احتضن المركب الإسلامي الثقافي عقبة بن نافع الفهري بمدينة سيدي عقبة ببسكرة أشغال الملتقى المغاربي الأول للسياحة الدينية، وقد أشرف على الافتتاح الرسمي لهذا الملتقى سعد أقوجيل والي الولاية بحضور ممثلي وزارتي الشؤون الدينية والأوقاف وتهيئة الإقليم والبيئة والسياحة، إلى جانب رئيس المجلس الشعبي الولائي وبعض نواب الأمة ومديري الثقافة والسياحة والشؤون الدينية والسلطات المدنية والعسكرية للولاية، إضافة إلى السلطات المحلية لكل من بلديتي بسكرة وسيدي عقبة، وكذا أساتذة ودكاترة من داخل الوطن وخارجه وجمع كبير من الباحثين والدارسين. اليوم الأول من الملتقى كان مسرحا لعدة محاضرات ألقاها أساتذة في الاختصاص من بينهم الدكتور الخضر عبد الباقي محمد من نيجيريا والدكتور حسن رمضان فحلة أستاذ التعليم العالي بجامعة باتنة، إضافة إلى الدكاترة بلكحل عز الدين، صالح يوسف بن قربة، أحمد الجعفري وكذا الأستاذين فوزي مصمودي ومحمد العربي حرز الله باحثين في التاريخ، والأستاذة شريفة بن صادق أستاذة بالمدرسة الوطنية العليا للسياحة بالجزائر العاصمة، جل المداخلات تحدثت عن شخصية عقبة بن نافع (رضي الله عنه) وعن الفكر السياحي عنده، كما تحدثت عن مسجده وضريحه ورحلة الحجيج والجانب السياحي فيها، كما لم يغفل دور المخطوطات الدينية المتواجدة بالخزائن والزوايا، والكتابات التي تتطرق إلى الفاتح عقبة (رضي الله عنه) خاصة منها المتواجدة بإفريقيا. هذا وتطرق الأستاذ فوزي مصمودي إلى الدور الذي لعبه أبو مهاجر دينار (رضي الله عنه) في فتح شمال إفريقيا. أما اليوم الثاني من الملتقى فقد خصص لزيارة المسلك السياحي الغربي لولاية بسكرة، والذي تم خلاله زيارة الزاوية العثمانية بطولقة والجلوس إلى شيخها الشيخ عبد القادر عثماني الذي رحب بالضيوف وفتح لهم المكتبة التي تزخر بمئات الكتب وفي شتى العلوم، ثم انتقل الوفد إلى الزاوية المختارية بمدينة أولاد جلال والتي تأسست سنة 1815 وتقوم أساسا على تعليم القرآن وتدريس أصول الدين، كما سمحت الزيارة بالطواف بجميع أجنحة الزاوية وكذا المقبرة التي تضم في ثراها الشهداء الأوائل لثورة الزعاطشة، ثم كانت الوجهة إلى مسجد وضريح سيدي خالد بن سنان العيسى، هذا المكان الذي هو عبارة عن تحفة معمارية غاية في الجمال، ومازاد المكان جلالا وجود سلالم تقود إلى الخلوة التي كان يتعبد فيها سيدي خالد. أما خارجا وعلى بعد أمتار من المسجد، فهناك مقبرة سميت ''مقبرة الدواودة'' وهو عرش كبير أو قبيلة متواجدة بالمنطقة ومن أهم القبور الموجودة، قبر محمد بن علي بوعكاز شيخ العرب في المنطقة من 1818 إلى 1821 وقد توفي سنة ,1823 إلى جانب قبر فرحات بن سعيد الذي كان خليفة للأمير عبد القادر من 1840 إلى ,1842 هذا ويوجد بهذه المقبرة كذلك قبر حيزية الغنية عن كل تعريف وكتبت فيها قصيدة ألفها الشاعر بن قيطون. في اليوم الثالث والأخير كانت الوجهة إلى السلك السياحي الشرقي وبالضبط إلى منطقة خنقة سيدي ناجي وهي مدينة قديمة أسست سنة 1602 ومازالت بناياتها قائمة لحد الساعة رغم بعض التصدعات التي تحتاج إلى ترميم وهو ما تعكف عليه الجهات المختصة، وأهم ما يوجد في هذه المدينة السرايا، وهي بناء رائع، عندما تدخل إليه تحس وكأنك قد حلقت بعيدا لتحط على أرض تحمل ما تحمل من عبق التاريخ، وأينما وليت وجهك في صحن هذه السرايا، يقابلك باب من الأبواب السبعة والتي كل منها يقودك إلى وجهة معينة. في الأخير كان الختام من نفس نقطة الانطلاق بالمركب الإسلامي الثقافي عقبة بن نافع بسيدي عقبة، حيث كرم الأساتذة والدكاترة المشاركون، وكذا المؤسسات المساهمة في هذا الملتقى، إلى جانب إقامة حفل ديني من إحياء فرقة الضياء ببسكرة، وقد رفعت توصيات عدة كان من أبرزها تثمين هذا الملتقى وترسيمه وإمكانية تحصله على الطابع العربي في الطبعة المقبلة، إلى جانب ضرورة وضع خريطة لأهم المحاكم والمآثر الدينية في المنطقة، ليفترق الحاضرون على أمل اللقاء في السنة المقبلة. بقي أن نشير أن كل من استجوبتهم ''الحوار'' أبدوا إعجابهم الشديد بطريقة تنظيم هذا الملتقى وكذا تشكراتهم للسلطات على ما بذلوه من أجل إنجاحه، والتواضع الكبير الذي أبدوه طيلة أيام هذا الملتقى من والي الولاية إلى أبسط عامل. تصريحات ل''الحوار'' عن الملتقى المغاربي الأول للسياحة الدينية الدكتور الخضر عبد الباقي محمد من نيجيريا.. مدير المركز النيجيري للبحوث العربية الأمين العام المساعد لمنظمة الكتاب الإفريقيين والأسيويين بالقاهرة المشاركة كانت بورقة تتحدث عن عقبة بن نافع (رضي الله عنه) ومرجعيته في المد الإسلامي في إفريقيا ''قراءة في الوثائق والكتابات النيجيرية'' هذا هو عنوان المشاركة التي تقدمت بها إلى الملتقى المغاربي الأول للسياحة الدينية، وتتحدث الورقة عن القضايا التي انشغلت بها الذهنية النيجيرية وتحديدا الكتاب والمؤرخون النيجيريون الذين أرخوا للتاريخ الإسلامي في نيجيريا وتناولهم للتاريخ الإسلامي في إفريقيا والفتوحات التي قادها عقبة بن نافع، وكذا محددات شخصية عقبة في تلك الكتابات: الملامح العامة، شخصيته، فكره، نظرته وسياسته هو ومجموعته، يعني مشروع متكامل. فالمشاريع الفكرية والحضارية لا تقوم على شخص واحد، لذا عندما نذكر عقبة بن نافع (رضي الله عنه) نعني مجموعة من رجاله وجماعته وأتباعه الذين تابعوا المسيرة فيما بعد، لكن كمدخل عقبة بن نافع الفهري. الملتقى بشكل عام ملتقى ممتاز، وهو فرصة حقيقية لتلاقي الأفكار، ومناقشة القضايا التي تهم هذا الموضوع الجديد القديم، لأن الدين قديم، ولكن ربط الدين بالسياحة موضوع جديد، وهي فرصة لبلورة هذه الفكرة وتناولها، لأنها مازالت طور التشكل، السياحة الدينية فكرة جديدة في أوساطنا الإعلامية العربية، تحتاج إلى تناقش بشكل معمق أكثر وتتناول بمختلف جوانبها حتى تصير عندنا رؤية شمولية، فالمناقشات والانتقادات والتساؤلات والتعليقات، هي التي توصلنا في النهاية إلى الرؤية الصائبة. من حيث وجهة الإفادة والاستفادة بين نيجيريا والجزائر فهي واضحة جدا طالما أن الهدف هو السياحة، وهي ترتبط بجمهور، وهي سياحة على مستوى دول العالم وليست داخلية فقط، فدول المغرب العربي محتاجة إلى سواح من نيجيريا وغانا والسينغال وأمريكا، وبالتالي وبالرغم من أنه حدد للملتقى الطابع المغربي، لكن في المنظور الاستراتيجي الطويل فإن الملتقى يخدم الجهات المختلفة في العالم، سواء الإطار الجهوي الجغرافي، أو الإطار العالمي بالمفهوم الكبير، لأن السياحة تحتاج إلى أن تشترك فيها مجموعة من العناصر البشرية مختلفة التوجهات، وبالتالي فالسياحة الدينية في الجزائر والسياحة الدينية إلى الجزائر تحتاج إلى أن تنفتح على النيجريين وغيرهم، أما كلمتي التي أوجهها إلى الإخوة القراء، فهي أنه حان الوقت لأن يكون التعويل على العامل الثقافي الفكري في كل المشروعات، لأن المشروعات التي يراهن فيها على الجانب السياسي فقط لا تنجح، لأن التوجهات السياسية أحيانا تكون متقلبة ولا ترتبط بقاعدة ثقافية فكرية كبيرة، ولذلك حان الوقت لأن نعتمد على المدخل الثقافي كمدخل مهم وحيوي لتحقيق تقارب حقيقي بين الشعوب، فالتواصل الحضاري بين المجتمعات الإنسانية ككل اعتمادا على المدخل الثقافي مهم ومهم ومهم. يوسف بلمهدي.. مستشار وزير الشؤون الدينية والأوقاف إن مدينة عقبة بن نافع تعد من أغنى المناطق في بلادنا بل في المغرب العربي كله، من أغنى المناطق بتاريخها ورموزها الإسلامية وأبطالها وشهدائها، لأن سيدنا عقبة استشهد في هذه المنطقة مع أولاده الأربعة حتى سميت منطقة الشهداء، وسيدنا عقبة بن نافع (رضي الله عنه) هو الذي اختط مدينة القيروان، أي كان له السبق في بناء القيروان، فخطها وبنى مسجدها، وكان له الفضل في أن تحل بركته لأنه من الأولياء الصالحين، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ''خير القرون قرني''، تلك الخيرية أضفت على المنطقة جلالا وجمالا، الجمال في الباسقات أي النخل الذي يزين هذه المنطقة، والجلال في العلم الذي غمرها بل صدر إلى الجوار، وانطلق من ها هنا علماء بلغوا مشارق الأرض ومغاربها وعمروا وأثمروا في مناطق أخرى، ولا شك أنه كان سببا لدخول الإسلام إلى إفريقيا بكاملها، بل كان سببا لأنه كان العتبة الأولى التي انطلقت منها الدعوة إلى الله إلى أوروبا ومعناها انطلاق الحضارة في الأندلس، أي انطلاق الحضارة الإنسانية، لأن الأندلس كانت المفتاح الذي فتح للإنسان أقفال الجهل وتركه ينعم، فنكاد نقول بأن المجدد والفاتح الكبير عقبة بن نافع (رضي الله عنه) كان له خير كبير على الإنسانية جمعاء لأنه أوصل الدين إلى هذه المنطقة وفتحها وعمرها وثمرها. هكذا كان عقبة بن نافع (رضي الله عنه)، وهكذا ترى السياحة الدينية التي ينبغي أن نعيد إليها تهيئتها الإقليمية بالتعاون مع الشركاء في هذا المجال حتى نعمر هذه المنطقة وتكون خيرا على أهلها وسكانها ومحيطها إن شاء الله. إن الجزائر بحمد الله غنية بمآثرها المكانية والزمانية، فالزمان كله صنعت فيه الجزائر أحداثا كبيرة جدا، وزمانها كله خير ونجم ساطع في سماء الحضارة الإنسانية، وأماكنها كذلك غنية بمآثرها وكنوزها، وتعرفون أن التاريخ يحتاج إلى معلمين اثنين الزمان والمكان، والجزائر بنت تاريخها في هذين المعلمين، وأقول بأننا نبحث عن البعد الثالث، وهو إحياء كل هذه المسائل، فالتاريخ موجود والمكان موجود، نريد أن نستثمر هذه الموجودات والكنوز حتى نربط السابق باللاحق، والأول بالآخر، والخلف بالسلف، لأنه في فترات سابقة كانت هناك أياد آثمة من وقت الاستعمار تحاول أن تقطع كل صلة بمآثرنا وتفصل الشعب الجزائري عن تاريخه وجذوره، وأصوله، نحن نريد من خلال هذا الإحياء بالتعاون مع وزارة تهيئة الإقليم والقطاعات الأخرى أن نضمن هذه الرؤى، هذه السياحة، لكي نوحد كلمة الجزائريين ونجمع صفهم، وكما ذكرتم فإن ذكرى أول نوفمبر والشروع في تهيئة أرضية المسجد الأعظم سبقها ذكرى بسط السيادة على الإذاعة والتلفزيون، وهذا معلم كبير، لأنكم كإعلاميين ترفعون هذا الانشغال وتصلون به إلى أبعد نقطة ممكنة لأن الإعلام الذي يرافق مثل هذه الإنجازات في الأمة يخلده في الذاكرة ويسرع انتشاره، وهذه كلها أعياد تزامنت في نفس اللحظة، ومسجد عقبة صرح كبير ينبغي أن نرافقه بالتمتين والتمكين والدعم والشكر للسلطات الولائية وعلى رأسها والي الولاية على الاحتضان والإشراف المباشر والمرافقة لأن هذا المشروع يضفي خيرا على المنطقة، يعلم القرآن الكريم، يكون الأئمة، يربي المرجعية في شبابنا، يضمن للناس أداء المشاعر ويضمن لهم كذلك تنمية واقتصادا وسياحة وتجارة. وقد كان لنا الشرف أن نكون هنا لنمثل وزير الشؤون الدينية والأوقاف في هذا الملتقى الأول الذي ستتلوه ملتقيات أخرى، وآمل أن تكون التوصيات المنبثقة عن هذا الملتقى توصيات موضوعية وفعالة، تراقبها لجنة للمتابعة وأظن أنه لما وضعنا القدم الأولى في هذه البداية، ستتوالى خطوات أخرى ويكون النجاح حليف هذا الملتقى. ميلود جغام.. مدير السياحة بولاية ميلة بداية نثمن هذا الملتقى الأول للسياحة الدينية ونتمنى له النجاح، كما نتمنى أن لا يكون الأخير، وفيما يتعلق بالسياحة الدينية، فهي كغيرها من السياحات يجب أن تشجع، والجزائر يوجد بها الكثير من السياحات، الثقافية، الدينية، الحموية، الشاطئية إلى غير ذلك، والسياحة عموما بحاجة إلى أبناء الجزائر لتطويرها، وهي مجال واعد واقتصاد ما بعد البترول. عمارة شريفي.. باحث في التاريخ وصاحب وكالة سياحية السياحة الدينية في نظري لا تقتصر على المعالم ذات الطابع الإسلامي فقط، حيث لدينا في المنطقة معالم كثيرة منها ما هو قبل الإسلام والتي اندثرت ولم يبق منها إلا بعض الشواهد، هذه المعالم أيضا كانت وليدة لتطور الفكر الديني بالمنطقة بالذات، كالحركة الدوناتية مثلا التي أنشأت كنائس خاصة بتوجهاتها وفرضتها على الدولة الرومانية وهي موجودة في تهودة وبادس وامليلي، إلا أنها وكما يشير لها علماء الآثار مندثرة وبقيت كأطلال مغمورة تحت التراب. على العموم بالنسبة للسياحة الدينية لا بد أن نبدأ بتصنيفها وترشيدها حتى نعرف ما هو الديني الصحيح وما هي الخرافة والأسطورة التي نسجت حولها، وما هي الشوائب التي علقت بها وليست لها علاقة بهذا المعلم، فلا بد على الدليل أو المرشد السياحي أن يكون ملما بهذه الأمور حتى لا يتفاجئ بمواجهة السواح الذين يكونون في العادة ذوي علم وخبرة بالمنطقة قبل التوجه إليها. السياحة الدينية هي مهد السياحة بدون منازع، فأول إنسان بدأ يخرج ويتنقل كسياحة، كان يذهب إلى الكهان إلى المزارات التي لديه فيها معتقدات شخصية وجماعية، كان يتوجه إلى بعض الرموز التي ينظر إليها من بعيد، وكان فضوله يحركه إليها، السياحة الدينية إذن هي أم السياحة لأنها سياحة تأملية. الأستاذ محمد العربي حرز الله.. باحث في التاريخ والثقافة اعتبر هذه الطبعة الأولى للملتقى المغاربي للسياحة الدينية مهرجانا ناجحا، وهو قابل للارتقاء والتطور ويمكن في المستقبل دراسة فضاءات أخرى تتعلق بالموضوع، أما فيما يخص مداخلتي فقد تعلقت بالجانب السياحي في رحلة الحجيج التي كانت تمر عبر القرون الخوالي وتركت آثارا ثقافية واجتماعية واقتصادية مازالت بادية إلى أيامنا هذه، وعن مستقبل المهرجان، فأعتقد أنه سيذهب بعيدا وسيرتقي بنا إلى تطوير هذا النوع من السياحة، وأعتقد أنه سيكون مجالا لاستقطاب السائحين من الشباب المسلم من باحثين ومحبي الإطلاع، وسوف لن يقتصر ذلك على أبناء المنطقة وقد يتحول المهرجان إلى مهرجان دولي، ولا شك في أن بسكرة تزخر بالعديد من المناطق والمعالم الدينية، لأنها منطقة صوفية بالدرجة الأولى وهي منطقة الزوايا، فالزاب الغربي يعج بالزوايا من بينها زاوية العلامة الحبر الفهامة سيدي محمد بن محمد بن عزوز البرجي الذي أتى بالطريقة الرحمانية إلى المنطقة، وكل أصحاب زوايا المنطقة تلاميذ ذلك العلامة. وبسكرة كما قلت منطقة صوفية تستحق العناية وستجد آفاقا واسعة في المستقبل إن شاء الله، وعشرون مهرجانا من هذا النوع لا تكفي بسكرة لوحدها.