ولي الأزهر في العصر الحديث شيوخ كثيرون كانوا ملء السمع والبصر، لكن قليلاً منهم كان مثل الشيخ محمد الخضر حسين علمًا وعملاً وحرصًا على المسلمين، هذا ولم يَلِ الأزهر غير مصري في العصر الحديث إلا الشيخ محمد الخضر حسين فيما أعلم. وقد عاش الرجل في مدة مليئة بالأحداث منذ بدايات القرن الرابع عشر الهجري الموافق العشرين الميلادي. مولده ولد - رحمه الله تعالى- في مدينة نَفْطة بتونس في 26 رجب سنة 1293ه الموافق 16 أغسطس 1876م، وأصل أسرته من الجزائر، من عائلة العمري، من قرية طولقة، وهي واحة من واحات الجنوب الجزائري، وأصل أمه من وادي سوف بالجزائر أيضًا وأبوها هو الشيخ المشهور مصطفى بن عزوز وخاله الشيخ المشهور محمد المكي بن عزوز. واسم الشيخ هو محمد الأخضر بن الحسين بن علي بن عمر، فلما جاء إلى الشرق حذف "بن" من اسمه على الطريقة المشرقية، وغلب عليه الخضر عوضًا عن الأخضر، ونشأ الشيخ في أسرة علم وأدب من جهتي الأب والأم، وكانت بلدة نَفْطة التي ولد فيها موطن العلم والعلماء، حتى إنها كانت تلقب بالكوفة الصغرى، وبها جوامع ومساجد كثيرة، وهي واحة بها زرع وفيها فلاحون. رحلته إلى الجزائر وفي سنة 1321ه/1903م ارتحل إلى الجزائر، وفي السنة التي تليها ارتحل إليها أيضًا، وزار معظم المدن الجزائرية، وقصد العاصمة الجزائر فزار المساجد والمكتبات، وحضر بعض الدروس الدينية واللغوية، كما شارك في بعض المجالس الأدبية وألقى بعض الدروس الشرعية. مناصب الشيخ الخضر حسين في تونس 1- توليه منصب القضاء: تولى منصب القضاء في بلدة بنزرت، ولم يكن يريده لكن الشيخ الإمام العلامة محمد الطاهر بن عاشور أقنعه بالقبول واشتد عليه فيه، لكنه بقي أشهرًا قليلة ثم استقال، وعاد إلى تونس ليعاود التدريس في الزيتونة، وكان أثناء بقائه في بنزرت مباشرًا الخطابة والتدريس في جامعها الكبير، وكان له فيها دروس شرعية وأدبية. 2- عضوية الجمعية الزيتونية: كان عضوًا في الجمعية الزيتونية التي يرأسها الإمام العلامة محمد الطاهر بن عاشور، وهي خاصة بمشايخ جامع الزيتونة، فك الله أسره وأعاد مجده. 3- التدريس في جامع الزيتونة، والقيام على خزانة كتبه. 4- التدريس بمدرسة الصادقية، وكانت الثانوية الوحيدة في تونس. صفات الشيخ محمد الخضر حسين كان الشيخ -رحمه الله تعالى وإيانا- مؤثرًا للهدوء في النقاش والحديث، عَفّ اللسان، جريء الجنان، محبًّا للإصلاح، عاملاً على جمع الكلمة، ومن أبرز صفاته الزهد فقد كان ظاهرًا فيه طوال حياته، وكان يردد كثيرًا: "يكفيني كوب لبن وكسرة خبز، وعلى الدنيا بعدها العَفاء". وهو -بلا شك ولا ريب- صاحب همة عالية، أهّلته للوصول إلى ما وصل إليه، رحمه الله وإيانا. وفاة الشيخ محمد الخضر توفي -رحمه الله تعالى وغفر لنا وله- في رجب سنة 1377ه/1958م عن أربع وثمانين سنة، ودفن في القاهرة في مقبرة أصدقائه آل تيمور، وأهدى مكتبته العلمية النادرة الضخمة لزوجه الأخيرة.