كالعادة ومع اقتراب رأس السنة الجديدة، تعمل الصحافة الوطنية، وحتى عبر العالم على تذكير قرائها وجمهورها بأهم أحداث العام المنقضي، بمحطاته المتنوعة سواء ممتعة أو مستفزة، غريبة وصارخة، مهمة أو غير نافعة لكنها شاذة، صنعت الحدث، فشدت إليها الرأي العام وشغلته، وكانت بذلك مادة خام لكتابات الصحفيين لأسابيع، فما خلت صفحات الصحافة الوطنية '' و/أو'' الدولية، من تحليلها ومناقشتها وإعادة دراستها، وحتى العودة إلى تقييم هذه الأحداث بين الفينة والأخرى، ثم حتى لا ينساها القارئ، تعيد التذكير بها حتى قبل اختتام السنة ببضعة سويعات وانطلاق العام الجديد الذي قد يمحيها من ذاكرتنا نهائيا، أو يقد فعل العكس فيزيد من تعميق رسوخها بأذهاننا في حال ما إذا عادت الأحداث وتقاطعت مرة أخرى بالأحداث التي مرت علينا. بالفعل الساحة الوطنية، ما خلت هي الأخرى من الأحداث السياسية، الاقتصادية، الثقافية المتنوعة التي رسمت معالم السنة المنقضية،...عفوا التي ستنقضي وما عاد يفصلنا عنها سوى يومين بالكثير، أحداث أهم ما شدني إليها شخصيا، وكأي جزائري يعيش على أمل أن تتحرك عجلة التنمية في الوطن بشكل أكثر فعالية، هي تلك الموجة الكاسحة لعمليات الترحيل التي مست أحياء كثيرة من العاصمة، وحتى خارج الولايات، بعدما أعلنت الحكومة الجزائرية نيتها صراحة في القضاء نهائيا عل السكنات الهشة القصديرية والقديمة الآيلة للسقوط.. فصرنا نسمع عن إعادة إسكان متواصل، مس سكان الشاليهات والمباني الهشة والمواقع القصديرية، حتى وصل برنامج مديرية السكن لولاية الجزائر مرحلته الرابع عشر خلال هذا العام، وتحركت بالفعل عجلة الإسكان وتحول حديث الجزائريين تقريبا كل شهر عن ''جديد المرحلين''، بين مسرور ومحتج، انقسمت آراء الجزائريين بشان مبادرة إعادة الإسكان، غير أن الأكيد هو أن هناك فعلا حركية .. هناك فعلا تغيير .. هناك نية واضحة لتحسين ظروف المواطنين. شدتنا كثيرا حركة الاحتجاجات الضاربة في كل موقع سكني من العاصمة، في محاولة للضغط على السلطات الوصية على هذا الملف الحدث في حد ذاته، ملف ثقيل عريض طويل، ما إن يذكر في المجالس حتى تنال منا رغبة ملحة عن الحديث فيه بتفصيل مطول ودقيق، قلت الضغط لأجل نيل سكن لائق بالعاصمة أو ضواحيها، وإن كان الجميع يدرك جيدا أن هناك فئة من الراغبين في الاستفادة من السكنات تعمل بمنطق ''المراوغة والتحايل''.. وتعيش على المثل القائل'' الكرش اللي ما تشبع تتقطع''، فتراهم يتهافتون ذات اليمين وذات الشمال، يسعون سعيا غريبا وبطمع وجشع خلف ملفات السكن، و''صحاب الحق'' ممن يخشون التجاوزات تلقاهم ينتظرون حقوقهم المسلوبة في صمت..وما على عليهم سوى الانتظار والصبر والثقة في الدولة مثلما قال وزير السكن، ومن لم يسكن اليوم سيسكن غدا. الحقيقة أن الاحتجاجات ما هي سوى رد فعل تلقائي من طرف البعض وحتى الدول المتطورة ما خلت من الاحتجاجات، وما حدث بفرنسا العام الجاري، إلا خير دليل، فالمظاهرات المليونية التي شنتها نقابات العامل والطلبة التي لم تشهدها الجمهورية الخامسة منذ زمن، صنعت مشهدا مغايرا عن الشعب الفرنسي، وحكومة ساركوزي. اليوم، أيضا الشقيقة تونس تعيش على وقع الاحتجاجات، والمطلب واضح، الحاجة لنيل المزيد من المتطلبات التي صار يرى فيها المواطن التونسي، غاية ملحة، اليوم قبل الغد، وحتى مصر التي تستعد لرئاسيات مقبلة، ما فتئت تعيش أجواء الاحتجاجات والدعوة لتحقيق مكاسب أخرى، وكذلك هو الحال بالنسبة للعديد من البلدان متطورة وأخرى نامية. وبعيدا عن أجواء الاحتجاجات، ضيعت الساحة الثقافية في الجزائر شخصيات بارزة نشطت لسنوات عديدة وبنجاح كبير فعاليات الساحة الثقافية في الوطن، عشنا معهم وعايشناهم، فكانوا لنا خير أنيس، فصحونا على خبر فقدانهم، أذكر منهم محمد أركون، الشيخ عبد الرحمن الجيلالي كلثوم، العربي زكال، ومطربين أحيوا لسنوات طوال الساحة الفنية في الوطن.. فماتوا في صمت، لأسباب يعلمها الجميع. وبقدر ما ضيعت الساحة الثقافية قامات وهامات في الفن والطرب والانتروبولوجيا والدراسات الأكاديمية، عاش الجزائريون دون استثناء على وقع مهرجانات ثقافية ناجحة إلى حد ما، وإن كان ينقص بعضها أن تحترم المقاييس الدولية للمهرجانات العالمية، في ظل اكتفائها بدعوة ما لا يصلح وعدم استعانتها بالأكفاء، حتى يصدق فيهم فعلا المثل الذي يقول '' خلا الطريق وراح للحريق''، وبعد انتهاء العرس ترى انعكاسات ما جرى خلاله يرتفع صداه، مثلما حدث تماما مؤخرا مع مهرجان السينما الدولي بوهران، تفاعلت فيه وزيرة الثقافة مع تصريحات بعض المدعوين، ودخلت حربا غير معلنة من التصريحات، والسبب في القائمين على المهرجان الذين ما أحسنوا اختيار المدعوين، ثم كيف لفنان أن يصل قاعة المهرجان ثم يخرج منها ''مطأطأ الرأس''، لخلل في توزيع كراسي الجلوس بالقاعة.. على العموم أخطاء كهذه يفضل عدم الخوض فيها كونها تنقص فعلا من قيمة الكثيرين.. وإن كنا نتحدث عن احترافية الفنانين، فعلينا أيضا أن نتحدث عن احترافية نجوم الكرة عندنا، ما يدفنا للحديث عن أحوال كرة القدم في الجزائر والبطولة الوطنية التي اختارت هذا العام خوض غمار الاحتراف، فصرا الجميع يدعوها وهم في ذلك على صواب ''بطولة الانحراف''، والسبب تلك الانزلاقات التي سقط فيها عدد من المدربين، اللاعبين، وكذا رؤساء الأندية دون استثناء لأسباب عديدة، على رأسها التصريحات النارية والمستنفرة التي أطلقها بعض المختصين في هذا الشأن، فظلت الاحترافية في خبر كان وبقي حال البطولة في قالب الهواة لا أكثر، فال شيء تغير في حقيقة الأمر ، فتجددت حروب الكلام، و(بين قوسين) كان لبعض الصحفيين دورا رئيسا فيها.. بنقلهم ل'' المليح والدوني'' جملة وتفصيلة. مثل هذه الأحداث، قد نعاود مصادفتها دون شك العام المقبل، كونها تتمة طبيعية لما حدث هذا العام وتسلسل طبيعي لمجريات الأحداث، بعضها نتمنى أن لا يعيد القدر مواجهتنا لها، وبعضها الآخر بقدر ما فيها من الضرر فيها من النفع لأننا نؤمن ببساطة أن '' الدنيا ..فيها ....وعليها''.