هلَّ علينا شهر رمضان المبارك بنفحاته وتجلياته الروحية التي تشرق على النفس والقلب لمسات الحنان الإلهي ونسمات السلام الروحي والصفاء القلبي والأمن النفسي . وزينة شهر رمضان لا تتمثل فقط في الابتعاد عن المأكل والمشرب والشهوة وإنما في الخلق والآداب والسلوكيات التي يجب أن يتحلي بها الصائم حتى يفوز بالجائزة الربانية حيث قال الله عز وجل – في الحديث القدسي - : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فانه لي وأنا أجزي به ) " متفق عليه " . والفائز بثواب الله هو ذلك الذي يرتقي في رمضان خلقا وسلوكا وآدابا ونسكا وعبادة وبرا وإحسانا وتسامحا حبا لله وحده. لذا علمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أخلاق الصائمين ، وبين لنا عظم فضل رمضان، وحثنا على أبواب الخير التي تتجلي في هذا الشهر الكريم،ففي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم عن سلمان رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال : ( يأيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك .. شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا .. من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدي فريضة فيما سواه. ..الصبر وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة، وشهر يزاد رزق المؤمن فيه . من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئا ) " رواه ابن خزيمة والبيهقي وابن حيان " ،كانت هذه الخطبة جامعة ، واضحة المعني، جلية الأسلوب .. استوعبت كل ما يمكن أن يوجه إلى المسلمين لاستقبال شهر رمضان.. فيها إشارة إلى مسالك البر وفضائل النفس التي تكتسب في هذه الأيام المباركة حيث يحظي هذا الشهر بألوان من الطاعات والخيرات إذ يبتعد الناس عن المعاصي وكل ما يغضب الله ويتقربون إلى الله بالطاعات والإحسان والحب والبر والخير وأداء النوافل. التحلي بأخلاق الرسول ومن يتأمل في وصايا الرسول صلي الله عليه وسلم للصائمين يجد أنها تكمن دائما إلى الدعوة إليهم بالتخلق بأخلاق الله، والتأدب بأدب رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم فيكون الوقار والسكينة شعارهم فلا تصدر إلا الكلمة الطيبة ، والنصيحة الصادقة، ولا تكن النفوس إلا الألفة والمحبة والصفاء. أربع خصال فيها الخير الكثير ولقد وجهنا رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى أن نستكثر في شهر رمضان من أربع خصال فيها الخير كله إذ قال عليه الصلاة والسلام: ( استكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم عز وجل وخصلتين لا غني لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم عز وجل : فشهادة أن لا اله إلا الله وأن تستغفروه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله تعالي الجنة وتعوذون من النار ) . " ذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" برقم 1484." . ( ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة ) ،والصيام يحقق الخشية من الله والرقابة الذاتية التي تجعل المسلم يدع طعامه وشرابه من أجل الله،وما أحوجنا في هذه الأيام أن نتزود بزاد التقوى لنكون رقباء علي أنفسنا لا نخشى إلا الله ، ولا نسلك إلا الخير حبا لله، ولا نقول إلا صدقا، ولا نتأدب إلا بآداب رسول الله صلي الله عليه وسلم ونتحلى بخلقه الكريم الذي وصفه الله عز وجل أنه الخلق العظيم. الإخلاص لله ومن آداب وأخلاق الصيام وأثره في الارتقاء بالأخلاق وتهذيب السلوك : الإخلاص لله وحده، والتقوى، والوقاية من الآثام، التقييم وتقويم الذات، الصبر، احترام الوقت، الدعاء وآدابه، تعويد النفس علي البذل، إحياء سنة الاعتكاف، الاعتدال في الطعام والشراب، التعجيل بالإفطار، ضرورة السحور ، الاستزادة من فعل الخيرات ، الترابط العائلي والتعاون، غض البصر، وحفظ اللسان، وكف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه وغيرها من الآداب. ولأهمية التحلي بأخلاق الصائمين سنفرد هذه السلسلة في هذا الشهر الكريم عن أهم آداب أخلاق الصيام التي لا بد أن يسعى إليها الصائم للتحلي بها. رمضان فرصة لتجديد العهد وليكن شهر رمضان فرصة متجددة لنا لأن نجدد العهد مع الله فنتوب عن المعاصي، ونهجر الآثام ، ونحقق جوهر الصيام في الابتعاد عن المأكل والمشرب ، ونتزين بآداب وخلق الصيام ؛ فننعم بالبركة في كل شيء ، ويتحقق لنا التوازن النفسي والسلام الروحي الذي هو ميزان الحياة.