تؤشر عمليات إرهابية، سجلت منذ نهاية الأسبوع الماضي، بمنطقة القبائل وبومرداس، على تصعيد محتمل يقترن بتحضيرات عسكرية لعمليات تمشيط، وظرف سياسي يمتاز بجدل حول إصلاحات سياسية تفترض تجاوز المعطى الأمني، لكنها إلى الساعة لم تكسر ''الركود'' السياسي. خلال أربع وعشرين ساعة، سجلت ثلاث عمليات إرهابية متفرقة عبر منطقة القبائل، المحور التقليدي لنشاط جماعات إرهابية ترتبط ب''القاعدة''. وجاءت حصيلة قتلى الجيش والدرك ثقيلة لم تسجلها المنطقة منذ شهور طويلة، وفاقت ال23 ضحية، بين هجوم عزازفة (تيزي وزو) وتفجيرات قرب الأخضرية (البويرة) ومنطقة عمال (بومرداس). هذا التصعيد الأمني، وإن كان مفاجئا، غير أنه، مقارنة بالتجارب السابقة، فإن أكبر العمليات الإرهابية التي عرفتها الجزائر، منذ بداية الإرهاب، كانت دوما تحدث عندما تكون ''الضبابية'' ميزة خطوات السلطات. كما يحتمل التصعيد ضد قوات الجيش تشتيت استعدادات لبداية عمليات تمشيط تشهدها غابات منطقة القبائل مع اقتراب فصل الصيف، وترتيبات أمنية يجري التحضير لها في محيط معاقل التنظيم. وأسفرت العمليات الثلاث عن مقتل أربعة عسكريين في انفجار قنبلتين تقليديتين بعمال شرقي بومرداس، فيما بلغت حصيلة القتلى بين جنود استهدفتهم مجموعة إرهابية بعزازفة، 17 قتيلا، كما قتل دركي وجرح ثلاثة آخرون في انفجار قنبلة تقليدية الصنع قرب الأخضرية. وبقدر ما تنحصر العمليات الجديدة في منطقة تعرف ب''معاقل'' التنظيم التقليدية، فإن حجمها يوحي بقدرة عناصر ''القاعدة'' على العودة للتحرك بشكل منظم وفي توقيت واحد، رغم محاولات الحصار المكثف منذ الخريف الماضي. وربما يكون التنظيم قد أعاد بعض الترتيب على مستوى قيادات السرايا والكتائب خلفا لقيادات سابقة سقطت تباعا بفضل عمل مستمر لقوات الجيش في سياق ''استهداف القيادات''. وتشتغل قوات الجيش على تحضير ترسانة بشرية ومادية تؤدي مهام التمشيط، حيث تعرف منطقة القبائل هدوء نسبيا منذ شهور، مع تواجد مكثف لقوات الجيش التي تعمل على الحفاظ على هذا الهدوء، بعد عملية عسكرية كبيرة نفذت في عمق جبال ''ياكورن'' غير البعيدة عن عزازفة الخريف الماضي. وإذا كان وزير الداخلية قد قلل من شأنها، وصنف العمليات الإرهابية الأخيرة في سياق ''البحث عن الصدى الإعلامي''، فإن عودة التصعيد الأمني ولو بنفس أشكاله القديمة، لا يمكن فهمه بمعزل عن حالة ''الجدل'' السياسي التي تميز البلد في تعاطيه مع ملفات ''الإصلاح''، والتي يروج لها ضمن مرحلة ما بعد العنف بشكل يطوي صفحة العشرية السوداء. وهي ضبابية، مثلما وضعت الطبقة السياسية في حالة من القلق، مكنت الإرهابيين من تنفيذ عمليات استعراضية سعيا لتسجيل حضورهم في أي معادلة حسابية قد تقدم عليها السلطة مستقبلا، وربما كسب تنازلات جديدة، وفي العادة يقترن أي غموض سياسي بإعادة الأمور إلى سابق عهدها، لكون الإرهاب يتغذى من حالات الركود وعدم الحسم في المواقف داخل الدولة.