يضرب تاريخ الدولة الإسلامية بجذوره عميقا في الجزائر، ليشكل تراثا فكريا وماديا لا زالت البلاد إلى اليوم تحتفي به كمقوم إنساني على ما شهدته من حضارة. ولعل ما تركته الدولة الحمادية التي خرجت إلى الوجود من قلب الدولة العباسية الجامعة للخلافة الإسلامية في بداية الألفية الثانية كان خيرا شاهد على ذلك، ومنه القلعة التي يطلق عليها اليوم قلعة بني حماد، بالمسيلة. القلعة.. موقع جغرافي واستراتيجي هام تقع قلعة بني حماد بمنطقة المعاضيد شمال شرق ولاية المسيلة على بعد 36 كلم منها، اتخذها الحماديون كعاصمة أولى لدولتهم التي بلغت أوجها في القرن الحادي عشر قبل أن ينتقلوا بها بعد ذلك إلى بجاية.وتقع هذه الآثار على ارتفاع ألف متر فوق سطح البحر وهي محاطة بجبال "هدنا" التي تشكل خلفية للقلعة كانت تستغل سابقا في الاحتماء من الأعداء الذين كانوا يتربصون بالدولة الفتية التي أعلنت عصيانها المبكر على دولة بني العباس في بغداد.وعلى الرغم من أن القلعة حين بنائها شكلت سدا منيعا من القصور والحصون التي شكلت لتكون قلب عاصمة الدولة الجديدة، إلا أن ما مر بها طيلة فترة بقائها هناك جعل الكثير من معالمها تختفي، لتبقى بعض الآثار شاهدة على ماكانت عليه في السابق.يعود تاريخ إنجاز وبناء قلعة بني حماد إلى سنة 1007 إلى 1008 من الميلاد على يد "حماد بن بلكين" الذي يرجع نسبه إلى "زيري" أشهر أمراء صنهاجة وهو مؤسس الدولة الحمّادية بالجزائر، والذي يحكى عنه تميزه بالشجاعة والدهاء، والذي اختار مكانا محصنا لقلعته وإستراتيجيا فوق سفح جبل تيقريست وعلى ارتفاع 1000 متر فوق سطح البحر وذلك بغية عمليات المراقبة العسكرية للأماكن المجاورة، وقد دامت مدة بناء هذا الصرح الإسلامي العظيم 30 سنة أستخدمت فيها الهندسة المعمارية الإسلامية الأصيلة بزخارف وتصميمات تعكس التراث الإسلامي الممتد عبر القرون الغابرة في أي بقعة يوجد بها الإسلام.ويحد القلعة من الغرب هضبة قوراية ومن الشرق شعاب وادي فرج وقد وضع للقلعة ثلاثة أبواب، باب الأقواس وباب جراوة وباب الجنان ويحيط بالقلعة سور عظيم مبني بطريقة مذهلة وبالحجارة المسننة المستخرجة من جبل تيقريست، ويوجد بالقلعة عديد الكنوز والمعالم الأثرية المهمة وأهمها المسجد الكبير ومصلى قصر المنار الذي يعتبر أصغر مسجد في العالم بطول بلغ 1.60 م، هذا بالإضافة إلى القصور الأخرى الممتدة عبر مساحات القلعة وعلى امتداد أكثر من 50 كم والتي بناها حماد بن بلكين على غرار قصر الأمير والذي يحتوي على بحيرة تعد مشابهة لقصر الحمراء بالأندلس، بالإضافة إلى قصر المنار والذي يمثل أعظم صرح وذلك بفعل حجمه الهائل والذي يحتوي على عديد الكنوز الأثرية أهمها المصلى الصغير الذي اكتشف سنة 1968 من طرف الدكتور رشيد بورويبة، كذالك قصر السلام وقصر الكواكب والذين ما يزالان تحت الأنقاض إلى حد الآن ولم تجر بهما أية حفريات حتى اليوم.ويذكر رواد التاريخ والآثار أن بناء القلعة في هذا الموقع لم يكن هكذا عبثا وإنما ينم عن دراسة إستراتيجية معمقة لها أهداف بعيدة كل البعد عن الهدف العسكري وحده، فحماد بن بلكين قصد بناء القلعة أمام أو بالقرب من سوق حمزة المشهور وذلك لجعل الحياة بداخل أسوار القلعة سهلة وتقرب كل ما هو بعيد للمواطن، فهنا كانت النظرة للقلعة على أنها مثال حي لمدينة مثالية تجمع كل الطوائف والأعراق المختلفة والتي وحدها الدين الإسلامي· بعد ألف عام من بقائها شامخة... القلعة تعاني خطر الاندثار القلعة التي شكلت طوال الألف عام الماضية شاهدا تاريخيا على إحدى أعظم الحضارات التي عرفتها الإنسانية ممثلة في الحضارة الاسلامية التي كانت دولة بني حماد أحد الفاعلين فيها، تعاني الكثير من المخاطر التي تحيق بها في ظل عدم الإهتمام بها وتركها للأخطار الطبيعية وحتى الإنسانية التي عرفتها. إذ صارت حجارتها اليوم تترنح وتتساقط من أعاليها، كما زحفت عليها الكثير من المواد التي خربت صورتها الأولى التي كانت عليها.ورغم تصنيف القلعة من طرف منظمة اليونسكو سنة 1980 ضمن المواقع المهمة التي تستوجب الاهتمام والعناية اللازمة كالقصبة بالجزائر العاصمة إلا إن الواقع يثبت أنه كلما تقدم الزمن إلا وبقت القلعة في خطر. وقد أصبحت القلعة اليوم مزارا وملجأ للتنزه العائلي عن كل ما تحمله القلعة من رموز ومعاني تمثل أهم الميزات الإسلامية الخالدة اليوم. وهو الأمر الذي لم يجنبها أن تكون في ظل تطاول اليد الإنسانية عليها، هي التي لم تسلم منها طوال قرون من بقائها هناك. وهو ما يستوجب التدخل العاجل من أجل الحفاظ عليها وحمايتها من كل ما قد يهدد زوالها أو تلفها.ورغم أنه في العام سنة 1982، تم وضع تصميم للأنقاض وترميم الموقع من طرف منظمة اليونسكو وكذالك في سنة 1987 أين اتجهت بعثة جزائرية وبولونية لترميم القلعة وإنقاذ ما أمكن إنقاذه، لكن الواقع يثبت أن أجزاء كبيرة من القلعة تضررت وبشكل كبير، فالمسجد الكبير لم يعد كبيرا كما كان، حيث لم تبق منه إلا المئذنة والتي ما تزال شامخة لحد الساعة، والحفريات التي كانت تقام هنا وهناك من طرف باحثي آثار وعلماء وطلبة جامعيون،جل ما كان يعثر عليه ويستخرج كان يوجه إلى خارج الوطن، فأول حفرية بالقلعة كانت على يد "بول بلا نشي" سنة 1987 ثم "لوسيان قولوفان" ما بين 1950 و1960 لكن ما وجده هذا الأخير وجه إلى متحف الباردو بباريس ومما ساعد على نسيان وطي صفحة اسمها من التراث الإسلامي بالجزائر هو غياب التحسيس الإعلامي والخرجات الميدانية والتي تكاد تكون معدومة، كل هذه الأمور عجلت باندثار تدريجي للقلعة إن لم يكن زوالا نهائيا·و لم تحض بأي اهتمام يذكر أو ترميم مسها عدا بعض المحاولات هنا وهناك سنة 1974 حيث رممت صومعة المسجد الكبير والتي تعد نسخة مطابقة لمسجد إشبيلية.فقد قال الإدريسي:(مدينة القلعة من أكبر البلاد قطرا وأكثرها خلقا وأغزرها خيرا وأوسعها أسوارا وأحسنها قصورا ومساكن، وهي في سند جبل سامي العلو صعب الارتفاع وقد استدار صورها بجميع الجبل ويسمى تيقريصت و أعلى هذا الجبل متصل بسيط من الأرض)• واليوم القلعة لم تحض بأي اهتمام يذكر أو ترميم مسها عدا بعض المحاولات هنا وهناك سنة 1974 حيث رممت صومعة المسجد الكبير والتي تعد نسخة مطابقة لمسجد إشبيلية كذلك سنة 1976. وإلى سنة 1982، حيث وضع تصميم للأنقاض وترميم الموقع من طرف منظمة اليونسكو وكذالك في سنة 1987 أين اتجهت بعثة جزائرية وبولونية لترميم القلعة وإنقاذ ما أمكن إنقاذه، لكن الواقع يثبت أن أجزاء كبيرة من القلعة تضررت وبشكل كبير فالمسجد الكبير لم يعد كبيرا كما كان، حيث لم تبق منه إلا المئذنة والتي ما تزال شامخة لحد الآن، والحفريات التي كانت تقام هنا وهناك فجل ما كان يعثر عليه ويستخرج كان يوجه إلى خارج الوطن، فأول حفرية بالقلعة كانت على يد بول بلا نشي سنة 1987 ثم لوسيان قولوفان ما بين 1950 و 1960 لكن ما وجده هذا الأخير وجه إلى متحف الباردو بباريس ومما ساعد على نسيان وطي صفحة اسمها من التراث الإسلامي بالجزائر هو غياب التحسيس الإعلامي والخرجات الميدانية والتي تكاد تكون معدومة، كل هذه الأمور عجلت باندثار تدريجي للقلعة إن لم نقل زوالا نهائيا لها•يذكر رواد التاريخ والآثار أن بناء القلعة في هذا الموقع لم يكن هكذا عبثا وإنما ينم عن دراسة إستراتيجية معمقة لها أهداف بعيدة كل البعد عن الهدف العسكري وحده، فحماد بن بلكين قصد بناء القلعة أمام أو بالقرب من سوق حمزة المشهور وذلك لجعل الحياة بداخل أسوار القلعة سهلة وتقرب كل ما هو بعيد للمواطن، فهنا كانت النظرة للقلعة على أنها مثال حي لمدينة مثالية تجمع كل الطوائف والأعراق المختلفة والتي وحدها الدين الإسلامي•بما أن هذه الآثار كانت مركزا للحضارة الحمادية فإن البنايات كانت أوسع وأكثر تعقيدا من تلك المتواجدة في مواقع أركيولوجية مماثلة ومن بين هذه البنايات نجد القصر الذي كان مشهورا آنذاك والذي يتكون من ثلاث بنايات موحدة ويعتبر شاهدا على المستوى الرفيع للمهارة الهندسية التي كان يتمتع بها الصناع والتي تعلموها من صفوة التجار الذين عاشوا في الإمارات الحمادية والذين أجبروا على الإنفاق لصالح الحاكم.هناك بناية بارزة أخرى بهذا الموقع وهي المسجد الذي لا زال يعتبر لحد الآن الأوسع بالجزائر. كل مظاهر هذا الموقع الأركيولوجي تستحق المشاهدة والتعرف عليها لذلك حاول قدر المستطاع أن تكون قلعة بني حماد جزءا من مخطط سفرك للجزائر. مدرسة للعلم.. ومنارة للحضارة الإسلامية عرفت القلعة تاريخها الذهبي بعد بنائها من طرف حماد بن بلكين الذي بذل كل ما في وسعه لجعلها منارة للعلم والعلماء زيادة على كونها عاصمة لدولته التي أسس حديثا آنذاك، ولم يكن بمقدوره أن يؤسس دولة في مواجهة الدولة العباسية إن لم يفعل الحركة العلمية ويؤسس لمنارة جديدة من منارات العلم، وقد كانت القلعة مقصدا لرغبته تلك، فتحقق بها أن شكلت أولى خطواته في سعيه نحو تشكيل دولة كبيرة تمتد إلى القيروان شرقا وفاس غربا. فكانت نبراسا للعلم وملهمة لعديد العلماء أمثال "يوسف بن محمد بن يوسف" المعروف "بابن النحوي" والعالم اليهودي "عبد الرحيم ابن إسحاق ابن المجلون الفاسي، وغيرهم الكثير ممن مروا بها أو استقروا طالبين العلم.وقد قال الإدريسي، أبو الجغرافيا العربية الذي مر بها "مدينة القلعة من أكبر البلاد قطرا وأكثرها خلقا وأغزرها خيرا وأوسعها أسوارا وأحسنها قصورا ومساكن، وهي في سند جبل سامي العلو صعب الارتفاع وقد استدار صورها بجميع الجبل ويسمى تيقريصت وأعلى هذا الجبل متصل بسيط من الأرض)· شاهد حي على العمارة الإسلامية بما أن قلعة بني حماد كانت مركزا للحضارة الحمادية فإن البنايات كانت أوسع وأكثر تعقيدا من تلك المتواجدة في مواقع أركيولوجية مماثلة ومن بين هذه البنايات نجد القصر الذي كان مشهورا آنذاك والذي يتكون من ثلاث بنايات موحدة ويعتبر شاهدا على المستوى الرفيع للمهارة الهندسية التي كان يتمتع بها الصناع والتي تعلموها من صفوة التجار الذين عاشوا في الإمارات الحمادية والذين أجبروا على الإنفاق لصالح الحاكم.هناك بناية بارزة أخرى بهذا الموقع وهي المسجد الذي لا زال يعتبر لحد الآن الأوسع بالجزائر.وترتسم على حيطان القلعة مجموعة من الأشكال الهندسية التي تختزل ما وصلت غليه روعة العمارة الإسلامية آنذاك، والتي تمازجت فيها العمارة التي كانت سائدة بالشرق الإسلامي وخصوصا في مصر والعراق، وتلك العمارة التي طورها الأندلسيون، الذين تفننوا في صناعة الأقواس وخط آيات قرآنية على الحجارة. وبين جمعها بين هاذين الفنين الإسلاميين، كانت القلعة مثالا حيا عن عمارة إسلامية استطاعت لها أن تخلد زمنا طويلا لتبقى بذلك أبرز شاهد على روعتها.