ساهم نجيب محفوظ في الرواية إلى جانب توفيق الحكيم في المسرح وطه حسين في النقد الأدبي وسلامة موسى في الفلسفة والفكر، في توطيد أسس ثقافة مصرية ليبرالية تجلت في رواية ''عودة الروح'' لتوفيق الحكيم، وكتابات العقاد وطه حسين في مرحلة أولى، ثم في الأعمال الأدبية الأولى لنجيب محفوظ التي نشرها في الثلاثينيات والأربعينيات، وهي ''همس الجنون'' (1938)، ''عبث الأقدار'' (1939) ''رادوبيس'' (1943)، ورواية ''كفاح طيبة'' سنة .1944 فقد كانت مصر الفرعونية من عناصر الرؤية الرومانسية لذلك العصر، وهو يكافح الوجود الأجنبي بإبراز الأمجاد القديمة. ولم يأخذ نجيب محفوظ من التاريخ الفرعوني إلا ما هو أساسي. فهو لم يتقيد بالوقائع التاريخية، وإن حافظ على الشخصيات المتصلة بها. وكان في معالجته الروائية أقرب إلى العمل الحقيقي للروائي، وهو الاستلهام لا إعادة الصياغة، بل كان يؤسس استلهامه لذلك التاريخ على رؤية فكرية معينة، تحددت في رواياته الثلاثة الأولى. حين يكتب نجيب محفوظ عن التاريخ، فهو إنما يفعل ذلك وعينه على الحاضر. هو يستخدم الماضي قناعا للحاضر يقف وراءه ويقول ما لا يستطيع أن يقوله جهارا نهارا بحكم المحظورات السائدة، وهو أيضا يلجأ إلى التاريخ باعتباره تجربة مكتملة منتهية يسهل تقويمها واستخلاص العبرة منها والانتفاع بها في الحكم على الحاضر وتوجيهه هذه الوجهة أو تلك (انظر كتاب رشيد العناني). وقد تدرجت رؤية محفوظ في الروايات التاريخية الثلاثة على نحو جلي، ورصدها الدكتور علي شلش، منذ روايته الأولى ''عبث الأقدار''، حيث مال إلى الإيمان بالدور المطلق للقدر في تحريك التاريخ والبشر. وفي روايته الثانية ''رادوبيس'' نقل قوة القدر المطلقة من خارج الفعل البشري إلى داخله، فأصبحت هذه القوة تحرك التاريخ والبشر على نحو أشمل وأعمق. وفي روايته الثالثة ''كفاح طيبة'' ظهر وعيه بالدور النسبي للبشر في تحريك التاريخ، وتنبه لدور الفرد في هذا التحريك. وقد عبر نجيب محفوظ في هذه الأعمال عن خيبة آماله في ثورة 1919 التي آمن بها بشدة. وقد تجلت إخفاقات ثورة 1919 السياسية في كون حزب الوفد باعتباره الحزب الأكثر تمثيلا لم يحكم مصر سوى لمدة سبع سنوات خلال الفترة الممتدة بين ثورة 1919 إلى غاية قيام ثورة يوليو. وتقف رواية ''رادوبيس'' عند معالجة مصر من الداخل، مصر التاريخ ومصر الحديثة، وتتعرض لشتى الصراعات، فنجد مصر الفرعونية بمواكبها وفنها وحكمتها، وسنرى قصة الملك الذي لم يضبط نفسه فانهارت أسرة وتبدد ملك ونشبت ثورة. لقد حملت الرواية التاريخية عند نجيب محفوظ هموم عصره، ليحدث نقلة نحو مرحلة اجتماعية لمواجهة عصره، فكانت المرحلة الاجتماعية التي بدأها برواية ''القاهرة الجديدة'' سنة .1946 لكن هذا لا يعني أن نجيب محفوظ، قطع الصلة مع التاريخ الفرعوني، ففي العام 1985 نشر رواية بعنوان ''العائش في الحقيقة'' التي تدور أحداثها في أواخر سنوات الأسرة الثامنة عشرة إبان حكم اخناتون الشهير الذي حكم لمدة سبعة عشر عاما في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. وعرف عن اخناتون أنه ورث عرش إمبراطورية مصرية قوية، لكنه انصرف عن شؤون الدولة واستغرق في أمور الدين الجديد والدعوة إليه، واضطهاد رافضيه، فتدهورت أوضاع البلاد وساءت، فانتهى حكم عائلته، وعاد الحكم للقادة العسكريين بسبب تصرفاته.