أتت الليلة الثالثة لمهرجان الجاز الدولي في طبعته التاسعة، أشبه ب''كوكتال'' من الحضارات، حطت على منصة قاعة جمال شندرلي بقصر الثقافة بقسنطينة، حيث سافر الجمهور مع فرقة ''حجاز'' من المغرب، إلى أوروبا، إلى ليالي زرياب والموصلي، ثم حط بجبال ''الهوفار''، وغادر مجددا إلى فرنسا مع عمار ساندي. برع أعضاء فرقة ''الحجاز''، بطريقة مغربية وشرقية حالمة سقطت من صفحات ألف ليلة وليلة، في جعل الجمهور ينتشي أصالة الفن المغربي على طريقة ''ناس الغيوان''، وكلاسيكية البيانو الغربي، من خلال تمازج فني بين العود الذي داعب أوتاره المغربي مفضل أدهوم ونوطات البيانو للعازف البلجيكي نيكو دومان، وبراعتهما في أداء أشهر المعزوفات، على غرار ''دوناس''. وصنع ضارب الدف المغربي عز الدين جازولي، والإيقاعي البلجيكي كريستار أييرس، الفرجة من خلال الحوار الحماسي ''القرعي'' الذي أجرياه بين الدف العربي والطبل الإفريقي. وبقدر ما استغرب الجمهور الحاضر بادئ الأمر لوجود آلات موسيقية شرقية على غرار العود، الناي التقليدي والطبل العربي جنبا إلى جنب مع البيانو، الكونترباس، والآلات القرعية الأخرى بقدر ما تعالت زفراتهم فيما بعد، وصفقوا وصفروا طويلا للفرقة التي بقدر ما برعت في العزف، برعت في طابع ''العلاوي'' الذي اهتزت له القاعة رقصا. واستطاع الجزائري المحترف عمار ساندي رفقة فرقته الفرنسية، وبأسلوبه المنمق بأهازيج الأهقار، الموسوم بالأصالة الجزائرية وعنفوان البلوز المميز، أن يشد الحضور، فقد احتضن قيثاره بطريقة مميزة اثّر في نفسية الجمهور، إذ عبّر الكثير منهم عن إعجابه بالارتباط الروحي الذي بدا بينه وبين آلته التي جسّد وإياها كتلة واحدة، عاشقة فينة وغاضبة فينة أخرى، باعثا أغاني ''الصداقة''، ''هذا الصباح''، ''الحمامة'' وغيرها، التي رددها جمهوره وإياه إلى غاية منتصف الليل.