يعج مجتمعنا الجزائري بمجموعة من الظواهر الاجتماعية الدخيلة على مجتمع شعاره الإسلام، و من بين هذه الظواهر ظاهرة تسول الأطفال التي لطالما شهدناها في كل مكان، في الطرقات في المساجد في الأسواق، و رغم ما تقوم به وسائل الإعلام من خلال حملات تحسيسية و توعوية حول خطورة الظاهرة إلا أنها حالت دون الحد منها، بل استفحلت و أخذت أشكال أخرى عديدة، و بما أن نحن في موسم دراسي جديد إلا أن شوارعنا لا تخلوا من أطفال في عمر الزهور مازالوا يمدون أيديهم للتسول الذي يعتبره الكثيرون مهنة تذر عليهم بالأموال الوفيرة خاصة عندما تكون على أيدي البراءة. براءة محرومة من أبسط حقوقها من خلال الجولة التي قمنا بها في شوارع العاصمة كساحة الشهداء و باب عزون و السكوار، لفت انتباهنا أطفال في عمر الزهور ينتقلون من شخص إلى شخص أخر بأوجه حزينة مستعملين عبارات تدل على الأوضاع الكارثية التي يعيشها ذلك الطفل طمعا في جني بعض الدنانير، و هذا الأمر الذي دفعنا إلى معرفة رأي المختصة النفسية "خ.مريم" حول أخطار الحالة النفسية التي يعيشها الطفل و إذا ما كانت تؤثر على طريقة تنشأته "إذا تحدثنا عن أخطار هذه الظاهرة على المستوى النفسي يمكننا القول أنها عديدة، لان تصرفات هؤلاء الأطفال لا تنسجم مع طفولتهم البريئة، كما أن عقولهم لم تنضج بعد و وجدوا أنفسهم مقحمين في بيئة لا تناسب أعمارهم و لا عقولهم الصغيرة التي لم تصبح قادرة على التمييز بين الخطأ و الصواب، خاصة و أنهم محرومون من أبسط حقوقهم المتمثلة في التعليم و توفير الحياة الكريمة من قبل الأولياء الذين دفعوهم لدخول عالم بعيد كل البعد عن عالمهم البريء" و أضافت متحدثتنا "تعتبر مرحلة الطفولة من أحرج المراحل في حياة الطفل،و دفعه إلى التسول في هذه السن الحرجة يجعله يبني شخصية عدوانية سلبية حتى ينسى أنه طفل له حقوق ككل الأطفال" تختلف الظروف و الحل واحد "التسول" من خلال تقربنا من بعض الأطفال الذين صادفناهم حاولنا معرفة الأسباب التي دفعتهم إلى التسول و هل هم فعلا بحاجة إلى من يمد لهم يد العون، و إن كان العكس هو الصحيح فأي والد و أي أم تدفع فلذات أكبادها إلى الشارع في حر الصيف و قساوة الشتاء وسط مجتمع لا يرحم هذا ما دفعنا إلى الحديث مع بعض المتسولين، و كان"وليد" طفل يبلغ من العمر 15 سنة ينتقل من شخص لأخر، و لما سألناه عن سبب تسوله أخبرنا انه ينحدر من عائلة فقيرة جدا من واد قريش بباب الوادي، كما أنه يتيم الأب و هو أكبر أخواته فوجد نفسه مسؤولا عليهم، و أسهل طريقة لكسب المال كما يقول "وليد" هي التسول بما أنه لم يجد من يشغله و هو في هذه السن تركنا "وليد" و توجهنا إلى "نسيمة" 28 سنة التي كانت تفترش الأرض معها ولد لا يتعدى السابعة من عمره و التي أبت أن تحدثنا عن الظروف التي قادتها للتسول في البداية لكنها اقتنعت فيما بعد و سردت لنا قصتها،"تزوجت مرغمة بسبب زوجة أبي من رجل يكبرني في السن، و مع مرور الأيام بدا زوجي يتغيب عن البيت كثيرا و يتركني بلا أكل و كنت غالبا ما أقتني حاجاتي عند بقال الحي الذي رفض أن يقرضني إذا لم أدفع له ما كان عليا من دين، لاكتشف أنني كنت الزوجة الثانية، و لما عرفت زوجته الأولى انه تزوج عليها أصبحت تهدده حتى تركني و أنا حامل في شهري الرابع، و لم أجد من يعول امرأة حامل إلا الرصيف الذي أعطاني لقمة العيش أنا و ابني" أما دينيا... قال الله تعالى "لا تظلمون و لا تظلمون..." يعتبر ديننا الحنيف أن تسول الطفل في الشارع يحرمه من فرصة تعليمه الموازية لأقرانه و سيمنعه من اكتساب الخبرات و حقوقه الأساسية في حنان الأم و الأب، مما يخرجه إنسان غير كامل المشاعر و يترتب عليه خسارة المجتمع المسلم لهذا الإنسان و كما أنه يجب أن يلقى الرعاية الكافية من أهله، فالأب ملزم بالإنفاق على أبنائه و لقد يهدف الدين الإسلامي إلى حماية المجتمع من كل الصور التي لها أن تؤثر بطرق سلبية على أفراد غير قادرين على تحمل العبء الاجتماعي، بالإضافة إلى أن رسولنا الكريم نهانا عن تحميل مثل هؤلاء الأطفال أكثر من مسؤوليتهم و إلا قادتهم إلى ما لا يحمد عقباه في قوله صلى الله عليه و سلم "لا تكلفوا الصبيان الكسب فإنكم متى كلفتموهم الكسب سرقوا"