ما من شك أننا أصبحنا نسمع كثيراً عن الانحلال والفوضى والتفكك وكلها ظواهر تحدث في المجتمعات التي تعيش اضطرابات وصراعات مختلفة نتيجة انفتاحها على شعوب مختلفة واختلاطها بقيم وعادات وتقاليد وافدة تتضارب مع تلك الموجودة في المجتمع الأصلي، ومثل هذه الظواهر طبعا تؤدي إلى تقويض المجتمع وذلك بتعطيل نموه وتقدمه في كل نواحي الحياة، بالإضافة إلى رواسبها البعيدة المدى في النفوس وأثرها في حاضر ومستقبل ذلك المجتمع الذي توجد فيه، وقد بدأ بالفعل تأثير هذه الظواهر على الأسرة والمجتمع الذي نعيش فيه، لذا صار من اللازم معرفة أسباب هذه المؤثرات ومحتوى كل منها، حتى نستطيع تجنبها أو التقليل منها. إن الأسرة هي نسيج اجتماعي تسود أفرادها مشاعر واحدة وعوامل مشتركة كثيرة تجعل من هذا البناء الاجتماعي قوة متماسكة أمام التحديات، والأسرة هي المكان الأول والأساسي في تربية الطفل وتنشئته وتهيئته للحياة ، حيث إنه يجد بها الطمأنينة والأمان والحنان وهي بذلك تعطيه فرصة للنمو في جو طبيعي وخاصة في المراحل الأولى من عمره ، وبقدر ما يتلقى الطفل من أسرته عناية واهتماماً بقدر ما يكون نموه أحسن وسلوكه في الحياة أفضل، والطفل هو فرد في الأسرة وأن أقرب الناس وأشدهم صلة به هما أمه وأبوه ثم أسرته ثم بيئته ومجتمعه. إن أغلب الأسر الجزائرية الآن لم تعد تتميز بمعظم هذه الصفات ولم يعد دور الأب والأم ولا حتى الأقارب والحي والجوار كما كان ، فمعظمها قد أصابها ريح التفكك والانحلال، وهذا عائد إلى بعض المتغيرات التي أصابت المجتمع في النصف الثاني من القرن الماضي ، والناتجة عن الرفاهية الاجتماعية المصاحبة للطفرة الاقتصادية التي ظهرت فأدت إلى غياب سلطة الأب كقدوة حسنة عن البيت وعدم تواجده الدائم لأسباب كثيرة مثل السفر والذهاب للعمل ، وانشغال الأم هي الأخرى بأمور غير منزلية مثل الزيارات وغيرها... إلخ ، وإهمالها لقيمة مهمة من قيم الأسرة ألا وهي تربية الأبناء التربية الصالحة وإرشادهم إلى كل ما هو صالح ومفيد ، وبرزت في المجتمع الجزائري ظاهرة لم تكن موجودة من قبل وهي أن الأسرة أصبحت تعتمد في تربية الأطفال و بشكل كبير على الخدم الذين أصبحوا يتولون أمر العناية بالأطفال منذ الساعات الأولى لمولدهم، فالخادمة هي التي تهتم بالطفل وترعاه وتحافظ على مأكله ومشربه وملبسه، ولذلك يشاهدها الطفل أكثر ما يشاهد والدته، والحق أن الطفل في هذه المرحلة هو أحوج ما يكون إلى والديه وخاصة الأم الذي يكون لعطفها وحنانها أثر فعال وقوي على نفسية الطفل وشخصيته في المستقبل ، كما أن واجبات الوالدين نحو الطفل والتي يحتاجها مثل الرعاية والعطف والحنان تجعل سلوك الطفل واستمراره في الحياة أفضل من غيره ، ومن النقاط المهمة أيضاً في مراحل نمو الطفل والتي يجهلها الأهل في هذه الفترة هي التعلم بالتقليد ، فقد ثبت بالتجريب أن الطفل في سنواته الأولى هو أكثر أفراد الأسرة تقليدا وخاصة سلوك وتصرفات من يحيطون به، حيث يقوم بتخزين ما يشاهده من تصرفات في ذاكرته وذاته وعندما يبلغ سناً معينة يبدأ هذا الطفل الناضج بتطبيق وممارسة ما تعلمه من سلوكيات مقلده في صباه. (... يتبع)