حذّر الله سبحانه وتعالى المؤمنين الأتقياء من اتخاذ اليهود والنصارى أولياء أو رؤساء يتحكمون بهم، وقد شدَّد الله سبحانه بتهديد هؤلاء المؤمنين، بأنّه سوف يأتي بقوم يشيّدون عمارة الدين مع حب متبادل بينهم وبين الله سبحانه.. فقال سبحانه مبتدأ جملة من الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ...}... (المائدة : 51)، ثمّ ختمها بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}... (المائدة : 54). والارتداد هنا بمعنى الرجوع عن الدين بناء على موالاة اليهود والنصارى.. والظاهر من المعنى القرآني أنّ الحب المتبادل بين الله سبحانه والمؤمنين هي الصفة الأولى في تركيبة القوم الذي تذكرهم الآية، مع صفات المودة والتراحم بينهم، والشدة والبأس مع الكافرين، وجهادهم المستمر في سبيل رفع راية الإسلام.. وبالتأكيد فإنّ الرسالة الإسلامية ليست مقصورة على قوم معينين بالذات كالعرب مثلاً، وإنّما هي رسالة إلهية سماوية لكل البشرية على وجه هذا الكوكب، فإن تخلى عنها العرب، فإنّ الله سبحانه سيبعث من يحمل الراية من قوم آخرين.. وإلى هذا المعنى أشار القرآن الكريم، فقال تعالى: {.. فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}... (الأنعام : 89)، وقال تعالى: {.. وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}... (آل عمران : 97)، وقال تعالى أيضاً: {.. إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}... (إبراهيم : 8). ولعلّ البشرية المعاصرة تمر في امتحان قاسي، عليها أن تجتازه اليوم، وإلاّ فإنّ المصير موحش وقاتم.. ولا شيء يستطيع أن ينقذ هذه البشرية من عذاباتها وآلامها غير الإيمان بالله سبحانه، وحبها له.. إنّ الارتداد والرجوع عن دين الله سبحانه إنّما هو بداية الانحطاط الأخلاقي والحضاري للأُمّة.. فلا شيء يشبع روحية الإنسان ويجعله عنصراً فاعلاً منتجاً في المجتمع غير إيمانه بعقيدة التوحيد، ولو استقرأنا التاريخ لوجدناه مليئاً بالعبر، ابتداءً من الحضارات القديمة وانتهاءً بالحضارات الحديثة، وما الانحطاط الإجتماعي للحضارة الغربية اليوم عنا ببعيد.. وقد نادى القرآن الكريم بإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعل محبة الله مقرونة بإتباع الرسالة السماوية، حيث جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل تبليغها للناس، فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}... (عمران : 31)، والمعنى هو إن كنتم تريدون أن تخلصوا لله في عبوديتكم بالبناء على الحب حقيقة فاتبعوا هذه الشريعة التي هي مبنية على الحب الذي يمثله الإخلاص والإسلام وهو صراط الله المستقيم الذي يسلك بسالكه إليه تعالى، فإنّ اتبعتموني في سبيلي وشأنه هذا الشأن أحبكم الله وهو أعظم البشارة للمحب، وعند ذلك تجدون ما تريدون، وهذا هو الذي يبتغيه كل محب بحبه، وهذا هو الذي تقتضيه الآية الكريمة بإطلاقها.