ما كان منبعثه القلب وصل القلب حتما، كيف لا ونحن نعيش على صدى كلمات رقَمها كاتبوها بنفَس صادق وروح حرَّى، ومزجوا المداد المسوِّد للصفحات بدم كان هو العنصر الأغلى والأقنى، والغالي النفيس، وليطالع من شك إحياء الغزالي، أو مكتوبات السرهندي، أو مثنويات الرومي، هل يتبين للمرءإثرها إلا وكأن أشخاص القوم بعثت من أرماسها، فهي تنطق بأصدق عبارة، وأجمل إشارة، بلسان فصيح ووعظ صريح.... ومثلما للكلمات دولة في عالم المعاني، فللأفعال الصادقة دولة نظيرة لها في عالم المحسوسات والمباني، تنبئ أن العرف بين الله والناس لن يذهب هباء، والفعل الصادق بين الناس لن يلقى الجفاء، إيذانا من موازين الحقيقة التي نصبت في ذا الكون آن الحق أبلج والباطل لجلج، وما ينفع الناس فيمكث في الأرض. أذكر هذا لما يعلمه الكثير من الاحتجاجات التي يعيش على وقعها الإخوة التونسيون، والتي كان شرارتها حرق شاب لنفسه مل البطالة وسئم تكاليف للحياة تأتيه ولم يقدر لها لفاقة ، رغم أنه كان ملئ الفكر والتخطيط حين مر بمرحلة الشباب والطموح ككل شاب في هذه المعمورة، جُبِل مما جبل عليه من فورة وأمل زخار في استشراف المستقبل واسكتناه الغيوب، ولئن عادت روحه إلى محلها الأرفع فإن أثرها سار بين الناس سريان الماء في الورد، والروح في الجسد .