يسترجع الجزائريون وشباب الغد الذكرى ال 56 لثورة نوفمبر، وذكرياتها وأجواء التحضير لانطلاقها مع من بقي على قيد الحياة من صانعيها، وهم كلّهم إصرارا وتمسكا بإقرار الدولة الفرنسية بجرائم الإبادة المقترفة في حق الإنسان الجزائري طيلة الحقبة الإستعمارية، والإعتذار على معاناة الشعب الجزائري من إذلال وقهر وانتهاك للكرامة وقمع للحريات، واعتماد لسياسة التجويع والتجهيل، ومحاولة القضاء على مقوّمات الشخصية للشعب الجزائري، هو وحده الكفيل بطيّ صفحة الماضي الأليم والإنطلاق في بناء أسس سليمة لتعاون مثمر لصالح الشعبين. وفي هذا الصدد تقرّبت »الشعب« إلى نخبة من الطلبة الجزائريين وشباب الجيل الثاني من ثورة نوفمبر، واستطلاع رأيهم حول تمسّكهم باعتراف فرنسا بجرائم الإبادة المقترفة في حق الإنسان الجزائري. فالأجيال الجزائرية المقبلة وحسب ما لمسناه من الإستطلاع، ستكون وعلى عكس ما يعتقد سياسيو فرنسا، أكثر وطنية من الأجيال السابقة، وأكثر ارتباطا بالجزائر وحقوقها التاريخية حتى من مفجّري ثورة التحرير الكبرى، خاصة وأنه جيل متفتّح على آخر المخترعات العلمية والتقنية، ولا يحمل عقد الماضي، ولا يخشى قوّة فرنسا وملفاتها. ومثلما توقّعنا أيضا، فإنّ ثورة نوفمبر العظيمة بكل ما تحمله من مثل ورمزية، تبقى بالنسبة لهم تاريخ يشهد على تحرير الشعب الجزائري لأرضه، وإرساء قواعد دولته الفتيّة التي زكّاها بتضحيات جسام دفع فيها مليون ونصف مليون من خيرة أبنائها، وسجّل بحروف من ذهب مجد وفخر الشعب الجزائري في سجل التاريخ العالمي للثورات. وقد كانت الثورة لكل أبناء الأمة العربية من مشرقها إلى مغربها، إذ وجد فيها كل عربي غيور رمز الكرامة والعزة التي سلبت من أمنه منذ أمد طويل. ولعلّ الإحساس بتحقيق مثل هذا المسعى ملقى اليوم بالدرجة الأولى على عاتق الأجيال الصاعدة في وطننا من وجوب وولوج في ميدان التجارب العلمية، ومواصلة مسيرة ثوّارنا في تحقيق الرفاه للبلاد، والتمسك أكثر بالمطالبة باعتراف فرنسا بجرائم الإبادة المقترفة في حق الجزائريين. »هذا الإنجاز يقول الشاب “محمد” وهو طالب بكلية الحقوق يبلغ من العمر 22سنة ليس سهلا، يتطلب اليوم تجنّد كل القوى الحيّة في الجزائر لنقل معركة التجريم، من خلال إنتاج فكري وثقافي وفنّي راق بلغة الفرنسيين إلى فرنسا نفسها، مع مقارعة قادرة للرأي الفرنسي، وإقناعهم بضرورة الإنضمام لقوى التجريم. لقد نجح رجال الثورة التحريرية في نقل ثورة فرنسا نفسها، وكسبوا الكثير من الفرنسيين إلى قضيتهم، وجعلوا الرأي العام الفرنسي يخرج في مظاهرات ضدّ سياسة حكومة بلاده، فكيف يعجز اليوم بما يملك من إمكانيات يضيف “محمد” في نقل النقاش حول التجريم إلى فرنسا«. ولا يجب أن يبقى المطلب والمسعى حسب “جمال” جزائريا فقط، بل لا بد من أن يكون فرنسيا أيضا، وأن يصفوا قضايا التاريخ مع الجيل الجزائري الحالي الذي يعرفونه ويعرفهم، حتى لا يضطر أبناؤهم وأحفادهم للتعامل في نفس الموضوع مع جيل آخر من الجزائريين، سيكونون بالتأكيد أكثر وطنية وتمسكا بالإعتراف بالجريمة وضد الإنسانية، وقادرا على استعمال كل وسائل الضغط على مستوى العلاقات الثنائية الدولية. وأكد “رفيق” طالب بقسم الطب: »نحن جيل مطّلع على المعلومات والصور والوثائق حول جرائم الإستعمار التي لم تعد مخيفة أو ممنوعة من التداول، كما كان الوضع منذ استعادة السيادة الوطنية حتى بداية التسعينيات، بل هي متوفرة على شبكة الأنترنت وعلى صفحات الجرائد، وفي الكتب التي تظهر من حين لآخر من أبناء المهاجرين بفرنسا نفسها. فهم أيضا مرتبطون بالوطن ويتابعون عن كثب كل ما يجري فيه من أحداث، وقد أعلنوا في أكثر من مناسبة عن تعلّقهم بوطنهم الأصلي، فهؤلاء سينظرون دوما إلى الفرنسيين على أنّهم بقروا بطون النساء وحرقوا الغابات، وجعلوا الحياة مستحيلة في جزء كبير من الصحراء الجزائرية. كل هذه الأسباب وغيرها، تجعل مسألة تجريم الإستعمار مسألة فرنسية بالدرجة الأولى، لأن فرنسا المتحرّرة من تبعات تاريخها الإستعماري ستكون أقوى في المنطقة المتوسطية وأكثر مصداقية، وستجعل أجيالها المقبلة تعيش في وئام أجيالنا الآتية. إنّ تمكين الجزائريين من توعية فرنسا وفائدة الإعتراف بجرائمها بالجزائر خلال الحقبة الإستعمارية، فسيكونون قد ساهموا في تحرير فرنسا من الجيش النازي خلال الحرب العالمية الثانية، ومرة أخرى من النزعة النازية الاستعمارية، ومرة أخرى من تاريخها المثقل بالجرائم الإنسانية. بهذا يتم التأكيد على تواصل المجهود الثوري في حلقات تربط بين جيل الكفاح المسلح وجيل البناء والتعمير، والثورة ضد الاستعمار والإمبريالية، والثورة ضد الفقر والتخلف. »فالأمل اليوم يقول كريم هو ضمان الإلتحاق وكسب مكان للجزائريين لها مع الدول التي قطعت أشواطا في قطف ثمار العلم، وتحصين الدولة الجزائرية، وتقوية بنيانها المؤسساتي«. »فالشعب الجزائري يضيف شعب لم يقبل يوما الهوان أو الذل، ومن يستعرض مساره التاريخي منذ الأزل يجد أنه لم يستكن يوما للإستعمار أو العبودية، بل كان على الدوام محاربا مقاتلا، توّاقا للحرية والعزّة. دفع الملايين من أبنائه في سبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة، ليكتب بأحرف من دم في سجل ذاكرة محطات كبرى ومأثرة خالدة، وأعمالا جساما لم يسجلها فرد بعينه بل كانت من زخم الشعب، ومن رحم ضميره الباطني والجماعي، والتي تستحق كل التقدير والإهتمام والتخليد. ونحن اليوم مجبرون على مواصلة مسيرتهم وخلق ثورة في تحصيل العلم حماية هذا التاريخ والتمسك بمبادئه«. ونحن نفخر بالتفاف الشعب حول أهمية الثورة كإرث تاريخي كبير للجزائر، ونأمل أن تكون بدورها قدوة وقصة شعب يعود إليها، ويجعلها المدرسة الكبرى للشباب ليتعلموا أن يعطوا هذا الوطن قبل أن يطلب منه، فالوطن أمانة وجب على الأجيال الصاعدة أن تصونه وتحبه كحب الأهل. فالأجيال اللاحقة وما ينتظره الوطن منهم اليوم لا يقلّ أهمية عمّا قام به أسلافهم، بل أنّ واجبهم نحو شعبهم أعظم في خضم عالم التنافس بين دول من أجل كسب ناصية العلم، والتفوّق في مجالاته يفرض عليهم الجهد والصبر والمثابرة لتشريف دولتهم ومجتمعهم، من خلال إنجاز حضاري عام وشامل يشرف مجتمعاتهم ويضمن لهم السيادة والعزة والقوة الاقتصادية. وتبقى ثورة نوفمبر من بين المحطّات البارزة التي تعيد للذاكرة الجماعية أحداثها، أين تكسّرت فيها أسطورة الجزائر الفرنسية، وذابت فكرة الاستقرار الاستعماري الحاقد، وبيّنت في الوقت ذاته سياسة المحتل وفضحت همجيته، وعرّت منهجه ودحضت أسلوبه في التعامل مع أبناء الثورة الجزائرية. وجب علينا تذكّرها والإعتزاز والإفتخار بها من خلال كتابات مؤثرة تكون أحرف من احترامها وتخليدها ومواصلة مسيرتهم في تحقيق الرفاه للوطن.