لو كانت ''مادام صولاي'' على قيد الحياة لما وجدت من الفرنسيين من يطرق بابها مستقبلا لقراءة طالعه، بعدما تجاوزها في التنجيم وزير الداخلية الفرنسي الحالي بريس أورتوفو الذي يقرأ في أفكار الناس وليس في طالعهم فحسب. كيف لا يكون ذلك وقد دعا هذا الوزير القنصليات الفرنسية إلى التشديد مع طلبات الجزائريين للحصول على ''الفيزا'' قصيرة المدة، لكونها كما تشدق هذا الوزير بملء فيه ستستعمل من طرفهم ل ''الحرڤة''. ومثل هذا النوع من ''التنجيم'' الذي أوصى به وزير الداخلية مسؤولي السفارات والقنصليات الفرنسية بالخارج في التعامل به مع طلبات التأشيرة للجزائريين لا يختلف عن المثل القائل ''إذا أردت قتل كلبك، اتهمه بالجنون''، وهو ما ذهب إليه هذا اليميني المتطرف الذي لم يستطع كبت عنصريته وكرهه للجزائريين، رغم إدانته أكثر من مرة حول تصريحاته العنصرية باتجاه المهاجرين العرب في فرنسا. لقد اعتبر وزير الداخلية الفرنسي من خلال دعوته للتعامل بصرامة مع طلبات التأشيرة للجزائريين أن جميع الجزائريين، في سلة واحدة، وأنهم جميعا يريدون ''الحرقة'' من بلادهم، وهو تجن مجاني لا يمكن تفسيره سوى بالحقد الأعمى، لأن الوزير يعلم أكثر من غيره أن عدد ''الحراڤة'' الجزائريين الذين يختارون فرنسا كوجهة مفضلة لهم لا مجال لمقارنتها بالمهاجرين الأجانب الآخرين، والأرقام عن المرحلين في وزارة الداخلية تشهد على ذلك. ثانيا أن طريقة التعاطي مع الطلبات المودعة من طرف الجزائريين لدى القنصليات الفرنسية، مختلفة تماما عن تلك التي يعامل بها بقية المهاجرين الأجانب، وقد شهدت على ذلك تحقيقات جمعية ''كامات'' الفرنسية لمساعدة المهاجرين التي سجلت معاملة سيئة على مستوى القنصليات الفرنسية التي تدرس ملفات الجزائريين بخلفية فيها الكثير من الريبة وترفض الملفات وتأخذ المستحقات دون أن تقدم أسبابا واضحة للرفض، وهو سلوك يكفى وحده للدلالة على أن الجزائريين لا يستقبلون بالتمر والحليب أمام القنصليات الفرنسية، بل يواجهون شوط المحارب بشأن طلب ''الفيزا''، وبالتالي فإن فرنسا لم تمن عليهم بشيء وكل ما أخذوه هو حق تكفله لهم الاتفاقيات الثنائية المنصوص عليها في اتفاق 1968 وتنص عليه المواثيق الدولية لحرية تنقل الأشخاص، كما جاء ذلك في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. هذا معناه أن ما يدعو إليه وزير الداخلية الفرنسي بخصوص تقليص منح التأشيرات قصيرة المدة للجزائريين هو بمثابة حرب معلنة، ويحق عندها للجزائريين المعاملة بالمثل مثلما تقره الأعراف الدبلوماسية، خاصة إذا كانت فرنسا قد مكثت في الجزائر عنوة أكثر من 130 سنة، فمن باب العدل أن يقيم الجزائريون نفس المدة أيضا ودون أن يتفوه بريس أورتوفو بمثل هذه التفاهات.