يتربّع نقيب المنشدين الشيخ محمود الترميذي من سوريا، على عرش الإنشاد عربيا، ويبرز اسمه في واجهة التظاهرات الكبرى للمديح الديني، عارف لخبايا الفن وأهدافه، لا يرفض الموسيقى كسراج يقيم عليه بثبات، ويقول إن الإنشاد كفن جاء ليعوّض نكسة العرب في .1967 ليست أول زيارة لك إلى الجزائر، فقد بت تعرفها جيدا كما أنك مطّلع على واقع الإنشاد فيها؟ منذ عشرين عاما وأنا آتي إلى الجزائر، فلا يمر علي عام إلا وأزورها ثلاث مرات على الأقل، أعرف جيدا الشرق الجزائري بمدنه وقراه ولي أحباب وأصدقاء فيها. أما الإنشاد عندكم، فقد تطوّر كثيرا عما كان عليه في السابق في عام .1990 أصبح هناك ألحان وفرق كثيرة جيدة، وقفت على روعتها أثناء تحكيمي للجان مهرجان سكيكدة للإنشاد والمديح. ما سرّ الاهتمام الملحوظ بالإنشاد حاليا؟ الاهتمام بالمديح هو نتيجة صحوة دينية إسلامية، فالناس جرّبت كل شيء ولم تجد أحسن من هذا الدين. والإنسان بطبعه يميل بالفطرة إلى التديّن ويبحث عن إله يعبده، في الإنشاد إرشاد وفضائل وقيم جمة لا يمكن إلا أن ينجذب إليها الفرد. ولكن الإنشاد تغيّر وتطور واختلف عمّا كان عليه سالفا؟ لم يعد الإنشاد كما كان عليه قديما؛ كان كلاسيكيا يهتم بالابتهالات فقط، وإنما بعد نكسة 1967 رأى الناس أنه لا مفرّ إلا إلى الله عز وجل ولا ظافر ولا ناصر إلا الله، وليس الصواريخ المصرية التي كانت تدّعي آنذاك بأنها ستلقي إسرائيل في البحر. وكان الناس يعقدون آمالا كبيرة على تلك التصريحات، لكن انهزمت ثلاث دول أمام إسرائيل، بعد النكسة جاءت صحوة فن الإنشاد السياسي والدعوي والفكري والجهادي أيضا ضد اليهود. تذكروا الأناشيد التي سمعناها غداة العدوان على غزة.. اليوم ثمة صحوة أخرى، مع تغيير في المضامين والخطاب في الإنشاد. لكن سابقا كان أقوى فنيا ما يضمن بقاءها عكس اليوم نظرا للضعف في البناء والكلمات البسيطة، جعل الأنشودة تستهلك سريعا لتختفي مع مرور الوقت. اختلف السياق الإنشادي حاليا عن السابق وغدت الفضائيات الدينية تستثمر هذا الفن تجاريا؟ استثمار الفضائيات في الأدعية والبرامج الدينية وحتى الأنشودة يساهم في نشر ثقافة ووعي ديني والتعريف بمبادئ الإسلام، وقد استفاد عدد كبير من الناس.. يبقى الفرد مسؤول عما يريد أخذه من هذه القناة أو تلك، ولا يجب أن نبالي بغاية الفضائية من استعمال النشيد هل هو للانتفاع أو للمنفعة العامة. ما رأيك في تحول مغنين ومغنيات إلى منشدين حصريا في شهر الصيام؟ إنما الأعمال بالنيات، وربنا لا ينظر إلى ظاهر العمل بل إلى ما في القلب من نية. إذا كان هذا المغني في رمضان يبتغي الفضل بالحديث عن فضائل الصيام والإسلام وبإخلاص فله ثوابه، وان كان يريد ركوب الموجة وربح شريحة كبرى من المستمعين المتدينين، فيجب أن يعلموا بأن الضحك على الله غير ممكن. ما هي شروط المنشد الحقيقي؟ صفات عدة يجب أن يتحلّى بها المنشد؛ أولا جمال الصوت، وللأسف هناك البعض منهم لا يستحقون أن يكونوا منشدين. فلو كان مرددا لكان أنفع له. شخصيا لا أتأخر في نصح بعض الطالبين لمشورتي بالتخلّي عن الإنشاد والبحث عن هواية أخرى. ثانيا العلم بأصول الفن من مقامات ودرجات موسيقية، ثالثا عليه الاستعانة بملحن إذا أراد التلحين، رابعا معرفته الجيدة باللغة العربية حتى لا يلحن في كلامه، وهنا تبرز أهمية علم التجويد الذي يربي صاحبه على مخارج حروف سليمة، وللأسف أيضا كثير من المنشدين وحتى المغنيين لا يفقهون شيئا في هذا العلم. أفهم أنك لست ضد الموسيقى؟ هناك اختلاف وتعارض في الآراء حول الموضوع، منهم الرافض ومنهم القابل. شخصيا أميل إلى الرأي الثاني، وأستعملها باحترام الضوابط اللازمة مثل الكلام الطيب وحسن المجلس.. علما أنني عازف على آلة العود التي تساعدني على ضبط ألحاني.