تبدت في الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة غزت مجتمعنا المسلم بصفة عامة والجزائر بصفة خاصة وتفشت بشكل ملفت للنظر، وهي فتيات يطلق عليهن المجتمع صفة "المسترجلات "، وهن من المتشبهات بالرجال اللواتي لعنهن الله سبحانه وتعالى وحرم الإسلام على المرأة التشبه بالرجال، هؤلاء البنات انحرفن عن طبيعتهن التي خلقهن الله عليها، وغيرن كامل نمط حياتهن من لبس، قصة الشعر، المشية، التعامل، الأسلوب العام،أصبحت حياتهم كحياة الشباب.وهذه الظاهرة العصرية باتت تدق ناقوس الخطر في عالم حواء،وهناك خيط رفيع ما بين التشبه والتقليد، وما بين التقمص والحقيقة، وما بين هذا وذاك تلوح في الأفق إشكالية مجتمعية، تتلصص حتى لا ينتبه إليها احد، وتختبئ بعض الوقت لتعود للظهور، وهكذا تمضي بها خطاها غير السوية، أو المقبولة من الأساس.ظاهرة "الرجلاويات"، كما يسمونها بالعامية، هذه هي الإشكالية التي تحاول الفتاة مداراة نفسها ليس خجلا أو استحياء من رأي المجتمع، وإنما خشية التصدي لها، و المسترجلات ببساطة تتلخص في فئة من الفتيات اللاتي يحاولن دفن أنوثتهن وراء ارتداء ملابس الشباب، وحلق شعورهن مثلهم، وتخشين أصواتهن، والتقرب من الفتيات الطبيعيات، ومحاولة إبراز الشجاعة أمامهن، وإغداق المشاعر عليهن، وبالفعل فهناك من تجنح من هؤلاء الفتيات نحو غير الطبيعيات من (الرجلاويات)، بل وتعيش في خيالها مشاعر مختلفة معها على كونها فتى وليس فتاة تماثلها تكوينا داخليا وخارجيا،بل و أصبحن خطرا على الفتيات أنفسهن ! هل هو مرض، انحراف، أم ضعف في الإيمان؟ لمعرفة سبب هذا الخلل السلوكي وقفت يومية الاتحاد لاستقصاء الوضع والخوض في هذا المحيط الذي جرفت أمواجه بناتنا وأولادنا، بغية الوصول إلى البؤرة العتمة التي أودت بأهم عنصر في المجتمع الجزائري ألا وهو الشباب، فما الحل للمواجهة، والتصدي، وهل من عقوبات تجرم من يقدمن على هذه الفعلة؟ و ما هو تصنيف للفتيات من هؤلاء، أي هل هن مريضات، أم منحرفات سلوكيا؟ وما الذي يأخذ بأقدام عدد من فتياتنا للسقوط في هذا الفعل المخالف لكل ما هو صحيح، ومقبول، وموافق عليه في العرف والشرع والدين؟ في هذا الروبورتاج نسلط الضوء على بعض الأمور المتعلقة بذلك علنا نجد إجابة شافية عن انتشار هذه الظاهرة، و على هذا قصدت الاتحاد مكتب الأخصائية النفسانية فضيلة.م التي أكدت أن المشكلة ليست في هذا التشبه المرفوض، وإنما في تأثيره على ضعيفات النفس والإرادة، ومحبات التقليد الأعمى، فضلا عن إساءة هذه الفعلة لطبيعة مجتمعنا المسلم وطبيعة خلق الله، الأم والأخت والزوجة والابنة، والمرأة بكافة مناصبها وموقعها الاجتماعي والتي يجب أن تكون نموذجا متميزا قائما على السلوكيات السليمة والقويمة، وأيضا في خرق هذه الآفة السلوكية غير الطبيعية لكل الأعراف والتقاليد المجتمعية، والنصوص الدينية التي تلعن المتشبهات بالرجال من النساء والعكس. بداية، وعما إذا كانت الفتيات (الرجلاويات) مريضات، أم منحرفات سلوكيا، قالت الدكتورة فضيلة.م، وأستاذة العلاج النفسي في مدينة فرنسا : (الرجلاويات) أو الفتاة المتشبهة بالرجال لديها اضطراب في الشخصية جاء من اضطراب الهوية الجنسية، حيث ولدت بيولوجيا أنثى لكنها بفعل تكوين نفسي مرضي - تشكل بداخلها عبر فترة زمنية - اختارت أن تكون ذكرا على المستوى التخيلي، ولكي يتحول هذا الاختيار من مرحلة التخيل إلى مرحلة التفعيل، كان لابد أن يكون لديها حبيبة تعيش معها قصة حب، لتثبت لذاتها أنها ذكر على المستوى الواقعي وليس المتخيل، لأن ذكورتها لا يمكن الاعتراف بها إلا من خلال أنثى تعطيها مشروعية وجودها الذكري المتخيل من قبلها. الذكر غير مطلوب في حياتها ! لذا فالذكر الحقيقي في عالمها المنحرف ليس مطلوبا، ولا يوجد له دور، بل يجب إنكاره، لأنه يذكرها بأنوثتها المرفوضة، كما أنه يعتبر من وجهة نظرها مصدرا للتهديد وليس مصدرا للأمان، وبالتالي فهي لا ترى وجودها إلا في عيون أنثى أخرى.وعن أسباب مثل هذا الانحراف، أوضحت الدكتورة "سعدية معفة " أن التأثير الاجتماعي لهذا السلوك غير المتزن، هي التغيرات الاجتماعية الحالية التي أسفرت عن وجود فئتين جديدتين على المجتمع، وهما فئة الفتيات (المسترجلات)، والشباب المرتخي، وذلك بسبب الانفتاح العالمي، وتقبل الثقافة الغريبة، في ضوء عدم استهجان جانب كبير من المجتمع لهذه التصرفات المؤسفة، فيما تعد فئة (المسترجلات) أكثر خطورة من أية فئة أخرى باعتبار أنها تدخل عالم المرأة، ولا تجد أبوابا مغلقة، لذا فالإمكانية في تنامي هذه المشكلة يعتبر كبيرا. سوبرمان رويسو.. رادعة للحقرة، وحامية "الوليات" في هذا الصدد تقول الحاجة زبيدة وهي امرأة في العقد السادس أنها تعاني الأمرين من ابنة ابنتها التي تبلغ ثلاثين سنة، التي طالتها هذه الظاهرة، حيث أصبحت ذكرا بأتم معنى الكلمة، بعدما كانت فتاة رقيقة وجميلة أصبحت رجلا حاد الطباع وصوتها الناعم أصبح خشنا حتى أنها تقوم بالحلاقة يوميا لتظهر لها لحية خشنة وقاسية، وحلقت شعرها الجميل كأنها ولد ولكن السبب الرئيسي الذي حول ابنة ابنتي لهذا الوضع هو ما عاشته في صغرها من "حقرة " والدها السكير الذي قتل أمها أمام أعينها، حيث أقسمت حينها أن ما من رجل على وجه الأرض يستطيع أن يحتقرها أو يؤذيها وهذا ما وفت به حيث أصبح أغلب شباب الحي يهابونها وأصبحت سوبرمان رويسو، حيث تردع كل متحرش بفتاة وتحميهن من أولاد الحرام. نعم هذا فعل يسر النفس تضيف الحاجة زبيدة " ولكن لا أريد أن تبقى حفيدتي على هذا الحال، بل أريدها أن تنسى الماضي المرير، وأن تحاول إيجاد سعادتها مع رجل يقدر المرأة خاصة وأنها في الصميم لا تزال طيبة القلب". لم أخلق لأكون فتاة.. أنا "دارقاز" وبعد معاناة طويلة استطاعت الاتحاد التحدث إلى واحدة من هؤلاء الفتيات "الرجلاويات" حيث صرحت ودون تردد وبصوت خشن أنها لم تطن لتولد فتاة، بل في صميمها تعرف أنها كانت ولدا في حياة أخرى، وعندما سألناها عن اسمها قالت أنها تدعى "زينو "، وهو اسم مصغر ل " زين الدين "وتضيف "زينو" :لا أشعر على الإطلاق بأنني فتاة، رغم تمتعي بكل ما يجعلني كذلك، وحتى تربيتي في البيت كانت كذلك فقد ربتني أمي والتي عاملتني على أنني ذكر وكذا كل من يعرفني وهنا الكل يهبني فلا أحد يستطيع معاملتي بسوء كما تعامل الفتيات وهذا لأنهم متأكدين أنني "دارقاز"، فأنا قوي، وحاد، وشرس، ولم أرتدي قط ملابس الفتيات، شعري قصير، و صوتي ضخم، و لدي هيبتي في عيون الآخرين، أحس بخشيتهم مني، و الوضع الذي اخترته لنفسي يريحني، وفي الوقت ذاته لا تهمني نظرة المجتمع لي، ولا أفكر في الزواج على الإطلاق، أنا اليوم قوي بذكورتي التي اخترتها، وسأبقى كذلك. "البابيشة" في حياة المسترجلة..الطامة الأخرى وظاهرة المسترجلات تأخذ أشكالا عدة، فبعضها يقف عند حد المظهر فنجد عددا من الفتيات يرتدين الملابس الرجالية، ويحلقن شعر رؤوسهن، وأذقانهن لينمو الشعر خشنا، ويغيرن أصواتهن لتصبح خشنة كالذكور، ويضعن العطور الرجالية، ولا يضعن مساحيق التجميل، ويتمثلن بالرجال في طريقة الجلوس وغيرها، وكل ذلك مؤشر خطر لوجود مشكلة يجب الوقوف عندها والعمل على حلها.أما المظهر الثاني لهذه الفعلة القبيحة فيتبلور في تقمص الفتاة شخصية الفتى في السلوك، حيث تلجأ بعضهن إلى تكوين عصابات وإبداء سلوكيات غير لائقة تتنافى مع الآداب العامة، وقد يصل بهن الوضع إلى الشذوذ الجنسي بكل ما يحمله من معنى، وهذه حالة مرضية تحتاج إلى علاج نفسي وتأهيل اجتماعي.وللأسف فمشكلة المسترجلات صاحبتها مشكلة أخرى وهي ظهور "البابيشة "، وهي صديقة المسترجلة التي تقوم بتصرفات عكس المسترجلة تماما، ف"البابيشة" هي أنثى بماكياج صارخ، وشعر مصبوغ، وحذاء بكعب عال وملابس صارخة، ورقة وحنان و"تقلاش "في الحديث وهذه طامة أخرى. المدرسة.. أخصب مكان لانتشار هذه الظاهرة وفي هذا الصدد يقول أحد أساتذة التعليم الثانوي بالعاصمة : تلقينا مع بداية السنة الدراسية عددا هائلا والمتمثل في هذا النوع من البنات، ولكن توجيهاتنا الصارمة أعادت مياه حياتهن إلى طبيعتها، حيث فرضنا على كلا الجنسين احترام جنسه وعد التشبه بما ليسوا عليه وذلك بمساعدة أخصائيين نفسانيين ومثابرة الأساتذة وحتى الإدارة، ومن خلال تصرفات هؤلاء التلاميذ اكتشفنا أن التربية الخاطئة تلعب دورا كبيرا في تشجيعهن على التشبه بالرجال، فقد تولد الفتاة بين عدد من الأشقاء الذكور، فتشاركهن أحاديثهم واهتماماتهم وهواياتهم لسنوات طويلة، وفي الوقت ذاته تهمل الأسرة احتواءها ومتطلباتها النفسية والعاطفية كونها أنثى، ما قد يؤثر في شخصيتها ويجعلها تتصرف كالرجل، والعكس صحيح بالنسبة للذكر الذي يولد بين عدد من الشقيقات، والمحزن في الأمر أن بعض الإدارات لا تفرض سيطرتها على التلاميذ مع الإدراك منها أن الوضع إذا لم تحتويه قد يتفاقم. الاسترجال ضياع للدين والأخلاق والحياة وحسب آراء مشايخ وأئمة انه لابد من وقفة لإيجاد الحلول والتكاتف لاحتواء هذه المشكلة التي و"لله الحمد" لا تعتبر ظاهرة عامة مجتمعنا،أي أنه من الممكن احتواءها والسعي لإلغائها، فما أنزل الله تعالى داء إلا وأنزل له دواء، فعلى الأم مصاحبة ابنتها واحتوائها وفتح باب الحوار معها، ومراقبة سلوكها، ومتابعتها في كل خطواتها مع إعطائها الثقة بالنفس، ولابد أن تقتنع الفتاة بأن "الله سبحانه وتعالى" خلقها لتؤدي وظيفتها في الحياة، ولا يمكن لها أن تقوم بوظيفة أخرى، فهي البنت والزوجة والأم ومربية الأجيال، ولا يمكن أن تكون رجلا، مهما غيرت من شكلها، فالإسلام كرمها وأمن لها حقوقها كاملة، لذا يجب أن تكون لها شخصيتها المستقلة، ولا تسعى إلى تقليد الآخرين، أو رفيقات السوء، وأن تشغل وقتها في تنمية ذاتها وبناء شخصيتها والاهتمام بأسرتها ومجتمعها. وعلى الآباء والأمهات الانتباه إلى سلوك الأبناء، ومراعاة الفوارق بينهم، والتركيز على التنشئة الصحيحة، دون تفرقة في المعاملة، ومن الضروري زرع القيم والأخلاق النبيلة في نفوس بناتنا، وتقوية الوازع الديني لديهن، وحثهن على الالتحاق ببرامج التوعية والإرشاد.