ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 44211 والإصابات إلى 104567 منذ بدء العدوان    فترة التسجيلات لامتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق يوم الثلاثاء المقبل    أشغال عمومية: إمضاء خمس مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الجزائر العاصمة: دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    العدوان الصهيوني على غزة: فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    الكاياك/الكانوي والباركانوي - البطولة العربية: الجزائر تحصد 23 ميدالية منها 9 ذهبيات    البرلمان العربي يرحب بقرار الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال بحق مسؤولين صهاينة    الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    "كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    الغديوي: الجزائر ما تزال معقلا للثوار    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    المخزن يمعن في "تجريم" مناهضي التطبيع    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    الجزائر محطة مهمة في كفاح ياسر عرفات من أجل فلسطين    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    47 قتيلا و246 جريح خلال أسبوع    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    تعزيز روح المبادرة لدى الشباب لتجسيد مشاريع استثمارية    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    4 أفلام جزائرية في الدورة 35    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    بورصة الجزائر : إطلاق بوابة الكترونية ونافذة للسوق المالي في الجزائر    إلغاء رحلتين نحو باريس    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب التحرير حققت الاستقلال ولم تحقق الديمقراطية
الشباب والثورة.. التواصل أم القطيعة؟
نشر في الخبر يوم 05 - 07 - 2011

خضع تاريخ حرب التحرير لمنطق تفوّق جيل نوفمبر على الأجيال السابقة، فتم التأسيس لأبوية ترفض منطق المناقشة مع الأجيال اللاحقة، والثقة في القدرات التي قد تنبع من خارج مجال العائلة الثورية. ونتج عن هذه الظاهرة إقصاء مزدوج مسّ جيل الحركة الوطنية ممثلة في الأحزاب الوطنية من اليمين إلى اليسار، وجيل ما بعد الاستقلال على حد سواء. فالعقلية القائمة على التفوق، والتي جسّدها جيل الثورة، قضت على إمكانية بروز تواصل الأجيال ونقل المشعل من جيل إلى آخر. وتتحدث كثير من الشخصيات والفاعلين الذين سألناهم عن أسباب وجود القطيعة بين الشباب والثورة، عن كتابة التاريخ وفق تصور يقوم على التزييف وعلى منطق التفوق، واستمرار جزء كبير من جيل نوفمبر في اعتبار نفسه بمثابة الجيل المعصوم من الخطأ، بينما يرى آخرون أن عجز الاستقلال عن تحقيق قيم الديمقراطية والحرية أدى إلى انتشار الشك والمراجعة.
مع استمرار تفضيل الذاكرة على التاريخ
جيل الجامعات الجزائرية لا يثق في ''التاريخ الأسطوري''
قامت الثورة الجزائرية على وقع خلافات حادة بين أقطاب الحركة الوطنية، وكان ميلادها خاضعا لمنطق التفوّق والسّبق، تفوّق جيل العمل المسلّح وقدرته على البروز والذهاب بعيدا بالظاهرة الوطنية لتجاوز مرحلة التقوقع والتردد في الانتقال إلى العمل المسلح.
أصبح النظر للجيل المتردد منذ الإعلان عن إنشاء المنظمة الخاصة، يشوبه الشك وعدم الثقة، فحدث التصادم حتى بعد فتح أبواب جبهة التحرير الوطني أمام مختلف الفعاليات السياسية من اندماجيين سابقين ومركزيين، وأنصار جمعية العلماء المسلمين وشيوعيين وطنيين. حدث التصادم المذكور بين أنصار العمل المسلح من أوائل الملتحقين بالثورة وبين المترددين الذين التحقوا بها لاحقا. لقد تكوّنت عقلية التفوّق بالأخص عقب انعقاد مؤتمر الصومام الذي جاء بوثيقة وطنية حاولت القضاء على الفروق التي برزت قبل نوفمبر 1954، بحيث رفض أعضاء بيان نوفمبر الثقة في السياسيين الذين التحقوا بالثورة حديثا، فكثرت النقاشات بين القادة العسكريين بخصوص فعالية الفئة الجديدة ومدى قدرتها على اكتساب الوعي الثوري. كما ساهمت معركة الجزائر، التي أرادها الثنائي عبان رمضان وبن مهيدي، كخطوة ثورية جديدة نحو تجسيد فكرة الثورة الوطنية، عبر إشراك سكان المدن في المجهود الثوري، بعد أن كان مقصورا على سكان الأرياف باعتبارها الفئة الثورية الوحيدة القادرة على وضع حد للوضعية الاستعمارية، ساهمت هذه الخطوة في بروز صراع آخر بين المدينة والريف، انتهى بالتشكيك في سكان المدن وفي نواياهم الثورية، بعد وقوع ما أصبح يعرف بقضية ''لابلويت''، حيث برز العداء للمثقف، وهو ما ترجم استمرار عقلية التفوق التي يمثلها الجيل المفجر للثورة.
استمرت عقلية التفوّق وإنتاج الإقصاء حتى بعد الاستقلال، فانتقلت إلى الفضاء السياسي، وأصبحت تتحكم في تشكيل الوعي بالثورة وبالتاريخ، بحيث برزت فكرة جيل معصوم عن الخطأ، لا يتقبل النقد وينظر إلى الآخر نظرة متعالية تتحكم فيها الوصاية.
أخضع جيل نوفمبر تاريخ الثورة للذاكرة، وتجنّب كتابة التاريخ، سعيا منه لفرض منطقه الخاص ونظرته التي قد تختلف عن النظرة التي يأتي بها المؤرخ بصرامته العلمية. ووفق هذه الظاهرة، برزت نظرة للثورة تخضع لذات الفاعل ولتصوره الخاص، وليس لنظرة علمية.
فحدث صدام العلم والأسطورة، في الوقت الذي ظهر فيه جيل جديد، هو جيل الجامعات الذي تشبع بمنطق علمي يريد التأسيس لتناول علمي لثورة نوفمبر. وفي ظل استمرار غياب هذه النظرة الموضوعية حدث الشرخ، ونتج انعدام التواصل بين جيل الثورة وجيل الشباب.

الجزائر: حميد عبد القادر
أستاذ التاريخ لخضر بوطبة ل''الخبر''
''الشباب يميل إلى نسيان الماضي''
يعتقد الأستاذ لخضر بوطبة، أستاذ التاريخ بجامعة سطيف، أن هناك عدة عوامل ساهمت في عزوف الشباب عن حضور الملتقيات والندوات التاريخية والأيام الدراسية، التي تعقد لإحياء ذكريات تاريخية وطنية، يأتي في مقدمتها العامل الاجتماعي، حيث انعكس الوضع الذي يعيشه الشباب لا سيما خريجي الجامعات، على الاهتمام بالتاريخ. وقال الأستاذ بوطبة في تصريح ل''الخبر'': ''ربّما يمكن إضافة عامل آخر يتمثل في دور الصّراع الدائر بين رموز الثورة من حين لآخر في بروز شكوك في الشخصية الوطنية وفقدان الثقة بسبب الأفكار والمعلومات التي تظهر والتصريحات والتصريحات المضادة، التي يبدو أن الشباب لا ينظر للوجه الإيجابي لها بقدر ما ينظر إلى الجانب السّلبي ومن ثمة إصدار حكم مسبق، على غرار أن التاريخ يشوبه التزوير وبعيد عن الحقيقة، ويرى بوجود ميل عام لدى الشباب الجزائري عامّة يتجه نحو نسيان الماضي والتنكر له لدى البعض بدعوى أنه لم ينتج حضارة''.
سطيف: ع. ربيقة
المجاهدة لويزة إيغيل أحريز
''الجيل الجديد فقد الثقة في كل شيء''
أوضحت المجاهدة لويزة إيغيل أحريز، أن كتابة تاريخ الثورة وفق الوجه الصحيح، وتجاوز التزوير الحاصل، هو الذي يعيد الثقة كاملة بين الجيل الجديد وجيل الثورة. وقالت أحريز في تصريح ل''الخبر''، ردّا على سؤال حول أسباب عزوف الشباب عن تاريخ الثورة:
''أصبح الشّك يساور شباب اليوم، فلم يعد يفهم أي شيء بسبب اختلاط الأمور وبلوغها مرحلة قصوى من التعفّن، بحيث أصبحنا في المدّة الأخيرة نستمع لتصريحات تعيد النظر في زعماء الجزائر، مثل ''نوفمبر هو أنا''. وأضافت: ''علينا أن ننظم كتابة تاريخ الثورة لإقناع الجيل الجديد وحثّه على إدراك أن ثورتنا نقيّة رغم بعض النقائص، فنحن بشر في نهاية المطاف والأخطاء واردة''.
الجزائر: حميد.ع
المجاهد عبد الكريم عزي
الشباب اكتشف أن ما تعلمه خاطئ
قال المجاهد عبد الكريم عزّي، إن حرب التحرير قامت على أساس تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي الاستقلال، الحرية والديمقراطية، لكننا حققنا الاستقلال بعد سبع سنوات من الحرب الثورية، ولم نحقق الديمقراطية والحرية. وأضاف عزّي في تصريح ل''الخبر'': ''يعتقد شباب اليوم للأسف أن الحرية كانت قائمة قبل الاستقلال، فكفوا عن الإيمان في قيم الثورة وفي الشهداء الذين سقطوا، كأن الاستقلال جاء بدون تضحيات''. مضيفا ''يرغب الشباب اليوم في الحرية والعمل وفي بناء المستقبل، والواقع الحالي لا يسمح لهم بتحقيق هذه الأهداف، بسبب تصرّفات بعض المسؤولين التي ساهمت في تعقيد الأوضاع''.
ويعتقد عبد الكريم عزّي أن تاريخ حرب التحرير، مثلما كتب بعد سنة 1962 قام على التزييف والتزوير. وقال ''ما لقنّاه لأبنائنا بخصوص تاريخ الجزائر بصفة عامة ليس هو الحقيقة. واليوم بعدما ظهرت أصوات تتحدث عن التاريخ بشكل مغاير، بدأ الشاب يكتشف أن ما تعلّمه خاطئ، فحدث التشكيك، فأصبحنا شعب بلا جذور. وعليه يتطلب الوضع الحالي إعادة بناء الثقة عبر كتابة التاريخ الحقيقي ليس فقط لتاريخ الثورة، بل لكل تاريخ الجزائر منذ عهد الرومان''.
الجزائر: حميد.ع
المجاهد لخضر بورقعة
''الثورة المضادة هي التي كتبت تاريخ حرب التحرير''
يعتقد المجاهد لخضر بورقعة، أن المسؤول الأول عن التزييف الحاصل في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية، يكمن في وجود ثورة مضادة جاءت للقضاء على الثورة الشعبية.
قال الرائد بورقعة: ''نعرف أن كل ثورة شعبية بالمعنى الواسع، تأتي بعدها ثورة مضادة، وهذه الأخيرة تأتي تحت شعارات الثورة نفسها، لكنها تطبق العكس على أرض الواقع. لقد فعلت الثورة المضادة فعلتها منذ نصف قرن، فاستمر الحديث عن القطيعة الموجودة بين جيل نوفمبر وجيل ما بعد الاستقلال''. وأضاف بورقعة:''أنا شخصيا عندي اعتراض كبير على الاحتفال بعيد الاستقلال يوم 5 جويلية. إنها محاولة لنسيان يوم الاعتداء. وهذا اليوم بالذات يجب أن يكون يوما وطنيا للمطالبة بتجريم الاستعمار وطلب التعويضات، وليس كعيد للاستقلال والشباب. هذا تزوير مفضوح للتاريخ، بحيث أدى إلى نسيان يوم الاحتلال''. وأوضح بورقعة في اتصال مع الخبر:
''الثورة المضادة ما تزال مستفحلة في البلاد وأعتقد أن ''لابلويت'' التي عرفناها خلال الثورة، ما زالت مستمرة بشكل مغاير، بحيث نعرف اليوم ''لابلويت سياسية''، و''لابلويت اقتصادية، و''لابلويت ثقافية''. وقال الرائد بورقعة إن الليبرالية العالمية، تريد اليوم وضع قدمها في دول الجنوب وفق طريقة مختلفة، وهي التي تعمل على زرع الشك لدى الشباب في القيم الوطنية والمرجعيات. وقال: ''قام الرئيس الفرنسي ساركوزي بضرب ليبيا يوم 19 مارس، المرادف ليوم عيد النصر بالجزائر، يعد اختيار هذا التاريخ بمثابة رد على الجزائريين الذين يطالبون فرنسا بالاعتراف بجرائمها في الجزائر، وهو رسالة قوية لنا، ويقول نصها ''ها نحن في الحديقة الخلفية''.
الجزائر: حميد.ع
رضا مالك ل''الخبر''
''على الشباب أن يدرك أن صراعات الأشخاص ليست هي تاريخ الثورة''
المنظومة التربوية ساهمت في حدوث القطيعة بين الجيلين
يعتقد رضا مالك، رئيس الحكومة الأسبق، أن عزوف الشباب عن معرفة تاريخ الثورة، لا يوجد وراءه نيّة مقصودة. واعتبر أن الجيل الحالي يريد معرفة تاريخ بلاده، لكن هناك عدة عوائق حالت دون ذلك، منها عدم وجود مؤرخين يغربلون شهادات الفاعلين التاريخيين. وقال رضا مالك في حوار مع ''الخبر''، إن المنظومة التربوية ساهمت بدورها في تقديم التاريخ، وفق تصوّر يقوم على تهميش الفاعلين التاريخيين.
في اعتقادكم، هل يمكن اعتبار عدم كتابة تاريخ الثورة بالكيفية الصحيحة، هو الذي أدى إلى عزوف جيل اليوم عن معرفة ما حدث بالأمس؟
صحيح. إن معرفة التاريخ، مثلما يقول ابن خلدون ضرورة ملحّة لمعرفة المجتمع. وهنا تكمن قوة صاحب ''المقدمة''، الذي علّمنا أنه يجب تجنب الأسطورة والكفّ عن البحث عن الغريب أثناء كتابة التاريخ. ولا يمكن بلوغ مرحلة متطوّرة إلا بواسطة كتابة عقلانية للتاريخ، ومنه ينتج اهتمام الشباب بالماضي. لأن الشباب اليوم عقلاني، ولا يؤمن بغير الموضوعية. فالأشياء التي تبدو اليوم مستحيلة، كانت كذلك بالأمس، وعليه يجب الكف عن إدراج الجانب الأسطوري واعتباره بمثابة تاريخ.
لكن لماذا لا يعرف شباب اليوم تاريخ الثورة؟
هناك عدّة أسباب. لكن عليّ l أن أشير إلى أن عدم اهتمام جيل اليوم بتاريخ الثورة، لا ينبع من نية مبيّتة. وعلينا أن نبحث عن الأسباب قريبا من السؤال التالي: لماذا لم نكتب تاريخ الثورة؟ إن الشهادات التي يقدمها الفاعلون التاريخيون والشهود لا تكفي، وتظل عملا ناقصا بدون التدقيق فيها وتمحيصها من قبل المؤرخين. فهؤلاء هم من يضع الأمور على وضعها الصحيح. كما أن المنظومة التربوية ساهمت في حدوث القطيعة بين تاريخ الثورة والشباب، فالكتب المدرسية مثلا تتحدث عن اتفاقيات إيفيان كحدث تاريخي، دون إبراز أسماء المفاوضين الجزائريين، فتظهر صورة عن الحدث بكراس شاغرة، وهذا ما يؤدي إلى خلق حالة من الجهل.
وكيف ينعكس جهل الشباب اليوم بتاريخ الثورة على سلوكياتهم؟
من لا يعرف تاريخ الثورة، ليس بإمكانه معرفة شيء عن تاريخ الجزائر برمّته. معرفة مسار العقيد عميروش مثلا، هو مفتاح لمعرفة مسار شخصية ثورية أخرى هي يوغرطة الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد. لقد قال لي شارل أندري جوليان ذات مرّة أنه غيّر رأيه بشكل كامل بخصوص تاريخ شمال إفريقيا بعد نجاح الثورة الجزائرية، ولو كان له الوقت الكافي، لأعاد كتابة مؤلفه الضخم حول تاريخ شمال إفريقيا.
وهل للسياسة قسط من المسؤولية في ما حدث؟
l نعم، فالسلطة بعد 1962 قامت بوضع معوقات أمام كتابة تاريخ الثورة، من منطلق أن المعرفة الحقيقية قد تؤثر على بعض الأشخاص الموجودين في الحكم آنذاك، فبرزت ظاهرة تهميش وتقزيم دور الكثير من الفاعلين التاريخيين. وبالعودة إلى اتفاقيات إيفيان مرة أخرى، نلاحظ أن التلفزيون الجزائري يظهر صورة المفاوض الفرنسي بيار جوكس، ولا يظهر صور المفاوضين الجزائريين. ومثل هذه التصرفات هي التي تؤدي إلى وقوع التشويش.
ألا تعتقدون أن ظاهرة صراعات الأشخاص في المدّة الأخيرة، لها قسط من المسؤولية؟
l فعلا، إذ بإمكان هذه الظاهرة أن تحصر تاريخ ثورة كبيرة في صراعات أشخاص وفي تصفية الحسابات. هذا يزيد من درجة الشك لدى الشباب. وعليه أعود لمسألة دور المؤرخين وأقول أنه علينا أن ندرس تاريخ الثورة كمسيرة شاملة قام بها شعب. وعلى الشباب أن يدرك جيدا أن صراعات الأشخاص اليوم ليس هو تاريخ الثورة، فالتاريخ هو ما يكتبه المؤرخين.
هناك من يتهم جيل الثورة، بأنه جيل لا يثق إلا في نفسه، هل هذا صحيح؟
غير صحيح. أعتقد أن هذه الأفكار تندرج ضمن التصور الذي ألقى به وزير الخارجية السابق بيرنار كوشنير عندما قال إن تحسن العلاقات بين الجزائر وفرنسا مرتبط برحيل جيل نوفمبر. لا يجب أن تحدث القطيعة، فالأفكار التي جاءت بها العولمة والتي تروّج لفكرة نهاية الدولة الوطنية عبارة عن أفكار هدامة. يريدون أن نختفي حتى تختفي مبادئ نوفمبر، هذا غير ممكن.
الجزائر: حاوره حميد عبد القادر
الناشط السياسي جيلالي سفيان
''الثورة أوجدت جيلا لا يثق إلا في نفسه''
يعتقد الناشط السياسي جيلالي سفيان أن جيل أول نوفمبر رفض تسليم المسؤولية للجيل الجديد، ولم يثق يوما في الأجيال الجديدة. موضحا أن الثورة الجزائرية أوجدت نخبة ثورية ''لا تثق إلا في نفسها وترفض الاستماع للغير، إلى حدّ أنه أصبح غير معني بهموم عامّة الناس''. وأرجع جيلالي سفيان تعنّت جيل الثورة عن نقل المشعل للأجيال الجديدة ''لقيام الثورة الجزائرية على الفرز وعلى القدرة على مواجهة المشاكل''. ونتج عن انتشار هذه الظاهرة بروز أشخاص لا يثقون إلا في جماعتهم، ويشككون حتى في قدرات أبنائهم''. وأضاف سفيان في تصريح ل''الخبر'': ''لقد قام جيل نوفمبر بتسيير شؤون الدولة والمجتمع، كأنهم ما زالوا يعيشون عهد الثورة، ولم يدركوا أن هذه المرحلة انتهت''. ويعتقد سفيان أن نفس هذا الجيل بقي منغلقا على نفسه وعلى جماعته ورفض تسليم المشعل للجيل الجديد. يحدث هذا في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع حسب جيلالي سفيان حياته ضمن مرجعيات مختلفة، فنتج شرخ كبير بين السلطة من جهة والمجتمع من جهة أخرى.
وختم سفيان نقده لجيل الثورة، قائلا: ''الجزائر اليوم بحاجة لجيل جديد يؤمن بدولة القانون''. مضيفاك ''لقد حان الوقت لتسليم المشعل''.
أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر2 الدكتور عمر بوساحة
''جيل نوفمبر فشل في تسيير جزائر الاستقلال''
قال عمر بوساحة، أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر ,2 إن الأجيال الجديدة لم تعد تصدق التاريخ الرسمي للثورة وفقدت لديه كثيرا من رمزيتها. وأرجع ذلك إلى ''كون هذا الجيل لم يجد انسجاما بين صورتها التي قدّمها له صانعوها وبين ممارسات البعض منهم في الميدان السياسي، فكيف يصدّق الشباب الجزائري اليوم من جعل الجزائر غنيمة حرب ينعم بخيراتها كيفما شاء، وظلّت جلُ انشغالاته مرتبطة بصراعات الزمر والمناطق التي عاشتها ثورة التحرير، جيل لا يزال يجتر مشاكله القديمة، فنحن لا نزال لحدّ الساعة نسمع كلاما عن جماعة وجدة وضباط فرنسا وصراع الداخل والخارج. وأضاف بوساحة في تصريح ل''الخبر'': ''بل إن الكثير من الصراعات الحالية هي امتداد لصراعات الثورة ولا أدلّ على ذلك أن كثير من الملاسنات التي تطفو على الساحة بين الفينة والأخرى بين بعض رموز النظام السياسي في البلد، وكأننا لا نزال نعيش في الثورة أو في بداية الاستقلال، بينما تحتاج الأجيال الجديدة إلى ساسة يهتمون بمشاكلها ودولة تهتم بمصالح الناس لا دولة ملاسنات عجائز''. ويعتقد الأستاذ بوساحة أن ''جيل الثورة نجح في تحرير البلاد بالتأكيد، ولكنه فشل فشلا مأساويا في تسيير شؤونها بعد الاستقلال وهو على الرّغم من فشله لا يفكر تماما في ترك زمام الأمور للأجيال الجديدة المتعلمة والتي لا تقلّ في وطنيتها عنه''.
الجزائر: حميد.ع
أستاذ التاريخ بجامعة المسيلة الدكتور صالح لميش
''جيل الاستقلال ما زال ينتظر كتابة تاريخ الثورة''
يعتقد الأستاذ صالح لميش، أستاذ التاريخ بجامعة المسيلة، أن إشكالية الشباب وتاريخ الثورة التحريرية، كثيرا ما تثار لمعرفة العلاقة بين الثورة والجيل الجديد. ويذهب البعض، حسب الدكتور لميش، إلى اعتبار الشباب جاهل أو ناكر لتاريخ حرب التحرير، إلا أن ما يحدث في كثير من المناسبات الوطنية، يؤكد أن شباب اليوم كشباب الأمس واع بتاريخه ورموز ثورته، وما يزال يستحضر ذكريات أبطالها دائما كرموز للنضال الثوري الرائد والنموذج لباقي شعوب العالم. وقال الدكتور لميش في تصريح ل''الخبر'': ''ما يزال شباب اليوم ينتظر من مجاهدي الأمس إصدار مذكرات كفاحهم التحرري بشغف كبير، وذلك نوع آخر من الوطنية القوية التي نلمسها في شبابنا في معرفة تاريخ بلاده، لأن جيل اليوم سليل جيل الأمس ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحيد عنه''. مضيفا: ''ربما أثّرت عوامل الزمن والسنين في ظل تحوّلات البلاد على نظرة البعض لتاريخ الثورة التحريرية، خاصة وأن هامش كبير منه ما زال في طي الكتمان ومعرفة الشباب لحقائقه تبقى قائمة باستمرار، إلا أننا أصبحنا نتلمس وبصورة جلية تلك الروح الوطنية الجامحة في البحث عن تاريخ ووقائع ورموز الثورة التحريرية لدى جيل اليوم من شباب الجزائر، الذي أصبح مدركا لحقائق وتاريخ بلاده''.
المسيلة: بن حليمة. ب
الدكتور كمال بيرم- جامعي
''التشكيك في التاريخ خلق الحيرة لدى الشباب''
قال الدكتور كمال بيرم: ''إن ''تاريخ الثورة يبقى حاضرا بصفة مستمرة في أدبيات الحوار بين الجزائريين، لأنه باختصار ملك للشعب الجزائري ونضاله وتضحياته، التي جعلت من التاريخ بالنسبة للجزائريين مرجعية أساسية في بعث الوعي الوطني وتجديده وتوحيد فئات الشعب الجزائري وارتباط الشباب بوطنه في كل مناسبة''. وأضاف الدكتور بيرم ردّا عن سؤال ''الخبر'' حول علاقة شباب اليوم بالثورة: ''إن مسألة وعي الشباب بتاريخ الثورة التحريرية، لا يمكن بأي حال أخذها بعين واحدة أو زاوية منفردة، سواء بالنسبة لجيل التحرير أو جيل الاستقلال، لأن التحوّلات الهامّة التي شهدتها الساحة السياسية وطريقة استحضار التاريخ منذ الاستقلال من جهة، والجدال المستمر حول قضايا تاريخية خلال الثورة (والتي بقيت عالقة في مخيّلة الشباب في إطار طابوهات الثورة) من جهة ثانية، أدّت مجتمعة إلى إفراز نوع من القلق والتّشويش الفكري المستمر لدى شبابنا، أتاح كثير من الفرص للبعض في التشكيك في قضايا حسّاسة من تاريخنا، وأدى هذا الوضع إلى مزيد من الحيرة أحيانا واللامبالاة عند الكثير من شبابنا أحيانا أخرى''.
المسيلة: بن حليمة البشير
أستاذ التاريخ بجامعة فرحات عباس بسطيف الدكتور بشير فايد
''جيل اليوم يسخر من التاريخ''
يرى الدكتور بشير فايد، أستاذ التاريخ بجامعة فرحات عباس بسطيف، بأنه من خلال احتكاكه بفئة الشباب عامّة، والطلبة الجامعيين خاصة، تبيّن له أن شريحة معتبرة منهم لا تتفاعل بالشكل المطلوب مع المناسبات والأعياد الوطنية. والسبب في اعتقاده، يكمن في أن شباب اليوم يختلف جذريا عن شباب الأمس، من حيث طريقة التفكير والنظرة إلى الأمور. فبينما كان التاريخ الوطني عبر كل محطاته يمثل مصدر إلهام وفخر واعتزاز وتطلّع نحو المستقبل المشرق لدى شباب الستينات والسبعينات، فإن الأمر اختلف بالنسبة للأجيال اللاحقة التي لا تقاسمها الشعور والنظرة ذاتها. ليس لأنها تزدري تضحيات الشعب الجزائري في سبيل نيل حريته، وإنما لأنها لا ترى في التاريخ ككل موضوعا ذا أهمية في حياتها الحاضرة والمستقبلية، أو لا يحقّق طموحاتها الاجتماعية. مؤكدا على أنه يدرك في جانب آخر أن طلبة تخصّص التاريخ، يعانون من نظرة ازدراء وسخرية من زملائهم الطلبة، خاصة منهم بعض طلبة التخصصات العلمية الدقيقة. وإذا كان هو الحال في الوسط الجامعي، يضيف الدكتور فايد، فكيف يكون الأمر بالنسبة لعامة المجتمع. وعليه لابد من فتح نقاش موسّع حول الموضوع من كل جوانبه. والكفّ عن الاتهامات المتبادلة بين صنّاع التاريخ والتزام غير المتخصصين بعدم الخوض في المسائل التاريخية التي ما زالت محل خلافات وتجاذبات. وإبعاد تاريخ الثورة التحريرية عن الصراعات الحزبية والتوظيف السياسي.
سطيف: ع. ربيقة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.