هل يمكن أن تتكفل مختلف القوانين الجزائرية التي تم تشريعها بحل العديد من المشاكل التي يعرفها المجتمع الجزائري؟ وهل يمكن القضاء على ظواهر طفت على الواجهة ونخرت الأسر الجزائرية عن طريق إصدار قوانين للحد من انتشارها؟ هذا السؤال يطرح نفسه، أمام تفشي العديد من الظواهر التي لا يمكن تغطيتها مثل تغطية الشمس بالغربال، مثل ظاهرة التسول بالأطفال، وهي الظاهرة التي شاهدها أغلب الجزائريين في شوارعنا الكبرى وفي مدننا. صور مكررة لنتائج أزمة أصبحت مشاهد تطغى على واقعنا اليومي، بل وخلقت معها مشاكل أخرى تتعلق بالطفولة، وهو الأمر الذي دفع السلطات إلى التفكير في إيجاد قوانين لتجريم هذه الظاهرة من أجل ردعها واجتثاثها من يوميات الجزائريين. انتشرت بقوة ظاهرة التسول بالأطفال خصوصا خلال السنوات الأخيرة، سنوات بدأت الجزائر تسترجع عافيتها وأمنها واستقرارها بعد أكثر من 14 سنة من الدم والدموع، وهو ما دفع العديد من المختصين في مجال البحث الاجتماعي والنفسي والطبي الصحي إلى الإجماع على نقطة واحدة مفادها أن الظواهر التي يعرفها المجتمع الجزائري هي عبارة عن مخلفات لسنين الأزمة الأمنية، أزمة تركت أبواب الشوارع مشرعة عن آخرها، ودفعت بشرائح عديدة إلى الغوص في مشكال لا حصر لها، بسبب معاناة يومية داخل الأسر، فأزمة السكن مثلا رفعت من نسبة الطلاق وهذا الأخير تسبب في ظهور أزمة اسمها أزمة طفولة الشارع ، بل وانتهزت العديد من النساء براءة أطفالها أو أطفال مجهولين النسب لإيجاد الرزق عن طريق استخدامهم اليومي في استجداء شفقة المواطن الجزائري، وهي نوع من التجارة التي تدر المال الكثير على أصحابها، فيما يكون ضحاياها أطفال قد لا تتجاوز أعمارهم السنة الواحدة. هي حقيقة بادية للعيان أن الأطفال الرضع حديثي الولادة، هم لقمة سائغة في صورة اسمها التسول، في صور أصبحت تخدش المجتمع الجزائري، من جهة وتهضم حقوق أولئك الأطفال الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها في أيدي نساء وحتى رجال يجوبون بهم الشوارع من أجل حفنة من الدنانير، في عز برد الشتاء وتحت أشعة شمس الصيف الحارقة من جهة أخرى. العديد من الأصوات ترى أن سن قانون يجرم الظاهرة، عملية إيجابية بإمكانها أن تزيح الكثير من الهموم والغبن على تلك الوجوه البريئة التي لا ذنب لها سوى أنها ولدت ربما على الهامش أو كما يقال في الشارع وتبقى عملية استخدامهم ظلم كبير في حقهم، لأنهم في تلك الصور لا يزالون لحمة طرية وبالتالي من حق المجتمع عليهم استرجاعهم، وضمان كرامتهم وتجريم كل من تسول له نفسه أن يستعمله كلقمة سائغة، لتدر عليهم الكثير من الأموال. هذه الأصوات التي أيدت وضع قوانين من أجل تجريم التسول بالأطفال، ترى أن القانون يعمل عمل ''الميكانيزم الأساسي لوضع حد لمثل هذه الظاهرة''، وهو ما أكدته المحامية زيتوني جميلة في حديثها ل''البلاد''، حيث ترى أن القانون ضروري كآلية يستخدمها المشرع الجزائري في مثل هذه الحالات، خاصة أن مثل هذه الظاهرة أصبحت متفشية في شوارع الجزائر، وبالتالي من واجب المشرع ومن ورائه المنظومة الاجتماعية مثل وزارة التضامن ووزارة الأسرة أيضا والجمعيات الخاصة بحماية الطفولة أن تتدخل لإيقاف مثل هذه الظواهر، وردع مثل هذه التصرفات التي يقوم بها الكبار في حق الطفولة البريئة. وأضافت زيتوني أن القانون من شأنه أن يضع حدا لمثل هذه الظواهر مادام القائم بها سيمثل أمام القضاء، وسيحكم عليه بالسجن ولم لا بغرامة مالية، مشددة على ضرورة أن يتم مناقشة مثل هذه الظاهرة أيضا في شقها الاجتماعي أيضا وفتح المجال أمام المختصين في إيجاد طرق كفيلة لحلها. الحل في معرفة الأسباب وليس الترسانة القانونية وعلى عكس رأي المحامية زيتوني يرى المحامي مصطفى بوشاشي في تصريح مماثل أن عملية سن ترسانة قانونية لإيقاف بعض الظواهر التي تفشت في مجتمعنا ليس بالعملية الإيجابية، مطالبا السلطات إيجاد حلول لردع مثل هذه الظواهر واجتثاثها. وقال بوشاشي إن عملية تجريم ظاهرة التسول بالأطفال ليست الحل الأمثل لعلاج الظاهرة، بل ''البحث عن الأسباب التي دفعت بالجزائريين للقيام بها''. كما أن التجارب القانونية حسب المحامي بوشاشي دائما أثبتت أن علاج الظواهر في بلادنا لا يأتي عن طريق القانون وتجريمها والزج بمرتكبيها في السجون، مقدما مثال ذلك ''ظاهرة الهجرة غير الشرعية'' أو ''الحرفة'' التي استمر وجودها بالرغم من أن المشرع الجزائري سن قانونا يجرم الظاهرة بل ويجرم مرتكبيها بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر . كما شدد المحامي بوشاشي على أن القانون الجزائري يركز على تشريعات قمعية لمعالجة مظاهر سلبية في مجتمعنا، وهذا لا يكفي لأن نعالج الظاهرة مهما فعلنا على حد تعبيره. واعتبر تشريع قانون لردع الظاهرة هو عملية هروب إلى الأمام، وهو ما يعني غض الطرف عن أسباب مثل هذه الظواهر التي تبقى مؤسفة ولكن علاجها يتطلب معالجة من الجذور، وإشراك مختلف الفعاليات الوطنية كمنظمات المجتمع المدني والوزارات والجمعيات التي تهتم بالطفولة . وتساءل بوشاشي في الأخير، هل يمكن لأم أو أب أن يستعمل أولادهما في التسول لو لم يكونا لديهما مشاكل أخرى مثل الفقر أو الحاجة الملحة؟، كما أنه طالب السلطات بالتدخل لمعرفة من هم هؤلاء الأطفال الذين يتم استخدامهم في الشارع في عملية التسول. وفي الأخير أكد المتحدث أنه من واجب الدولة البحث عن أسباب الظاهرة لا القيام بإصدار تشريعات لقمع الظاهرة. ومن جهتها قالت المختصة الاجتماعية الأستاذة في علم الاجتماع كريمة مقطف في تصريح مماثل ل ''البلاد'' إنه لا يمكننا علاج مشكلة التسول بالأطفال دون الحديث عن أسبابها، مضيفه أنها قامت بعدة دارسات اجتماعية على العديد من الظواهر التي عصفت بالجزائر خلال العشرية السوداء تؤكد أن ما عاشه الجزائري له عدة نتائج وآثار وخيمة على تركيبة المجتمع الجزائري ومن بين هذه الظواهر انتشار ظاهرة التسول بالأطفال خاصة الأطفال مجهولي الهوية، فضلا عن ظواهر أخرى خلفتها الأزمة الأمنية. وشددت المختصة الاجتماعية أنه لا يمكننا أن نتحدث عن مثل هذه الظاهرة دون الحديث عن أسبابها الحقيقية وعند الحديث عن هذه الأخيرة يجب التطرق إلى طرق علاجها، فالبحث عن الحل هو الأسلم وليس في طرح المشكلة فقط والبحث عن طريقة ردعية للقضاء عليها. كما تطرقت الأستاذة إلى أن التسول يبقى ظاهرة اجتماعية منتشرة في مجتمعنا، لكن استعمال الأطفال في مثل هذه العملية يدفعنا إلى دق ناقوس الخطر، لأن الطفولة في الجزائر أصبحت محرومة، فعلاج ظاهرة التسول يدفعنا للحديث عن ضرورة علاج ظاهرة أطفال الشوارع الذين يستعملون في مثل هذه العملية وغيرها من العمليات كالدعارة والعمالة أيضا وهو ما يحيلنا بالطبع إلى الحديث عن ظواهر أخرى تهدد الطفولة في بلادنا، وتهدد معها أيضا تركيبة المجتمع الجزائري ومستقبله أيضا لأن أطفال اليوم هم جيل المستقبل، وهنا نطرح السؤال كيف سيكون مجتمعنا بعد عشرين سنة إن استمر الوضع على حاله. وفي الأخير طالبت المتحدثة بضرورة علاج مختلف الأسباب التي تدفع ببروز مثل هذه الظواهر الخطيرة والدخيلة على مجتمعنا، لأنه بعلاج أسبابها يمكننا ردع انتشارها بقوة. من عاش سنة في الشارع كأنه كبر بأربع سنوات يقول رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث ''فورام'' البروفيسور مصطفى خياطي، إن الخطر المحدق بالطفولة الجزائرية هو الشارع، مؤكدا أن الطفل الذي يعيش في الشارع مدة سنة كأنه كبر بأربع سنوات، لذا فإن التسول بالأطفال في نظره يعد وجها من أوجه عيش الأطفال في الشارع وتعلمهم الكثير من الأشياء السلبية التي تقمع طفولتهم وآثارها دائمة. وشدد خياطي في تصريح ل''البلاد'' على أن استعمال الأطفال في هذه العملية وغيرها من العمليات التي تعلمه السرقة والجرائم الأخرى تعتبر من أخطر الظواهر التي تهدد مستقبل الأجيال المقبلة. وحول إعداد مشروع لسن قانون تجريم التسول للأطفال، قال خياطي ما يزال أمامنا فعل الكثير لإيقاف بعض الظواهر الخطيرة التي تمس باستقرار وأمن الطفل في مجتمعنا، من بينها التسول بهم وعمالة الأطفال وجنوح الأحداث والتسرب المدرسي أيضا، معتبرا أن هذه الظواهر طفت في مجتمعنا خلال الأربعين سنة الماضية، وترجع أسبابها إلى مخلفات العشرية السوادء وانخفاض القدرة المعيشية وتفشي البطالة وأزمة السكن وارتفاع نسبة الطلاق.