التحول من عقيدة التوحيد إلى عقيدة التثليث لا يستلزم لا وثيقة إدارية مثلما هو معمول به في الدول الإسلامية، ولا الغطس في الماء لنيل روح القدس ولا تكاليف ولا حتى إقامة شعائر دينية في أماكن محددة، بل يكفي الإيمان دون بحث ولا تفكير لترى مجد إله يظهر في 3 أقانيم. و يجمع دعاة نصرانيون يأتون من أمريكا وفرنسا خاصة، بين تناقضات لغاية بلوغ الحياة الأبدية، لأن الإسلام خطر يداهم الغرب يتنبأ مفكروه بأن يكون الديانة الأولى في حدود 2030، يجب وقف امتداده وفق إستراتيجية الفوضى المنظمة. هذه كلها حقائق مثيرة أقر بها محند أزواو، النصراني العائد إلى الإسلام في زيارة خص بها مكتب ''الخبر'' في بجاية. يعود صاحب كتاب ''كنت مسيحيا''، في هذا الحديث الشيق الذي جمعه ب''الخبر''، إلى سنوات التسعينيات، تاريخ اعتناقه النصرانية كديانة، حيث كانت الجزائر آنذاك تعاني من خراب ودمار في كل مكان، قتل، دم، ولا أمل في مستقبل أفضل، يقول محدثنا الذي لم يطأ بعد حينها عتبة العشرين، حاملا أحلاما لم تكن لتجسد في تلك الظروف التي خلقت لديه فراغا روحيا، عمقه أكثر حبه لمطالعة كتب الأدب الكلاسيكي الفرنسي التي كانت ملاذه الوحيد. هذه الكتب، يؤكد محند أزواو، تحتوي على نصوص مستوحاة من الإنجيل ''فهي لا تنفصل عنه''، حيث ''توصي بالمحبة دوما لله بكل الروح والقلب والأفكار، في وقت كنت أعاني من فراغ روحي رهيب، دعمه أكثر جهلي للإسلام الذي أعرفه فقط بحكم التقاليد، فأنا لم أطلع يوما على القرآن ما عدا ما تعلمته من آيات وسور قرآنية أيام دراستي، وكأن القرآن بالنسبة لي موجه للأئمة وللأشخاص كبار السن، حتى أني أتذكر أن غالبية العائلات المسلمة لا تتوفر عليه لكنها متدينة بالإسلام بالولادة مثلي''. هذا الاطلاع الحثيث والبالغ للأدب الكلاسيكي الفرنسي، يضيف محدثنا، ''ولّد في نفسي رغبة شديدة في قراءة الإنجيل فضولا فقط، فقررت الاتصال بعائلة نصرانية جزائرية تقطن في بلدتي، ليس لشيء سوى للحصول على الكتاب المقدس، علما أن الأخيرة كانت تعيش في عزلة، وأفرادها محبوبون في القرية ومحترمون... لا يمارسون التنصير''. بعد مدة قصيرة، يقول محند أزواو، ''ربطت علاقة مع ابن العائلة الذي كان في مثل سني، ووعدني بتمكيني من مطالعة الإنجيل، فكلف والده بذلك بعد سفره... أحضر لي ''العهد الجديد'' وكتاب ''حكم سليمان'' في ليلة مظلمة... وأخذ يروي لي ما يعرفه عن الله وعيسى والكتاب المقدس إلى غاية وقت متأخر من الليل، لدرجة لم أكن أفرز وجهه من شدة الظلام، بل أصبحت أشك في قرارات نفسي إن كنت أتحدث مع إنسان أم ملاك، لبلوغه في الحديث عن الحب والعواطف، ولامتلاكه أسلوب إقناع كان أشبه بسحر''. وبإحدى العبارات المعروفة في الإنجيل قال له ''الشخص نجس وغارق في الظلام بالفطرة، لأن آدم وحواء أول من أذنب، لكن الرب قدوس، مجيد وطاهر، فالله أحب الإنسان ويود إنقاذه''... يضيف الأب النصراني لمحدثنا، بعبارة الكتاب المقدس، ''لكن هكذا أحب الله العالم حتى وهب ابنه الأوحد، فلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. وعليه فإن الإيمان هو الخلاص بالاعتقاد أن يسوع ابن الله الذي مات على الصليب من أجل ذنوب البشر، وأن كل الأخطاء المرتكبة دفنت معه في القبر، في اليوم الثالث يبعث منه نقيا، منيرا تاركا الذنوب تحت التراب. فإما أن تؤمن لتغفر ذنوبك وتؤهل إلى الحياة الأبدية، أو تتجاهل الأمر لتموت بذنوبك لتنال العقاب الأبدي''. يضحك النصراني العائد إلى الإسلام ويطأطئ رأسه ''الاعتقاد في النصرانية أعمى، يتم عن طريق تخدير وتجميد العقل وإثارة العواطف، مع الجمع بين الذنب والخوف من الموت به والأمل معا''. دعاة مسيحيون من فرنساوالولاياتالمتحدة لدعم التنصير الأمور لا تتوقف عند هذا الحد، يؤكد محند أزواو، ''ففي الوقت الذي كانت لدي رغبة في المطالعة لإثراء ثقافتي، وجدت نفسي عفويا مرتدا عنها، ومتشبثا بالقيم التي يتحدث عنها الكتابان اللذان قرأتهما دون تمعن في التناقضات الجلية، لأن الإنجيل يرتكز على المغفرة والمعجزات والحب، فيما يصور لنا النصرانيون الإسلام في هيئة شجرة خبيثة تؤتي ثمارا خبيثة كالإرهاب، الجريمة والعنف. فهو، حسب ما يزعمون، عقيدة للشيطان، وما رسول الله ''ص'' سوى مدّعٍ للنبوة''. ونظرا للظروف التي عاشتها الجزائر، آنذاك، وجد محدثنا نفسه معتنقا للديانة المسيحية، خاصة أن علاقته توطدت مع العائلة النصرانية التي تمكنت فيما بعد من جعله أحد أقاربها، ليتعرف على مسيحيين جدد ''جعلتهم أقرب المقربين مني، بل عملت حتى على التنصير، واستطعت أن أقنع عددا من الشباب أمثالي رغم الصعوبات التي واجهتها في أسرتي التي اضطهدتني ومحيطي عامة، فلا أحد يتقبل ما كنت أقوم به''. ويضيف بوزيد إريد المسلم ''النصرانيون يبعدونك عن العالم الخارجي وعن البحث عن الحقيقة، فحكمة العالم جنون بالنسبة للرب، مثلما يقولون، لأن العالم زائل فلا داعي للحكمة... وعليه يعملون على توطيد الصلة بينهم فحسب، لتجد نفسك معزولا عن الآخرين ومنغلقا في الإيمان... النصراني يصارع ضد الأرواح وليس الجلد والدم، فعندما يلتقي بمسلم يعتبره روح إسلام لا تؤمن بيسوع مخلصه، وإذا اضطهد عليه أن يكون سعيدا... هكذا آمنت بإله واحد يتجلى في 3 أقانيم بمعنى أشخاص، هم الأب، الابن وروح القدس، دون أن أغطس في الماء لنيل روح القدس، ولا أن يتلو علي ''أليلويا'' التي تعني بالعبرية يحيا الرب... فالإشهار بالنصرانية يحوّلك، حسب اعتقاد المسيحيين، إلى ابن لله، جعلني أحس بالسعادة التي يسمونها الحب الأول، والإيمان بأنني بعثت من الأموات مع المسيح من أجل الحياة الأبدية''. كل هذه التعاليم، يؤكد محدثنا، كانت تلقن في لقاءات أسبوعية تسمى ب''التقارب الروحي''، فهي بمثابة غذاء روحي لنا، نلتقي في سرية وفي معزل عن الآخرين لنشكر المسيح، نصلي، نرقص ونغني، ظنا منا أن يسوع أو عيسى قد استقرّ بنا، وفي بعض المناسبات خاصة في يوم 25 من ديسمبر نقضي الليلة للاحتفال بميلاد عيسى عليه السلام ونذكر محامده''. ومرة في السنة، يقول محند أزواو، ''يزورنا أحد المسيحيين الدعاة يأتينا غالبا من فرنسا أو الولاياتالمتحدة، يقدم لنا توجيهات ونصائح ومواعظ في العقيدة، تحت غطاء مؤتمر يضمنا، يحثنا خلاله على التقرب من الناس ومواجهة الكره بالحب وزرعه، الشر بالخير، وتجنب الغضب والشك لأنه خطر بالنسبة للنصراني، وهذا ما كنا نفعله سعيا منا للطهر والقداسة، بل كنت أحلم أن أكون مبشرا للإنجيل، ولبلوغ درجة النطق بلغات عجيبة وغريبة مثلهم''. طوائف النصرانية تحمل مفاهيم خطيرة لا يخضع النصراني، حسب العائد إلى الإسلام، لأي تكاليف تجاه إلهه، فهو غير ملزم بشيء وله أن يقوم بما يستطيع من عبادة بكل حرية، وفي ''كنائس متوحشة'' عكس الكاثوليك، لأن الدعاة ينتمون إلى ''الكنيسة الخمسينية''. فالبروتستانت ليسوا في حاجة إلى مكان للعبادة لأن الأخيرة يمكن ممارستها في المنزل، أو في غابة، أو حتى في المرائب. وأكثر من ذلك، يضيف محدثنا، ''كل طائفة من هؤلاء تحمل مفاهيم مختلفة عن الأخرى، وكل الطوائف والدعاة الذين يتقربون منا مجهولو المصدر، فكل واحد له مفهوم مختلف للدين وللشعائر، لكنهم يجتمعون في شيء واحد كونهم روحانيين، لكن ليس بمعنى المبنى والغاية كالكاثوليك، يؤمنون بالخوارق والرؤى والأفكار الوهمية وبخروج الأرواح، ولا يقبلون الاختلاف أو الشك والأفكار، ولا حتى السؤال في العقيدة والإيمان، عكس الإسلام الذي يشجع على ذلك، وأغلبهم متعصبون، وهي كلها ظروف تساعد على خلق أزمات نفسية لدى معتنقيها، تصل إلى حد البكاء والانتحار، وعليه يجب الحذر منها''. يتساءل محند أزواو: ''من يدري ما الذي يجري داخل المرائب، من تحويل للقصر وغير ذلك، فكثير من الأفكار الخاطئة والخطيرة تدخل عن طريق الاقتناع بالنصرانية، ما يفسر داعي العزلة والسرية وعدم تقبل الآخر... فالنصرانية تنتشر كالوباء أو الآفة، ومعتنقوها ينمون في أوساط وفي معزل عن الآخرين كالفطريات، وهو ما يوافق إستراتيجية الفوضى المنظمة''. وفي إجابته على سؤال يتعلق بقانون تنظيم الشعائر الدينية، يقول محند أزواو إنه جد معقول، ف''اعتماد جمعيات دينية مسيحية تنشط علنية وليس في الخفاء، ولا تمارس التنصير دليل على احترام حرية المعتقد، فهناك حوالي 6 جمعيات معتمدة معروفة في الجزائر، ولم تشكل يوما مشكلا لا بمفاهيمها ولا حتى ببرنامجها، وهي معروفة المصدر... شأن الكاثوليك يمارسون شعائرهم بكل حرية، فلا هم اشتكوا من مضايقات، ولا الجزائر اشتكت من ممارساتهم، لكن من يدري ما الغاية من نشاط جمعيات الخفاء التي يجهل مصدرها وتفكيرها؟ فهذا القانون يحارب فقط الدعوة، ومن الطبيعي أن تحمي الدولة المسلمة أفرادها من ديانة يعتبرها الإسلام محرفة''. ومن جهة أخرى، لم يجد الملقب بمحند أزواو في قراءة الإنجيل أي عائق، إن كان المطالع له واعيا ويبحث عن الحقيقة، أو بغرض المطالعة والاكتشاف، أما إن كان عكس ذلك، خاصة إذا كان القارئ له غير محصن أو غير بالغ، فيؤكد محدثنا أنه من الممكن أن يشكل خطورة. مؤتمران عالميان للتنصير كشف لنا النصراني العائد إلى الإسلام، أنه خلال الفترة التي كان فيها نصرانيا، اطلع على تقارير حول التنصير منها ما يتعلق بمؤتمر لوزان في سويسرا 1974 لتنصير العالم، عمل فيه المؤتمرون على تكوين مبشرين للنصرانية، ومؤتمر كلورادو لتنصير المسلمين سنة 1978 الذي أقيم تحت إشراف المجمع الكنسي العالمي، حضر فيه أكثر من 150 مبشر، شاركوا في إلقاء 40 بحثا حول الأهداف القريبة والبعيدة، صنفوا منطقة شمال إفريقيا ضمن أشد المناطق رفضا للنصرانية. وتؤكد تقارير مفكرين غربيين، يقول محند أزواو، أن الإسلام سيكون الديانة الأولى في أوروبا في حدود 2030 بالنظر إلى ارتفاع عدد معتنقي الديانة الإسلامية، والمرتدين عن النصرانية نحو الإسلام، الأمر الذي يستلزم، حسب هذه التقارير، ''تفعيل عملية التبشير في الدول الإسلامية باستعمال كافة الطرق سواء تعلق الأمر بتحسين الظروف المعيشية للفقراء وتدعيمهم بمبالغ مالية، أو تمكينهم من التأشيرة مع إظهار النوايا الحسنة تجاه الغير، وهي تقنية ناجعة تحفز الكثير على اعتناق النصرانية''. كما انتقد محدثنا، بشدة، بعض الصحف التي تقوم بتهويل قضية التنصير في الجزائر، مؤكدا ''في أواخر التسعينيات، وعلى مر 3 سنوات قضيتها معتنقا للمسيحية في بجاية، لم نكن نتجاوز 25 فردا، وكان من الصعب الحديث مع أحد عن أفكارنا واعتقادنا، لكن بعض الصحف تقوم بتضخيم الأمور دون دراية منها أنها تساعد على التنصير. فالنصرانيون يعتمدون على التقارب بينهم، فكلما سمعوا باعتناق أحد لمعتقدهم حاولوا الاتصال به لتعميق العلاقة به وبمحيطه، ما يحفز على نشرها، وهو ما تسعى إليه الدول الغربية التي ترسل مبشريها في المؤتمرات السنوية لغاية خلق أقلية دينية تسمح لها بالحفاظ على مصالحها والضغط على صناعة القرار''، متسائلا ''لما لا يتم التركيز على الصحوة الدينية والذين اكتشفوا الإسلام عن طريق النصرانية؟ فعددهم يفوق بكثير عدد المرتدين عن ديانة التوحيد... شخصيا أعرف الكثير من الذين كانوا ضمن شلتي عادوا إلى الإسلام عن قناعة، علما أنه تحدٍ كبير أن تقود النصراني للتفكير في عقيدته''. العودة إلى الإسلام يتذكر محند أزواو كل تفاصيل عودته إلى الإسلام إثر اكتشافه تناقضات في شخصيات ودرجات التثليث، واحتواء الأناجيل الأربعة على أجزاء لا يعثر عليها في العهد الجديد والقديم، وإنجيل برنابا مع اختلافها حول موضوع بعث يسوع (عيسى)، ''فعيسى عليه السلام لا يصرح بأنه الرب بل ليس جزءا من الألوهية، ويصيح على الصليب إلهي لما تركتني... النصرانيون يعتبرونه جزءا منه، ويستحق العبادة لكن الأب أكبر منه. والأدهى من كل ذلك، في الصلاة الكهنوتية الحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك، ويعرف يسوع المسيح الذي أرسلته، في حين يلقب الكاثوليك مريم بأم الرب، ما جعلني أشك في الرب الذي أعبده، والذي لا يبرز في هذه الكتب سوى كدمية لدرجة روت تصارع النبي يعقوب مع الله إلى الفجر، وكأننا في فيلم هوليودي''. وحين برزت في نفس محدثنا الشكوك، يضيف ''اتصلت بأحد أصدقائي النصرانيين الذي كان يعظني، فصحت له بشكوكي، راجيا منه الإجابة على أسئلتي، فطلب مني العودة إلى المعلم (عيسى)، فأجبته أن مشكلتي مع الرب الذي أعبده، عندها شرع الكثيرون منهم في تجنبي''. ويضيف محدثنا ''بدأت أشعر بخوف شديد، وقلق رهيب... كان عذاب نفسي لا يوصف... لأنني اكتشفت أن الكتاب المقدس محرف، والحقيقة موجودة في موضع آخر، و لم أجد من حل سوى القراءة مرة أخرى والبحث، تساءلت في قرارات نفسي، لما لم أطلع على القرآن عساني أجد فيه أجوبة على أسئلتي؟... عملت 3 أيام لشراء المصحف، اقتنيته خفية، وكنت أرتعد ومتشوقا في الآن ذاته لمطالعته، قرأته العشرات من المرات مدققا فيه، فكان أول ما اكتشفته معنى كلمة الله أكبر، التوحيد، شهادة لا إله إلا الله، والعظمة، التربية الشاملة، وأكثر من محبة... تشجيعه على النقد والتفكير، قبل أن أتصل بإمام مسجد قريتنا وأحد المصلين الذين عملوا على تصحيح العديد من المفاهيم التي كانت تدور في رأسي. وعليه أدركت أنه لا شيء فيه يحث على الترهيب والعنف، وعلمت أن التفكير في العقيدة والألوهية أمر جدي''.