الأستاذ عزالدين جلاوجي أحد أهم الأصوات الأدبية التي صنعت في السنوات الأخيرة المشهد الثقافي والإبداعي في الجزائر والوطن العربي وذلك من خلال أنتاجه الغزير والمتنوع إضافة على جهده الكبير في تحريك الساحة الثقافية والإبداعية فهو مناضل من طراز خاص، وقد شكلت رابطة أهل القلم التي أسسها ويشرف عليها منذ سنوات استثناء في الساحة الثقافية والأدبية في وقت تغط فيه مئات الجمعيات في سبات عميق. كانت لنا فرصة الالتقاء بالأستاذ الأديب وكان الحوار التالي: الأستاذ عزالدين كيف تقيم مشوارك الإبداعي حتى الآن؟ وهل أنت راض عنه؟ لا يمكن للأديب أن يرضى عما قدم وعما وصل إليه لأنه يطمح دائما لما هو أجمل وأرقى، وأنا الآن في أوج عطائي وأخطط لمشاريع إبداعية سترى النار في الأيام القادمة وتكون إضافة متميزة لجهدي الإبداعي. ورغم ذلك فأنا أنظر لما قدمت حتى الآن بالقبول مقاربة بسني الإبداعي وبالظروف المحيطة بي فليس من السهل أن تقدم أكثر من عشرين عملا إبداعيا وتنفد كلها من السوق بل وتنفد حتى الطبعات الثانية لكل رواياتي، إضافة إلى أن تجربتي تمتاز بالتنوع فأنا كتبت 14 مسرحية للكبار و40 مسرحية للأطفال وأربع روايات وثلاث دراسات نقدية وأربع مجموعات قصصية وخمس قصص للأطفال. وثلاث سيناريوهات. إنتاجك الغزير والمتنوع ألا ترى فيه بعثرة لجهودك الإبداعية؟ أبدا بل هو علامة ثراء وتنوع إن هناك مالا يمكن أن تعبر عنه إلا مسرحية أو قصة وهناك ما لا يمكن أن تعبر عنه إلا رواية، ومعظم الكتاب الكبار نوعوا في إنتاجهم، وأين أنا مما كتب العقاد وطه حسين مثلا، ومهما يكن لا يقاس الأمر بالكثرة أو القلة بل يقاس بالجودة. ألا ترى أنك تجد نفسك في الرواية أكثر؟ لا بل أجد نفسي في كل أعمالي دون استثناء، أنا أؤمن بشيء وحيد يجب أن يتحقق في العمل الإبداعي وهو الصدق، الصدق الفني والفكري حين يحترم الأديب قراءه فيسعي كي يرتقي بأذواقهم وحين لا ينافقهم في أفكاره فقد نجح أديبا. غير أني أعترف أن رواياتي حظيت بكثير من الاهتمام وكتبت عنها عشرات المقالات وطنيا وعربيا واعتبرها النقاد من أجود النصوص الروائية التي كتبت في الجزائر وفي الوطن العربي، طبعا إلى جانب أسماء تصر على التواجد والتميز تصنع جميعها ربيع الكتابة السردية في الجزائر. وهذا لا يعود إلى نجاحي روائيا أكثر منه مسرحي مثلا بل يعود إلى الغياب المطلق والتام للنقد المسرحي في الجزائر ولو كان توفيق الحكيم بيننا أو ونوس أو صلاح عبد الصبوح ما كتب عنه أحد. يشهد المشرق العربي حركة نقدية مسرحية كبيرة، كما يشهد جيراننا في المغرب نفس الحركة وصلت إلى حد التنظير غير أننا نشهد ركودا رهيبا على مستوى الحركة النقدية المسرحية على الخصوص بل وحتى الكتابة الإبداعية. ألا ترى بأن لك إسهاما في النقد المسرحي؟ نعم أصدرت كتابي النص المسرحي في الأدب الجزائري سنة 2000 وطبعته وزارة الثقافة سنة 2007 وربما ستقوم بإصدار طبعة ثالثة له وهو كتاب ترصد الكتابة المسرحية الجزائرية منذ بداياتها حتى اليوم، والدافع إلى هذا الكتاب كما أشرت في مقدمته هو اهتمام النقاد عندنا بكل الأجناس الأدبية شعرا ونثرا وإهمالهم للنص المسرحي، كما أصدرت كتابا آخر في النقد المسرحي نشر في اتحاد الكتاب العرب بسوريا سنة 2003 ، وأنا منذ مدة منكب على دراسة في المسرح قد ترى النور في كتاب سنة 2009 غير أن هذا الإسهام إلى جانب ما كتبه أحسن تليلاني وأحمد منور وبوكروح وحفناوي بعلي وغيرهم ليس كافيا أولا ولم يكن جهدا متميزا يؤسس وينظر انطلاقا من تجربة المسرح الجزائري وخصوصياته، ولعل الأمر ينسحب حتى على الحركة النقدية في الرواية والشعر. ومن هذا الحوار أدعو إلى إقامة منابر لليحث المسرحي كما أدعو إلى تأسيس معهد عال للمسرح في الشرق الجزائري كجامعة سطيف مثلا كما في وهران، وأدعو إلى تأسيس مجلة خاصة بالمسرح ولو تصدر فصليا مثلا، ويمكن لوزارة الثقافة أن تقوم بذلك. ونحن مستعدون لتفعيلها والسير بها قدما لتكون حتى عربية. لاحظنا أنك لم تتخلص من النفس الروائي في قصصك، رغم أن جنس القصة يعتمد على الرمز والتكثيف. خضت تجربة ومازلت في مجال القصة القصيرة، كتبت في البداية القصة الكلاسيكية، وهي بداياتي الأولى وفعلا كان فيها هذا النفس الروائي مما جعل النقاد يشيرون علي بكتابة الرواية، ثم خضت تجربة قصصية أخرى نشرتها في مجموعتي صهيل الحيرة على شكل أسطر الشعر الحر وبلغته وروحه وقد سماها بعض النقاد القصة المشطورة أو القصة القصيدة، ثم كتبت تجربة القصة القصيرة جدا التي يدعي كثير من أدباء العرب أنهم يكتبونهم ولكنهم يعبثون، لقد التقيت في سوريا مع أحدهم وهو فلسطيني سوري ادعى أنه رائد القصة القصيرة ولما أهداني أعماله رأيت أنها متاحة لكل من يحاول، ثم خضت تجربة القصة المتشظية أو القلقة ومنها قصة كهانة المتنبي، لكني أقول دائما إن القصة القصيرة بالنسبة لي كانت نقطة عبور وهي الآن محطة استراحة لا غير. الظاهر أنك مولع بالتجريب؟ هل تراه ضروريا للعملية الإبداعية؟ مولع به حد الجنون، لأني أؤمن أن الأدب حرية وثورة ورفض للماضي، كل نص أدبي جديد يحمل بصمته وهويته ويختلف عن غيره، نصوصي أبوها واحد وأمهاتها شتى فأنا أؤمن بتعدد الزوجات وأدعو إليه وأدافع عنه إبداعيا طبعا حتى لا أتعرض لغضب النساء. والويل لمن يغضبن منه. فعلا أنا مولع بالتجريب حتى على مستوى الكتابة للطفل، بل وعلى مستوى الكتابة النقدية، كل كتاب نقدي يختلف عن الآخر فنيا وإبداعيا على الأقل. كل قصة تختلف عن الأخرى وكل رواية وكل مسرحية. إن الحياة لا تكرر نفسها فكيف يفعل المبدع ذلك وهو المعبر عن الحياة جماليا. بل إن الإبداع أرقى من الحياة ذاتها. ترأسون رابطة أهل القلم منذ سنوات وتنشطون مع ثلة من المبدعين وحققتم حضورا قويا، ما الذي قدمتم وإلى ماذا تطمحون؟ نشاطنا يمتد إلى سنوات طويلة كان لنا فيها حضور قوي خاصة في مدينة سطيف ابتداء من ملتقانا الأدبي أدب الشباب في الجزائر الأول والثاني والثالث وملتقى الأدب النسوي في الجزائر الأول والثاني، ثم أسسنا رابطة أهل القلم سنة 2001 واستطعنا حتى الآن أن ننشر أكثر من 15 كتابا وأن نقيم عشرات النشاطات الإبداعية منها الملتقى العربي الذي دأبنا على تنظيمه منذ سنوات داخل الوطن وخارج الوطن، لقد أسمعنا صوت الرواية الجزائرية في المغرب وسوريا والأردن. وماذا تعدون لنا الآن؟ قدمنا لوزارة الثقافة قائمة كتب، ولم نتلق منها للأسف الشديد جوابا حتى الآن رغم أننا نعمل للصالح العام لا لجيوبنا الخاصة. كما نعد للملتقى العربي الخامس للرواية وسيكون هذا العام بعنوان "الثورة التحريرية الكبرى 1954-1962 في الرواية العربية والعالمية" وذلك بهدف المساهمة في حفظ ذاكرتنا من النسيان ونحن شعب للأسف الشديد ينسى بسهولة، إن ما قدمه أسلافنا من تضحيات جسام ومن جهد عبقري لحري أن يكتب بماء الذهب ناهيك أن يجمع ويدون بالحبر، لو خاضت الشعوب المتحضرة نصف ما خضناه لفاخروا بها الإنس والجن، أما نحن فلا نبالي بذاكرتنا وأمة بلا ذاكرة أمة لا وجود لها. ومن هذا المنبر أدعو كل النقاد والكتاب الذين لهم القدرة على الكتابة في الموضوع خاصة في الرواية العربية والعالمية أن يتفاعلوا معنا لنكون في مستوى الحدث، وأن نسهم جميعا في خدمة تاريخنا وإبداعنا وثقافتنا ونحمي ذاكرتنا من النسيان والمحو.