أفق الأغنية الجزائرية مسدود لأنها استهلكت كل شيء تصر كاتبة الكلمات سلمى عنفر على النشاط وسط قحط فني وواقع متجمد، تقول إنه يدفع بالأغنية الجزائرية نحو الموت. ولا تخفي عنفر في هذا الحوار الذي خصت به ''الخبر''، رغبتها في بسط احتكارها على المجال الغنائي، منتقدة الدور السلبي للمنتجين وغياب تكفل جاد من وزارة الثقافة. لاحظنا جليا انخراطك في الحماس الشعبي فكتبت أغاني رياضية كثيرة؟ كتبت 16 عشرة أغنية عن الفريق الوطني لكرة القدم. لم أتحمس في البداية للفكرة، فقد ظلت غير محبوبة إلى قلبي لوقت طويل لولا أنني كنت مطالبة بالالتزام مع أصدقائي وزملائي من الفنانين. نفوري المبدئي يرجع إلى الكلمات السهلة البسيطة واستعمال لغة سطحية جدا. هل شعرت بأنك تكررين نفسك في نصوصك ال16؟ لم أشعر بذلك، صحيح ترددت بعض الكلمات مثل ''الخضرة'' و''لالجيري'' وأسماء اللاعبين، لكني منحت لكل صوت النص الذي يليق بشخصيته، فلا مجال للتلاعب من بأسماء من أمثال عبد القادر شاعو. ماذا تحضر سلمى عنفر للجمهور هذه المرة؟ أنهيت منذ مدة خط كلمات ثماني أغان جديدة للسيدة نعيمة الدزيرية، قام بتلحينها توفيق عامر، ومن المنتظر أن تحل المطربة بالجزائر في الأيام اللاحقة لإتمام ما تبقى من التسجيل ووضع اللمسات الأخيرة على ألبومها الجديد بعنوان ''حبيبتي''. الموضوع الرئيسي عاطفي هذه المرة أيضا؟ لا، محور الأغنية ''حبيبتي'' يتطرق إلى العلاقات بين الأصدقاء وما يحدث بينهم من غدر ونكران للعشرة والخديعة، الموضوع جميل جدا وتؤديه نعيمة بقدرة كبيرة كالعادة. أما بقية الأغاني الأخرى فهي جولة في النفس الإنسانية من حب وعاطفة، ولكن أيضا وقفة عند مشكل السكن. ما سر تعاملك المتكرر مع توفيق عامر؟ هو ملحن جيد تعودت العمل معه لسنوات طويلة الآن، بات يعرفني ويفقه سر قصائدي، كما أجدني مرتاحة في الاشتغال معه على اللحن، فأنا لا أتخل عن قصيدتي بسهولة، ولا أنساها بمجرد تسليمها. كذلك اكتسب توفيق عامر خبرة ومعرفة بالقدرات الصوتية لنعيمة الدزيرية، فنحن نشكل في الأخير ثلاثيا ناجحا. ألم تفكري في تغيير ملحن آخر؟ لم أجرب الاشتغال مع ملحن آخر دون توفيق عامر، مع أن عروضا كثيرة تصلني من ملحنين آخرين أحترمهم وأقدر موهبتهم، لكني أفضل البقاء مع الفريق الذي أعرفه ويعرفني.. ليس هناك خوف من التغيير هي مسألة تعوّد فقط. من يتمعن في نشاطك يلاحظ أنك لا تتركين طبعا غنائيا إلا وكتبت فيه؟ نعم في التنوع مقدرة على البقاء في الساحة الفنية، ولا أرى ضررا في الانتقال بين الطبوع الجزائرية الغنية، هذا مكسب علينا استغلاله، هدفي من هذا النشاط فني بالدرجة الأولى، بصراحة أريد بسط احتكاري في الميدان. واثقة من نفسك جدا.. ما سر قوتك؟ قوتي هي إرادتي وإصراري في اقتحام الأبواب و''شطارة'' وحب للمهنة. أنا لا أنتظر الموزع أو المنتج لأكتب، بل أكتب وأركض في كل الاتجاهات لأرفع من شأن إنتاجي. من هم منافسوك إذن؟ كان هناك منافس شديد لي في بداياتي وهو عبد الرحمن جودي كاتب كلمات في طابع الراي، كنت أشعر دائما بضرورة أن أصل إلى مستواه وأكتسب خبرته، وبفضل إرادتي ها أنا اليوم أقف في السوق الند للند له. كان هناك أخي محمد عنفر، الذي تراجع نشاطه للأسف بسبب حالته الصحية حاليا، وقبلها نظرا للأوضاع الخاصة بالبلاد. كتبت لأغلب الأصوات الجزائرية المعروفة، هل ثمة أسماء تطمحين إليها أيضا؟ نعم في التسعينيات كنت أعشق أغاني الشاب حسني وأتمنى التعامل معه لولا غدر الموت بنا. اشتغلت مع أصوات جميلة أعتز بتعدادها في سجلي الفني، وأطمح للتعامل مع الصوت المغربي أسماء المنور. كما لا أغلق الباب أمام أصوات واعدة أحب اكتشافها على غرار صبرينة فراح ونادية ريان وقادر منيون. ما تفسيرك لتراجع مستوى الأغنية الجزائرية وغياب أعمال ناجحة فعليا؟ شخصيا أعاني من الوضع الذي آلت إليه الأغنية الجزائرية، فهي في تدهور مستمر وسقوط سببه الأول المنتجين الذين لا يدعمون ماليا الجديد، فثمن كراء إستيديو بعتاد رقمي محترف لا يقل عن 000,15 دج لليوم الواحد، مقابل أسبوع كامل لإنتاج ألبوم من ست أغان، إضافة إلى تكاليف الموزع والموسيقيين وغيرهم، وفي الأخير يرفض المنتج شراء العمل بحجة غلائه، لهذا يلجأ مغنونا اليوم إلى الأعراس والاكتفاء بالأغنية المنفردة. من المتضرر في آخر المطاف؟ ليس المغني ولا المنتج، بل هو كاتب الكلمات الذي يركض وراء حقوق المؤلف ويطلب المساعدات.. لكنني لن أيأس كما يئس غيري. إذا لم تتكاتف جهود الخواص ووزارة الثقافة ستموت أغنيتنا، ولا يجب أن نكذب عن أنفسنا، فالأفق أمامها مسدود، ولم يعد هناك منبع ننهل منه، فقد استهلكنا كل شيء وجربنا ''اللايف'' وإعادة النصوص. فالراي مات والسطايفي في الطريق والدزيري يسير بخطى الرضيع.