إن الدين الإسلامي رسالة حق، وهو الدين الوحيد الذي أثبت أنه قادر على إسعاد البشرية، مما جعل الملايين من أصوات البشر تلتف حوله فعمل على توحيدها إن هذه التوحيد شكل الخطر الحقيقي على هؤلاء العدوانيين إن خطر الوحدة الإسلامية ينبع من ثلاث عناصر كونت الإسمنت المسلح لهذا الذين الرباني، وأول هذه العناصر. العقيدة: لقد ركز الإسلام في بداية الدعوة على العقيدة، فأخبر أنه لا معبود بحق الله وأن سائر الخلق عباد له لا يملكون ضرا ولا نفعا... بهذه التعاليم تشبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما تشبع من جاء بعدهم فأصبحوا بعقيدتهم هذه على استعلاء واعتزاز وكبرياء، فالمسلم حين تستيقظ فيه روح الإسلام لا يطيق أن يعلو عليه أحد، ولا يطيق أن يذل لأحد، ومن ثم فهو ينظر إلى هذا الاعتداء على أنه منكر وجبت إزالته، فأصبح بذلك الدين الإسلامي دينا له ركائزه ودعائمه، دينا صلبا لا يقبل المعارضة وأمرا لا يقبل المجادلة. الوحدة: إن ما جاء به الإسلام ودعا إليه، عنصر الوحدة واعتبره شرطا ضروريا لإكمال الإيمان، فالمسلم أخ المسلم، أيا كانت جنسيتهما وأيا كان عرقهما، فقط الإسلام والتقوى هما الفاصل الوحيد. فبدعوة الإخاء هذه نشأ مجتمع متماسك غيور على دينه ووطنه، بل أصبحت الأعراف والأجناس لا تعني بهم شيئا مقابل أنهم إخوة في الدين وهذا ما تحقق بالفعل في عهده صلى الله عليه وسلم، ومن بعده في وقت كانت فيه النعرات القبلية والنزاعات العرقية على أشدها لقد أصبح الفارسي أخ للعربي، والأوسي أخ للخزوجي... بهذا أصبحت الرقعة الإسلامية أمة واحدة، وإن اهتز شبر واحد منها اهتزت معه جميع أفراد هذه الأمة شرقيها وغربيها وبكل كيانها. إن هذا التجمع وهذا الكيان خطر كبير على العدو العالم الغربي الذي يحاول جاهدا الزحف على هذه الأماكن الإسلامية لحالة فيها من مآرب ومخاوف للحفاظ على وجوده. القوة الكامنة.. نتاج العقيدة والوحدة إنه وبعد توفر عنصر العقيدة في المجتمع المسلم، والذي يعتبر الأساس المتين لهذا الدين، وبعد توغلها في قلوب المسلمين صار حتميا أن تتآلف هذه القلوب وتجتمع على كلمة واحدة لأن ربا واحدا، ومنهاجا واحدا يرسم معالم هذا الدين بكل صراحة ووضوح. وبعد اجتماع هذين العنصرين من العقيدة والوحدة أصبحت هناك قوة كامنة لم تتحرك بعد ، فإذا تحركت بفعل فاعل أصبحت هناك قوة عظمى للتحرر (القوة التحريرية). يقول السيد قطب رحمة الله عليه عن الإسلام: "قوة تحريرية هائلة، وروحه تأبى كل اعتداء على الحرية وتقاوم هذا الإعتداء بصلابة، تقاومه مقاومة إيجابية تهون في سبيلها الأرواح في أمة فمن المحال أن تتخلى عن حريتها ومن المحال أن تسكت عن الصراع الإيجابي الذي يحطم قواعد الاستعمار تحطيما". وبالفعل، فإن هذه القوة الكامنة هي مصدر مخاوف العدو الضرب الذي أصبح يترقب هذا الخطر في أي لحظة، وبات هذا الخطر المبرر الوحيد لاستمرار هذه العقلية العدوانية. يقول أحدهم مبرزا هذا الموقف في صورة واضحة: "إذا تحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرا، أو أمكن أن يصبحوا نعمة له. أما إذا بقوا متفرقين، فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير". إنتشار الإسلام في العالم يعتبر إنتشار الإسلام في أوروبا أحد الأسباب الجهورية التي تقف وراء هذا العدوان الثلاثي، فبعدما إقتصرت الدعوة بادئ الأمر في شبه الجزيرة العربية وهذا بإنشاء الدولة الإسلامية الجديدة التعريف بالدين الإسلامي والدعوة إليه ولو اقتضى ذلك إستخدام القوة، لأنه دين حق، ولأن الله تعالى إرتضاه دينا لجميع الخلق وسائر الفئات، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة وكلفه بتبليغ هذا الدين لايستثني إنسا ولاجنا، ثم لم تقتصر هذه المهمة على النبي صلى الله عليه وسلم وحده بل شملت سائر أفراد المسلمين وأصبح الإسلام مسؤوليتهم جميعا. أثر الحروب الصليبية.. جرح لم يندمل إذا رجعنا قليلا إلى الوراء وبعد تأمل دقيق في صفحات التاريخ، نجد أن الحروب الصليبية كان لها الأثر الكبير في تنمية هذه العداوة الشديدة، فحقدهم مازال نابضا في دمائهم المعكرة بنار الكره والبغض. فتجدهم في خطاباتهم التحريضية، وما أكثرها، تعود بهم إلي هذه الحقبة من التاريخ الذي لن ينسوه ، وهم بذلك أصحاب ثأر، وأصحاب حقوق تاريخية على حد مايزعمون، بل إن (أكثرهم) كرههم هذا بلغ بهم درجة محاولتهم إقتلاع الإسلام من جذوره في كل بقاع الأرض كما صرح به المبشر "جسب". إذالاريب أن مرد هذه العداوة الشديدة إنما هو بفعل الحروب (الصليبية) والفتوح التي قادها القائد صلاح الدين ونور الدين ضد رشرد وحلفائه من حملة الصليب والذين هزموا شر هزيمة، وعلي هذا أجمع المؤرخون والمفكرون كلهم. وخلاصة كل هذا وعبر ما ذكرناه من حوادث كانت على أزيد من ألف عام من الدهر، فهل تمت مبرر يدعوا لإستمرار هذه العداوة إلى أيامنا هذه! اللهم إلا إذا إعتبرنا أن هذه العداوة إنما أساسها سياسي دنيوي لاغير فهذا مبرر يدعونا إلى القول أن هذا الصراح جد معقول من جهة لأنهم يبحثون عن مكاسب وأطماع، المكاسب ثابتة ومداومة. ومن جهة أخرى، يفند ما ذهبنا إليه من حقيقة هؤلاء كونهم أعداء الديانات كافة حتى دينهم ذاته، إذ لو كانوا كذلك فقد ورد في دينهم محرمات ونواهي، منها حرمة الاعتداء، بل ومنها ما يخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه رسول حق. بهذه الروح، وصل الإسلام إلى بقاع شتى من أنحاء المعمورة فمنهم من آمن بعد إقتناعه بتعاليم هذا الدين، ومنهم من آمن بالسيف فشرح الله صدره للإسلام. لقد زحف الإسلام على شرق آسيا كلها، وإلى شمال أوروبا نفسها وامتدى حتى إلى عمق إفريقيا وشمالها، مما جعل العالم الغربي محاصرا أمام إمبراطورية جغرافية عظيمة أخذت كل الأماكن، وأمام دين متين دين يدين لله الواحد، ويسقط كل الآلهات الباطلة. دقت أوروبا ناقوس الخطر وأطرقت الأجراس مشعلة نار الحروب الصليبية التي لايزال لهيبها متلئلئا إلى اليوم . إن انبساط الإسلام على ربوع شتى من أرجاء هذه الأرض شكل بحق حصارا لأهل الصليب وسدا مانعا لأطماعهم التوسعية. يقول المستشرق الألماني كادل بروكلمان مبرزا خطر الإسلام على النصرانية: "إن الإسلام كما انبسط في العصور الوسطى، أقام سدا في وجه انتشار النصرانية ثم امتدى حتى إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها".