الحمد لله ربّ العالمين ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم ومَن يعتصم بالله فقد هُدِي إلى صراط مستقيم ونشهد أن لا إله إلاّ الله الهادي إلى الصراط المستقيم ونشهد أنّ محمّد رسول الله إمام المتقين. وبعد.. فيقول الله تعالى: ''وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ'' البقرة195، ويقول النّبيّ الأكرم صلّى الله عليه وسلّم: ''تابعوا مابين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذُّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة والحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة'' أخرجه الترمذي وابن ماجة بحديث حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه. إنّ الهدف الأساس من العبادة في الإسلام هو تنقية الضمير البشري وبناء شخصية المسلم بناءا اجتماعيا فاعلا، ولهذا كانت الشّعائر الدينية في الإسلام تبدأ في الفرد بالطّهارة والصّلاة وتتدرّج في البناء الأخلاقي والاجتماعي عبر الصوم والزّكاة وتنتهي بهذه الشّعيرة الكبرى فريضة الحج الّتي يحتشد النّاس لها من كلّ فجٍ عميقٍ على صعيد مكاني واحد وضمن جدولة زمانية موحّدة ينضوون تحت شعار واحد تذوب عنده كلّ اللّهجات واللُّغات لا أحد يختلف فيه عن الآخر في القول: ''لبيك اللّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمدَ والنِّعمةَ لك والمُلك لا شريك لك''. وحين ما نمعن النّظر فيه تجده عين التّوحيد والإخلاص من البّشر للخالق سبحانه تحقيقًا للغاية الكبرى الّتي خلق من أجلها البشر ''وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونَ'' الذاريات: .56 ففريضة الحجّ رحلة إيمانية كبرى وحشد إنساني عظيم أساسه توحيد الله القهّار وغايته وحدة الأمّة الإنسانية بمختلف ألوانها ولغاتها وجهاتها، قال الله تعالى: ''وَأنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ'' المؤمنون53، وقال سبحانه: ''يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ'' الحجرات.13 والقيام بهذه الفريضة على هذا الصّعيد في حياة الفرد المسلم يعني بالأساس التّخلُّص والانعتاق من كلّ المخلّفات الغريزية المنحرفة والسلوكات النّفسية الهابطة ليرقى بنفسه إلى مصاف الأطهار والأبرار، قال الله تعالى: ''الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمُهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ'' البقرة.196 الحجّ ليس تغييرًا لاسم أو انتحالاً للقب كما أنّه ليس رحلة سياحية خاوية من الأهداف والمشاعر، بل هو تغيير سلوك وتطهير لنفس وتوبة من ذنب ورباط لعهد مع الله، قال سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ''مَن حجَّ فلَم يَرْفَث ولَمْ يفسق رَجَعَ من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه''. وفّقنا الله وإيّاكم للخير وهدانا وإيّاكم للتّقوى وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله.