخبراء العسكريين وعقلاء القوم. وفشت الحمى في الجيش، وتتابعت الوفيات، حتى لم يجد الخليفة من الخدم واحدا صحيحا يوضئه. وعلا المنبر يخطب، وصوته يملأ المسجد، فأصابته الحمى، فما زال يضعف صوته، حتى حمل إلى بيته محموما. وعهد إلى ولده الصغير، فحوله عن ذلك مستشاره الخاص رجاء بن حيْوه وما زال به، حتى رضي أن يعهد إلى الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز. فقال سليمان: نعم الرجل هو لولا أن أبناء عبد الملك لا يرضون أن تصرف الخلافة عنهم. قال: فاجعلها بعده ليزيد بن عبد الملك. وكتب العهد على ذاك. ودعا إليه الأمراء الأمويين، وأشراف الناس، وأخذ بيعتهم على ما في الكتاب مختوما. وجاء عمر إلى رجاء، قال: يا رجاء إني خشيت أن يكون قد عهد إلي، وأنا واللّه لا أطيقها، فخبرني الآن وهو حي، لأصرفها عني، وأنا أشكر لك صنيعك. قال: لا واللّه، لا أخبرك بشيء. فانصرف مغضبا. وجاءه هشام، فقال: يا رجاء، أخشى أن يكون قد عهد إلى غيري، وأنا أشكر لك وأثيبك، فخبرني الآن وهو حي، حتى أحولها إلي. قال لا واللّه لا أخبرك شيئا، فانصرف مغضبا. ومات سليمان. وجمع رجاء الناس وفتح الكتاب فإذا هو عمر. فضج أبناء عبد الملك، فلما سمي يزيد بعده سكتوا، وصعق عمر حتى ما يستطيع القيام، وقال: واللّه ما سألتها اللّه في سر ولا علن، فأخذوا بكتفيه حتى أقاموه إلى المنبر. وسكت الناس. فقال:يا أيها الناس. إني ما استؤمرت فيها ولا خيرت، وما لي بها من حاجة، وقد خلعت بيعتي من أعناقكم، فبايعوا من شئم. فضجوا وصاحوا من كل طرف: - لا نريد غيرك. فقام عند ذلك فألقى خطبة العرش، وأعلن فيها (بيانه) وسياسة حكومته، وأنه لا يملك التشريع لأن الشارع هو اللّه، ولكن له السلطة التنفيذية وحدها، وأنه إن خالف الشريعة، وجبت مخالفته. وأن الخليفة ليس سيد الأمة ومالكها، ولكنه أجيرها وخادمها فقال: أما بعد، فإنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد القرآن كتاب، ألا ما أحل اللّه فهو حلال إلى يوم القيامة، وما حرم اللّه فهو حرام إلى يوم القيامة، ألا لست شارعا ولكني منفذ، وألا وإني لست بمبتدع، ولكني متبع، ألا إنه ليس لأحد أن يطاع في معصية اللّه. ألا وإني لست بخيركم ولكني رجل منكم، غير أن اللّه جعلني أثقلكم حملا. وارتجت الأرض من دبدبة الموكب الرسمي. وعدت السرادقات الملكية، فأبى ذلك كله وقال: ما لي ولهذه المراكب! نحوها وقربوا إلي بغلتي، فركبها وسار إلى فسطاطه، وأمر بإبطال الموكب الرسمي، وبيع أثاث الفساطيط الملكية ورياشها وإدخالها في بيت المال. لما كانت البيعة يا سادة، حسب الناس أنه أمر كالذي عرفوا من الأمور. خليفة يمضي، وخليفة يأتي، ويبقى كل ما كان على ما كان. يتبدل الرفرف الأعلى من البناء، فماذا ينفع المقيم في الأقبية المظلمة، والغرف الباردة أن تتبدل رفارف البناء؟ ولكن لم يكد يصعد الخليفة الجديد المنبر، ويلقي خطبة العرش، ولم يكد يصدر أمره في دواب الموكب وأثاث الخلافة حتى أدرك الناس أنه أمر ليس كالذي عرفوا من الأمور، وليس خليفة كالذين رأوا من الخلفاء. وليس تبديلا في ذرى البناء، ولكنها بوادر تبديل شامل، إصلاح أساسي، يبدأ من أسس البناء، لا يقتصر على الزخارف والألوان، إصلاح يبدأ من جذور الدوحة، لا من الفروع وحدها والأغصان. ولم يدم هذا الأمل إلا مثل ما تبرق في الجو بارقة وتختفي، خافوا أن يكون هذا الخليفة الذي يزهد في الملك، ويعلن التنازل عنه، ورد أمره للناس، خافوا أن لا يكون منه إلا رجل صالح متعبد، ولكنه مغفل ضعيف يعجز من أول يوم عن إدارة هذه الآلة الضخمة، الممتدة أجزاؤها من فرنسا إلى الصين، نعم من حدود الصين إلى أطراف فرنسا، الآلة الهائلة التي يسمونها الدولة الأموية. وأمسكوا بقلوبهم خشية أن يتبدد هذا الحلم الذي برقت لهم بوارقه من خطبة العرش. ولكن الحلم يا أيها السامعون.. إن الحلم تحقق. وصار الخيال في تاريخنا حقيقة واقعة!....
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.