عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «تعلموا القرآن، وسلوا الله به الجنة، قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثةٌ: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، و رجل يقرؤه لله» رواه ابن نصر في قيام الليل، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة. جعل النبي صلى الله عليه وسلم من يتعلم القرآن ثلاثة أقسام: الأول: رجل يتعلَّمُه ليباهيَ به المباهاة: المفاخرة. فتعلُّمُ القرآن للمباهاة من الرياء، والله سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له وابتُغي به وجهُه، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رواه مسلم. الثاني: رجل تعلم القرآن ليأكل به. ومما يذكر عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: "البهلوان الذي يلعب فوق الحبال أحسن من العلماء الذين يميلون إلى المال بآخرتهم؛ لأنه يأكل الدنيا بالدنيا، وهؤلاء يأكلون الدنيا بالدين، فيصدق عليهم قوله تعالى: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)) [البقرة/16]". فمثل هذا أسوأ حالا ممن يأكل الدنيا بالمعازف، قال الأفضلي رحمه الله: "استجرار الجيفة بالمعازف أهون من استجرارها بالمصاحف"[ فيض القدير 6/254]. وفي الأخبار: "من طلب بالعلم المال كان كمن مسح أسفل مداسه ونعله بمحاسنه لينظفه"[مرقاة المفاتيح 7/89]. قال ابن مسعود رضي الله عنه: "سيجئ على الناس زمان يُسأل فيه بالقرآن، فإذا سألوكم فلا تعطوهم" رواه البيهقي في شعب الإيمان، والقاسم بن سلام في فضائل القرآن. والثالث: يتعلمه لله يتعلمه ويرجو بهذا ثواب الله. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن خير الناس من عُني بتعليم الناس كتاب الله، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». والمجالس التي يُعلم فيها كتاب الله مجالس بركة تحفها الملائكة. وسأل النبي صلى الله عليه وسلم مرة أصحابه: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ»؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَتعلمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ».