يعتبر عيد الفطر المبارك مناسبة دينية عظيمة يؤدي فيها الناس واجب الغفران و التسامح، فنجد المؤمنين بعد صلاة العيد يتبادلون التهاني و الزيارات بين الأحباب و الأقارب و تختفي الأحقاد من القلوب و تنتهي الخصومات و توصل الأرحام المقطعة طيلة العام،إلا أن البعض منهم و مع تطور التكنولوجيا بمختلف أنواعها كالهاتف و الفيس بوك و غيرها من وسائل الاتصال التي أدمن عليها بعض الجزائريون جعل من رسائلها بديلا لزيارة الأقارب و الأهل في تأدية واجب الغفران. فقلّ من يقرع باب ذويه في العيد لتبادل تهاني العيد مثل ما ألفناه عن أجدادنا و قليلون منهم من يهتم بصلة الرحم،فمنذ اليوم الأول من العيد تتهاطل رسائل كثيرة بين الناس لتبادل تهاني العيد عبر الهاتف و المواقع الاجتماعية التي لا تكلف لا وسائل النقل و لا وقت طويل، هي ظاهرة دخيلة على مجتمعنا الجزائري المعروف بتلاحمه و إخائه و الذي دأب منذ القدم على صلة الأرحام و التقارب التي تعتبر الميزة الخاصة و الهدف الأسمى لهذه المناسبات الدينية بما فيها الأعياد التي دعا إليها الدين و أكدت عليها السنة،فارتأت يومية "الاتحاد" أن تتوقف عندها و تسلط الضوء عليها تزامنا و حلول عيد الفطر المبارك،لما تشكله هذه الوسائل في نفور بين الأهل و الأقارب. رسائل قصيرة بدل الزيارات العائلية "أس أم أس.. اللي يسلكنا نهار العيد..ميساج واحد يكفي باش نقولوا للعايلة كامل صح عيدهم بلا مننساو حتى واحد..لو كان ماشي التليفون و الفيس بوك شهر ميكفيش نزورو كامل الأقارب تواعنا.." هي بعض آراء المواطنين الذين التقت بهم يومية "الاتحاد" في إحدى شوارع العاصمة،حيث أجمعوا أن وسائل الاتصال التي انتشرت في الآونة الأخيرة بما فيها الهاتف و الفيس بوك الخيار و البديل الأسهل لهم في العيد لتبادل التهاني و الزيارات،كما علق "سفيان" من العاصمة أن سبب لجوء المواطنين لهذه الوسائل هو اختلاف ظروف حياتهم و تباعد المسافات و قلّة المواصلات خصوصا أيام العيد ،فلم يعد الفرد مضطرا للتنقل لمسافات طويلة لزيارة الأهل و الأحباب بل رفع سماعة الهاتف أو إرسال رسالة قصيرة أو الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي كفيلة لتبادل التهاني. للعيد نكهة خاصة في القديم.. كما أكدت الحاجة "فاطمة الزهراء" ليومية "الإتحاد" أن مظاهر العيد اختلفت لما كانت عليه في السابق،و الأواصر الاجتماعية كانت أقوى و أعمق فوسائل الاتصال ساهمت و بشكل كبير في تفكيك هذه الروابط،وأفقدت العيد نكهته الخاصة،بعد أن كانت زيارة الأقارب و الجيران في الأيام الأولى من العيد عادة أصيلة لا يتخلون عنها و هو فرصة لتلاقي الأقارب و الأهل،و تضيف الحاجة :"العيد تع الزمان صح عيد تتجمع كامل فيه العايلة الكبيرة من الجد حتى الحفيد و الجار مي اليوم كيفاش إيكون مليح و الجار ميدخلش عند جارو في العيد.."،كما يرى "عبد الحكيم" من العاصمة أن تبادل التهاني عبر المواقع الاجتماعية لا يروق بالأسر الجزائرية"الهاتف تاعي منستعملوش فالعيد،عيب تولي صح عيدك بالهاتف برك..مليحة التكنولوجيا مي في حدود ماشي لدرجة أنها تجردنا من عادات أجدادنا". و لصلة الرحم فضل عظيم في الدين .. وصلة الرحم لها فضلٌ كبيرٌ وثوابٌ عظيمٌ من الرحمن الرحيم، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيومن هذا المنطلق نؤكد على صلة الأرحام في هذه الأيام المباركة (أيام العيد) وخاصةً الأرحام المقطَّعة، ولنجعل أول أيام العيد للأهل والأقارب، نتفقدهم ونزورهم ونُدخِل البهجةَ والسرورَ عليهم، ثم بعد ذلك من الممكن أن نرى أصدقاءنا في اليوم الثاني أو الثالث أو نخرج معهم للتنزُّه في غير معصية؛ لأن العيد هدية من الله لنا على طاعتنا له، فلا نجعله يومًا للذنوب والأوزار- صلى الله عليه وسلم- أنه قال "خلق الله الخلق فلمَّا فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحق و الرحمن عزَّ وجل فقال: مه!! فقالت: "هذا مقام العائذ بك من القطيعة"، فقال تعالى: "ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك"، قالت: بلى، قال: فذاك لكِ" قال أبو هريرة رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )،و مَن يصل رحمه يصله الله؛ يصله الله بالرحمة والبركة والخير، ومن يقطع رحمه يقطعه الله، يقطع عنه الرحمة والخير والبركة، فهل ترضى أخي المسلم أن يقطعك الله؟! إذن فصل رحمك ولا تقطعها، وانتهِز فرصة العيد في التقارب والزيارات،وورد أيضًا عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن الرحم معلقةٌ بالعرش، وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمُه وصلها" (رواه البخاري)، وعن ثوبان- رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "مَن سرَّه النَّساء في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه"، فصلة الأرحام تطيل العمر وتزيد الرزق. ..أحسن وإن أساءوا وقد يقول قائل: إنني أصل وأزور من يصلني، أما من لا يسأل عني فكيف أصله وهو لا يصلني، أو يقول إني أصلي أرحامي إلا قريبًا لي يسيء إليَّ دائمًا، فمقاطعته أفضل من وصله، وأنا أقول لك أخي الكريم: "أحسن وإن أساءوا"، وأذكرك بموقف هذا الرجل الذي جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- يشكو له أقاربه ويستأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في القطيعة ومعاملتهم بالمثل ومعه المبرِّرات؛ حيث يقول: "يا رسول الله، إن لي ذوي أرحام أصل ويقطعون وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون أأكافئهم، أي أعاملهم بمثل ما يعاملونني به؟ قال- صلى الله عليه وسلم-: "لا، إذن تتركون جميعًا، ولكن جُد بالفضل وصلهم فإنه لن يزال معك ظهيرٌ من الله عز وجل ما كنت على ذلك"، فلم يأمره رسول الله أن يقطعهم أو أن يسيء إليهم كما يُسيئون إليه، ولكنَّ رسولَ الله أمرَه أن يستمر في الصلة والإحسان والعفو، وهذه صفات أولي الفضل، وقد ورد في الأثر أن يوم القيامة يُنادى على أهل الفضل ويقال: أين أهل الفضل؟ فيقوم أناس وهم يومئذ قليل سراعًا إلى الجنة فتتوقفهم الملائكة، فيقولون: "نحن أهل الفضل"، فتقول لهم الملائكة: وما فضلكم؟ فيقولون: "كنا إذا ظُلمنا عفَونا، وإذا أسيء إلينا أحسنا، وإن جُهل علينا حلمنا".. أفلا تحب أخي المسلم أن تكون من هؤلاء؟!. احذر العقوبة العاجلة قطيعة الرحم لها عقوبتان، واحدة عاجلة في الدنيا والأخرى تُدَّخر لصاحبها يوم القيامة؛ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنبٍ أحرى أن يُعجِّل الله تعالى عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" (رواه أبو داود والترمذي)، كما أن قاطع الرحم مُحرَّم عليه الجنة، حيث ورد في الحديث: "لا يدخل الجنة قاطع"، فهل تحرم نفسك أخي المسلم من جنة عرضها السموات والأرض؛ لأن فلانًا ظلمك فتقطعه ولا تستطيع أن تعفوَ عنه وتصلَه، وهل تستطيع أخي أن تتحمَّل عقوبتين في الدنيا والآخرة؟،اذهب إلى أرحامك وصلها، واجعل أيام العيد فرصةً للعفو والصفح والغفران، حتى يغفر الله لك ويصلك بالخير والبركة، ويدخلك الجنة، وينجيك من عذاب النار، إنه وُلي ذلك والقادر عليه، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.