استخلاص الدروس من الوقائع التي تحدث بين البشر ديدن العقلاء، وكم من مفاسد وجرائم تحدث في المجتمعات سببها الأساس غياب الحوار واستهجان مالك الزمام للأتباع من حوله، وتأمل كيف هدمت بيوت وشرد أبناء لأن قنوات الحوار كانت مسدودة بين الحاكم والمحكوم على مستوى أعلى، أو بين الأب وأبنائه في المستويات الدنيا. وقد يبدو تحت ضغط الشارع حراكه الغاضب أن لا مناص من مد يد الحوار لمن ضاقت بهم السبل، وسدت في أوجههم جميع الأبواب، وضبطوا في سجن كبير يسميه المرتزقة ومصاصو الدماء وطنا، ويسميه المنهكون قيودا وسدودا وما شاء للمصطلح الرامز إلى الكبح والمنع حتى يصيح من ''جنبتيه'' يا عباد الله أغيثوني... ولولا أن المرء يحن إلى مرابع الصبا ومراتع الخيام كما تقول العرب، لكانت المغادرة أهون موجود وأعز مفقود. استبشر الناس من الماء إلى الماء بهبة المصريين في وجه النظام الذي وصفنا منه جزءا فيما مر، لكن كما يقول المصريون ''يا فرحة ما تمت''، حتى أخذ هذا الحوار طرقا وسبلا تترك التساؤلات تترى من لدن الملاحظين من زوايا عديدة وبخاصة من جهة المخول لهم القيام بهذا الحوار، فلو تم اختيار محايدين يتسمون بنظافة اليد والجيب لكان لهذا الحوار وقعه، إذ التجارب تثبت أن ذوي السوابق تتوجس منهم الحيتان في الماء والطير في الهواء، لاسيما إذا استبق الجماهير واعدا بعدم ملاحقته إياهم، في حين أنهم كانوا هم الأولى بملاحقته على عبث أكثر من ثلاثة عقود.