يرى وزير الثقافة التونسي محمد العزيز بن عاشور أن القارة الافريقية بحاجة إلى ان تؤمن أكثر بطاقاتها البشرية، وان تكون واثقة كل الثقة في كفاءة أبنائها وأن تستثمر في مواردها البشرية، من أجل وضع حد لظاهرة هجرة الأدمغة ومواجهة التحديات والصعاب التي تقف حائلا امام مواكبة تطورات العصر. ويعرج الوزير في هذا الحوار على اهم الأسباب التي ساهمت في تراجع افريقيا ثقافيا واقتصاديا، كما يبرز الخطوط العريضة التي وضعتها تونس مؤخراعلى مستوى تشريعاتها فيما يتعلق بتوسيع الحركة الثقافية والشراكة الثقافية مع الدول العربية والإفريقية. شاركتم في مؤتمر الاتحاد الإفريقي الثاني لوزراء الثقافة المنعقد بالجزائر، ما مدى مساهمة تونس في هذا الحدث؟ - تونس حرصت على المشاركة في هذا المؤتمر رغم ان انعقاده تزامن مع انطلاق الدورة ال22 لأيام قرطاج السينمائية، وكان من الصعب علي أن اغادر تونس في هذا الوقت بالذات، لكن بحرص من سيادة الرئيس زين العابدين بن علي شاركنا في هذا المؤتمر الثاني الذي ينعقد في الجزائر، ونظرا لكون العلاقات التونسيةالجزائرية متميزة فإن انعقاد المؤتمر في الجزائر جعلنا حريصين على حضوره بالدرجة الأولى. ثم حرصنا على المشاركة لأن تونس متحمسة في ان تساهم في الجهد المشترك على صعيد الاتحاد الافريقي لتحقيق المزيد من التكامل والتعاون والتنسيق مع أشقائنا الأفارقة في هذا المجال الحيوي مجال الثقافة، مجال توليه تونس - كما تعلمين - اهمية قصوى، وتعتبر ان الثقافة هي المحرك الاساسي من محركات التنمية، والسياسة الثقافية في تونس تعتمد على توسيع مجال المشاركة مع مختلف الدول كما نسعى إلى وضع وتعديل التشريعات لتطوير الصناعات الثقافية وتشجيع الاستثمار في هذا المجال، وبالتالي فإن حرصنا على حضور هذا المؤتمر يكمن في تبادل التجارب والخبرات الثقافية بين الافارقة وهو فرصة ايضا لنطلع على تجارب اشقائنا في افريقيا ونطلعهم على تجربتنا في مجال الثقافة. بصفتكم وزيرا للثقافة في تونس، البلد العضو في الاتحاد الافريقي، ما الذي تنتظرونه من هذا المؤتمر؟ - المؤتمر درس عدة بنود مهمة في الحقيقة لعل أبرزها، في رأينا، البند المتعلق بتطوير الصناعات الثقافية في افريقيا وضرورة تنسيق الجهود في نطاق جهد افريقي متكامل، وتنسيق الجهود الوطنية لتطوير الصناعة الثقافية (صناعة المحتوى) لتحقيق حضور افريقي أكبر على الصعيد الدولي. اما المحور الثاني من هذا الاجتماع - وهو مهم ايضا - فيتصل بالذاكرة الافريقية بشكل عام سيما ما تعلق بمشروع المتحف الافريقي المزمع إنشاؤه في الجزائر، وهو مشروع في اعتقادنا حيوي ومهم وتونس ستساهم بكل ما أوتيت من جهد لإنجاح هذا المشروع، وهناك ايضا المهرجان الثقافي الافريقي الذي سينعقد في 2009 بالجزائر وهو حدث مهم لأن المهرجان يعود إلى الحياة بعد 40 سنة في دورته الثانية، وبالتالي كان من المهم جدا إحياء هذا المهرجان. هذه اهم التوصيات والقرارات التي أثمرعهنا هذا الاجتماع. لكن ما يلاحظ على هذا المؤتمر كغيره من المؤتمرات العربية أن جل التوصيات تبقى مجرد حبر على ورق، فما أهمية هذه المؤتمرات وقراراتها إذا كانت في الأصل لا تطبق؟ - والله في الحقيقة ما رأيناه من خلال الأعمال التي قدمت إلينا في هذا المؤتمر الاتحاد الافريقي الأول لوزراء الثقافة المنعقد بنيروبي 2005 لم تبق كلها حبرا على ورق، ربما بعضها لم يتحقق لكن هناك الآن توصيات تجري متابعتها كمشروع المتحف الافريقي ومشروع المعهد الثقافي الافريقي. رأينا من خلال التقارير المقدمة إلينا في الدورة الثانية لهذا المؤتمر المنعقد بالجزائر أن هناك تقدما حصل على مستوى إنجاز هذه المشاريع، فبالنسبة للمتحف الافريقي هناك تقدم حقيقي في نسبة الاشغال، اما في مجال استكمال الدراسات الخاصة بهذا المشروع فستنطلق قريبا. كذلك الخطوات العريضة الخاصة بالمهرجان الثقافي الافريقي الثاني الذي سينظم بالجزائر في الفترة ما بين 05 إلى 20 جويلية 2009 اتفقنا عليها وسوف نشارك فيه، وبالتالي لن يبقى حبرا على ورق. هناك العديد من المشاريع التي بدأنا نتقدم فيها وسنعمل انشاء الله على تطوير هياكل العمل في الاتحاد الافريقي لأنه من بين توصيات هذا المؤتمر ايضا أن يتم استحداث في صلب الاتحاد الافريقي خلية في شكل إدارة او في شكل مفوضية تكون مهامها التفرغ لتنسيق العمل الثقافي الافريقي لأن العمل الثقافي يحتاج إلى هذه الخلية التي من شأنها تحسين وتنفيذ المشاريع الثقافية المتعلقة بالنسبة للتوصيات المنبثقة عن مؤتمر الاتحاد الافريقي الثاني لوزراء الثقافة. في رأيكم معالي الوزير ما الذي تحتاجه القارة الإفريقية لمواكبة التطور؟ - أعتقد ان القارة الافريقية اذا أردنا أن نختزل القول تحتاج إلى أن تؤمن أكثر بطاقاتها البشرية، في عبقرية وذكاء أبنائها، وأن تستثمر أكثر في مواردها البشرية وأن تصبح واثقة كل الثقة في كفاءة أبنائها وهنا نستطيع فعلا أن نواجه العديد من التحديات. أي أن الحكام الأفارقة لا يثقون في قدرات وكفاءات مثقفيهم؟ - لا هم واثقون.. لكن نريدهم أن يثقوا أكثر. ما تفسيركم إذا لارتفاع نسبة هجرة الأدمغة في هذه الدول نحو الخارج؟ - بصراحة هناك ظاهرتان لا يمكن إنكارهما، الظاهرة الأولى هي هجرة العديد من الأدمغة من الدول الإفريقية والظاهرة الثانية هي أن الكثرة من المشاريع الإفريقية الثقافية أوغيرها الاعتماد في تنفيذها تم على تبويب الخبرة الأجنبية، وفي كثير من الأحيان تبويب الخبرة الأجنبية لم يخدمنا بالشكل المناسب وبالتالي لم يتم تنفيذ المشاريع على النحو الذي كنا نرجوه ونتمناه. إذا من خلال هذين الملاحظتين نستنتج أن افريقيا في حاجة الآن وأكثر من أي وقت مضى لأن تكون أكثر ثقة في ذكاء أبنائها حتى يشعر العقل الافريقي الذي تستهويه الهجرة بأن له مكانا في وطنه ويمكنه أن يجد الاعتبار في هذا الوطن، ويمكنه ان يسهم إسهاما حقيقيا في بناء وطنه، وهذا مكسب مهم بالنسبة لنا نحن الافارقة. وحتى بالنسبة للأدمغة المهاجرة يمكنها التواصل معنا اذا مددنا جسور التواصل فيما بيننا وجددنا الثقة معهم، فيمكننا أن نستفيد من خبرتهم ويساهموا في بناء وطنه وهم يعملون بالخارج. هل نفهم من ذلك أن الاستثمار في الطاقة البشرية هو السبيل لتحقيق مستقبل إفريقي زاهر؟ - الاستثمار ليس فقط في الطاقة البشرية وإنما أيضا في التعليم العالي وفي التنمية الثقافية، وكل هذا في رأيي يؤدى لا محالة إلى مستقبل إفريقي زاهر.