فتحت ظريفة بن مهيدي بيتها وقلبها ل"الأمة العربية " لتفرغ بعض مكبوتاته وما يختزن في ذاكرتها المثخنة بالهموم والآمال، تحدثت عن رفضها لسيناريوالمسلسل التلفزيوني الخاص بالشهيد العربي بن مهيدي، مطالبة المخرجة بضرورة تعديله من جديد بعيدا عن المتاجرة بالتاريخ والبحث عن الشهرة، كما عرجت في حديثها عن المنصب الذي كانت تطمح إليه وكيف تم تنحيتها بسبب لسانها العربي وصراحتها، متأسفة للتعتيم الممارس على بعض رموز الثورة الجزائرية ومنتقدة بشدة السياسيين والكتاب الذين يتطاولون على الشهداء. سيناريومسلسل العربي بن مهيدي خيالي ولايرقى لمستوى شخصيته كشفت ظريفة أنها لم توافق على سيناريوالمسلسل التلفزيوني للشهيد العربي بن مهيدي لكاتبه الأردني أسامة عثمان والذي تعكف على إنجازه المخرجة والمنتجة الجزائرية سميرة حاج جيلاني، لأنه انصب في سياق خيالي بعيدا عن الواقع الذي عاشه العربي، بحيث يخيل لقارئ السيناريو وكأن الشخصية عاشت في قرون سابقة. وأضافت بأنها طالبت المخرجة بضرورة تعديل السيناريو من جديد والتأريخ الصادق لحياته بإعطاء الشخصية حقها دون إضافة أو نقصان، داعية لإنتاج مسلسل يليق بمقام إبن الجزائر العربي بن مهيدي، من خلال إجراء البحوث وأخذ المعلومات الدقيقة عن مساره الثوري، بعيدا عن المتاجرة بالتاريخ والبحث عن الشهرة. قاهر الجلادين تنبأ فصدقت نبوءته وذكرت ظريفة أن المسلسل ينبغي أن يشمل على صفاته باستقاء شهادات حية من الذين عرفوا العربي من قريب أوبعيد، فبالإضافة لكونه محافظا على صلواته وصيام النافلة كل إثنين وخميس من دون إظهار ذلك لرفقائه، وكذا الروح المرحة والبساطة والهدوء التي يتسم بها، كان يحمل نظرة استشرافية للمستقبل. وفي هذا الصدد، سردت شقيقته قصة يوم سألت أمها العربي لما عادت من تهنئة إبن عمه الذي إزدان فراشه بمولود، متى تتزوج لأحمل أولادك؟، فأجاب حينها:" أنا عندي مسؤولية كبيرة أمام الله والعباد، ويوم تنال الجزائر استقلالها سأتزوج وأنجب لك أولادا كثر حتى تكرهي، وإذا كنت قد مِت فأولاد الجزائر كلهم أولادي"، هذه الكلمات تتذكرها ظريفة كأنها تسمعها للتو، حيث قالها العربي في عام 1952، ومن الصدفة قالت محدثتنا أن نفس الكلام الذي قاله العربي جاء على لسان أفراد الكشافة في ذكرى استشهاد عبان رمضان حيث قالوا لها نحن أحفاد العربي بن مهيدي. وأضافت خلال حديثها عن أخيها الشهيد، أنه في أحد الأيام اجتمع في بيتهم كالعادة بعض الثوار، وقال بوضياف المدعو"سي الطيب" :" يا سي العربي سنقوم بالثورة فإذا نجحنا اللهم بارك وإذا لم ننجح على الأقل تعرف فرنسا أن في كل عشرين أوثلاثين سنة هناك جيل جديد يقوم بالثورة"، فرد عليه العربي الملقب بسي الحكيم بكلمة: " ولكن ! " فقاطعه بوضياف قائلا " أمازال الاستعمار يخيفك" فأجاب العربي "أنظر يا سي الطيب فرنسا لا تخيفني لأنها ستخرج عاجلا أم أجلا، أنا خائف من بعد الاستقلال لما يخرج الجزائري من فقره وتعود لديه سيارة وفيلا كيف يتعامل مع أخوه الجزائري؟"، فتدخل مراد ديدوش ليلطف الحديث قائلا لهم: "لا تختلفوا نحن نأتي بالاستقلال ونبقى كمتفرجين ونرى ماذا يفعل الشعب"، فرد العربي على ديدوش " أتطمع يا سي عبد القادر أن تحضر الاستقلال، لا أنا ولا أنت سنحضر، وأشار لبوضياف بأنه الوحيد الذي سيأتيهم بالخبر". هذا واستحضرت ظريفة ما حكى لها حارسه الخاص المدعو"سي بوعمامة" عندما رافق العربي لمؤتمر الصومام في عز الشتاء، حيث ورد على لسانه :"بينما نحن في إحدى المغارات والعربي يضمد جراح رجليه سألته هل أنت متحقق من أن الجزائر ستستقل، فنظر إلي وقال لي لاتشك أبدا باستقلال الجزائر لأنه سيأتي بإذن الله، لكن الشيء الذي يخيفني إذا متنا ويأتي بعد الاستقلال أولاد "الحركى" يحكمون البلاد". نزع اللافتتين الدالتين على شارع "محمد الطاهر بن مهيدي" محاولة تعتيمية للذاكرة الوطنية تأسفت شقيقة الشهيد العربي بن مهيدي من نزع اللافتتين التوضيحيتين لشارع محمد الطاهر بن مهيدي الموجودتين بحي بوزريعة بالعاصمة، وأرجعت استمرار الوضع على ماهو عليه لمدة سنة رغم إبلاغ مصالح البلدية للامبالاة في الحفاظ على ذاكرة الشعب وربطه برموز ثورته. وقالت ظريفة بأن هذا الأمر يحز في نفسها ويضرها خاصة لما تنزع اللافتات الدالة على الشوارع التي تحمل أسماء الشهداء ويبقى الناس يسمون الشوارع بالأسماء التي أطلقتها فرنسا. وذهبت ذاكرة محدثتنا لليوم الذي تم فيه تسمية الشارع الساكنة فيه باسم الشهيد محمد الطاهر بن مهيدي أين قابل الوزير المرحوم "نميشي" والدتها وطلب منها أن تطلب منه ماشاءت، فردت عليه وقتها قائلة" لوكان العربي أو الطاهر تركوا لي أولادا لكنت خرجت للتسول بهم وأخذت حقي، وأما وقد توفوا دون ترك أولاد، أطلب منك أمرا واحدا، وهو أن تحافظوا على الجزائر لأنها إذا ذهبت سيذهب تاريخ أولادي معها ولن أسامحكم"، وهو المطلب الذي ألحت عليه ظريفة من خلال رفع التعتيم عن مسيرة شهداء الجزائر لتمرير رسالة الثورة لجيل الاستقلال. صراحتي وعربيتي منعاني من تولي منصب يكفل إيداع حق الشهيد صرحت"ظريفة" أنها في وقت من الأوقات كانت تطمح لتولي منصب نائبة في قسمة المجاهدين بقسنطينة بحيث تتولى مطالبة فرنسا بحق الشهيد، وتستحضر محدثتنا جيدا كيف تم تنحيتها من القائمة المرشحة لتولي هذا المنصب قائلة:" بعد أن رشحت من قبل المجاهدين لهذا المنصب، وحين وصل ملفي للمكتب السياسي استبعدني أحد المسؤولين وادعى أنني انسحبت بسبب مرض والدتي، ولم أعرف بالأمر إلا بعد أن اتصل بي محمود الواعي من وزارة المجاهدين"، وأضافت أنه بعد استفسارها عن الأمر أدركت أنها كانت ستكون لهم مشكلا بسبب صراحتها في المطالبة بحق الشهيد، ولكونها معربة وأخت شهيدين وزوجة ضابط في "جيش التحرير الوطني". وبحسرة ذكرت أن لها مشاكل جمة وتتمنى من المسؤوليين أن يعطوها حقها، ولم تشأ ذكر طبيعتها واكتفت بقول "أنا لن أبالغ في طلب حقي ولن آخذ ماليس لي طوال عمري، وإذا لم يعترفوا لي سأتكلم للصحافة ولايلومني أحد". على السياسيين الذين يحاولون تشويه رموز الثورة أن يعملوا أحسن منهم من جهة أخرى، انتقدت ظريفة بشدة السياسيين والكتاب الذين يحاولون تشويه رموز الثورة الجزائرية، ودعتهم لأن ينصرفوا للعمل أكثر مما قدم الشهيد الذي سبل نفسه فداء لهذا الوطن الذي كان يرزح تحت غياهيب الاستدمار الغاشم طيلة أزيد من قرن، قائلة لهم "من رأى شهداءنا أخطأوا فليعمل أحسن منهم وهو في الحرية يتنعم"، وليترحم عليهم لأنهم بذلوا الغالي والنفيس لاسترداد الاستقلال ". ظروفي الصحية حالت دون كتابة مذكراتي وفي سؤالنا لها عما إذا كانت تسعى لكتابة مذكراتها ردت قائلة "أنا لم أفكر بعد في ذلك، ولا أدري إن كان عجزا أو إهمالا مني أوعدم تفكير"، مؤكدة أن طلاب من مختلف جامعات الوطن اقترحوا عليها تولي مهمة الكتابة، إلا أن ظروفها الصحية حالت دون ذلك، كما أبدت استعدادها لبذل كل ما في وسعها لتكون صريحة في تسجيل صفحة من صفحات ماضيها الثوري رفقة أخويها الشهيدين. الاستقلال أجمل فرحة في حياتي ومطالبة فرنسا الاعتذارعن جرائمها حق لن أتنازل عنه قالت ظريفة بأن فرحة الاستقلال لاتساويها فرحة بالرغم من فقدانها لأخويها وأبيها الذي مات حزنا على العربي، إلا أن الشيء الذي تبقى تتمناه أن يتم الالتفات للشباب من قبل السلطات العليا في البلاد ليقوموا بواجبهم تجاه وطنهم، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة والحرقة واستفحال تعاطي المخدرات. وتحسرت المجاهدة كونها لا تستطيع تقديم المساعدة للشباب الذين يقصدونها من أجل توفير منصب عمل أوسكن لهم، باعتبارها لا علاقة لها بالسلطة أوالسياسة، جازمة بأن الجزائر تملك خيرات كثيرة وبإمكان كل أبناء هذا الوطن أن يعيشوا حياة كريمة. وفي هذا السياق، دعت المسؤولين القائمين على أمور الأمة النظر بجدية للعوائق التي تحول دون تحسين أوضاع المواطن الجزائري، وحسبها فالأمر يبدأ من حسن استقبال المواطنيين عند ذهابهم لمقابلة مسؤوليهم بنفس حماسة الاستقبال أثناء الانتخابات، آملة أن تكون الجزائر من أعظم الدول بعلمائها واقتصادها. هذا وطالبت شقيقة العربي إلى مواصلة الضغط على فرنسا لتعترف بجرائمها ضد الإنسانية، التي ارتكبتها في الجزائر وهوالمطلب الذي قالت أنها لن تتنازل في المناداة به طيلة حياتها، على الرغم من عدم قبول الكثير من الأطراف المناوئة للاستعمار ومصالحه.