لم يكن الشاب المعاق ''نور الدين شرابي'' يعلم يوما أن أصابع رجليه ستتولى مهام أصابع يديه المبتورتين حد الكتفين، بل وستتعدى الوظائف المخولة أصلا لها لتترجم شغفه وتفجر طاقته الابداعية التي بدأها بخربشات كان يتلهى بها على قصاصات الأوراق وإذا هي تتحول مع الأيام إلى هاجس إبداعي رسم الخطوات الأولى لمسيرة فنية صنفته كمعجزة في عالم الفن التشكيلي.. وبرهن أن الرسم لا تلزمه الأطراف بقدر ما تلزمه الروح المبدعة والحس الجمالي والنفس المرهفة والطاقة الخلاقة..موهبة نور الدين تعالت عن الاعضاء وخيرت قوة الملكة وعلو الأحاسيس .. بدأ مشواره محتشما مكتفيا بحدود منزله وإعجاب عائلته ليتحرر مع الوقت من خجله وتردده ويخرج للعالم بأعمال ورسومات رائعة تشهد له بقدرة فنية وإبداعية فائقة. وتترجم عشقه للريشة وللألوان التي جعلها تتمرد عن دلال اليدين والأصابع وتنصاع الى اصابع الرجلين وطريقتها العجيبة المتفردة في تمرير الألوان على قطع الورق التي تتحول بين أنامله إلى قطع فنية مدهشة.. يبلغ نور الدين شرابي 38 عاما وهو مصاب بشلل خلقي حرمه من التمتع بالحركة العادية بسبب قصور أطرافه العلوية، الأمر الذي منعه من إتمام تعليمه ليتوقف عند الصف الثامن من التعليم الأساسي معزيا نفسه بالريشة والألوان وعدد من أقلام الرصاص والأوراق البيضاء التي استطاعت أن تسع احتياجاته كإنسان وأن تشبع رغباته كفنان وأن تنسيه الالم الذي حل به منذ ابتعاده عن المدرسة بسبب عدة صعوبات اعترضته منها بعد المدرسة عن منزلنه، حيث كان يعاني دوما من ثقل المحفظة وكان يشق عليه حملها لأنه بلا يدين ولا كتفين. هي معاناة فجرت داخل نور الدين مكنونات داخلية سمحت له بالتعبير عما كان يختلج بداخله من خلال الأشكال والألوان التي تعكس عبر كل منظر طبيعي يجسده سعة أحلامه في الحرية والانطلاق الى آفاق ابعد بكثير من موقعه الحقيقي مثبتا قدرة منقطعة النظير في الرسم رغم أنه لم يتلق يوما تعليما اكاديميا في هذا الميدان، واستطاع أن يفرض حضوره مؤثرا في عالم الفن التشكيلي الجزائري حيث تميز ببصمته الفنية التي شهد له بها كبار الفنانين التشكيليين في الجزائر بعد أن خبروا قدرته على التعبير بالرسم بدرجة ملفتة للانتباه جعلت من يرى لوحاته داخل الوطن وخارجه يشعر أنه أمام فنان مخضرم. وقد شارك الفنان نور الدين شرابي ضمن عدد من المعارض الوطنية انطلاقا من سنة 1990 بعد التحاقه بجمعية الآمال للمعوقين بباب الواد، حيث شارك في عدد من المعار ض الجماعية في كل من قصر الثقافة ومركب الكيتاني وقصر الرايس وفندق سوفيتال.. أما عن المشاركات الدولية فقد شارك الفنان في معرض المهرجان العالمي للشباب ببرشلونة سنة 1998 إضافة الى مشاركته في المعرض الجماعي بمدينة قرونوبل الفرنسية ضمن فعاليات سنة الجزائر بفرنسا سنة .2003 كما انخرط شرابي في الجمعية السويسرية للفنانين الرسامين بواسطة الفم والقدم وذلك سنة ,1998 إذ تقوم الجمعية بتزويده بمواد الرسم الضرورية. غير ان انشغالات هذا الفنان لم تعد تقتصر على السعي الى الحصول على الورقة والقلم وإنما توسعت للمطالبة بأبسط حق من حقوق أي فنان من خلال مطالبته المتكررة الجهات المحلية بمنحه محلا يمكنه من مزاولة نشاطه الفني في ظروف أنسب وأحسن، كما يأمل الفنان في الحصول على وظيفة في مجال تصميم الأغلفة على مستوى إحدى دور النشر الجزائرية.