إنّ فتح مكة جاء عقب ضربة خاطفة شَدَهَ لها العرب، وبوغتت القبائل المجاورة بالأمر الواقع، الذي لم يكن يمكن لها أن تدفعه، ولذلك لم تمتنع عن الاستسلام إلاّ بعض القبائل الشرسة القوية المتغطرسة، وفي مقدمتها بطون هوازن وثقيف، واجتمعت إليها نَصْرٌ وجُشَمٌ وسعد بن بكر وناس من بني هلال، رأت هذه البطون من نفسها عزًّا وأنَفَةً أن تقابل هذا الانتصار بالخضوع، فاجتمعت إلى مالك بن عوف النَّصْري، وقرّرت المسير إلى حرب المسلمين. فسار مالك بن عوف مع النّاس أموالهم ونساءهم حتّى نزل بأوْطَاس، وهو واد في دار هَوَازِن بالقرب من حُنَيْن. وفي يوم السبت السادس من شهر شوال سنة 8ه، غادر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم مكة، في اثني عشر ألفاً من المسلمين؛ عشرة آلاف ممّن كانوا خرجوا معه لفتح مكة، وألفان من أهل مكة. وأكثرهم حديثو عهد بالإسلام واستعار من صفوان بن أمية مائة درع بأداتها، واستعمل على مكة عَتَّاب بن أسيد. ولمّا كان عشية جاء فارس، فقال: إنّي طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بِظُعُنِهم ونَعَمِهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسّم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وقال: ''تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء اللّه''، وتطوع للحراسة تلك اللّيلة أنس بن أبي مَرْثَد الغَنَوي. انتهى الجيش الإسلامي إلى حنين، الليلة التي بين الثلاثاء والأربعاء لعشر خلون من شوال، وكان مالك بن عوف قد سبقهم، فأدخل جيشه باللّيل في ذلك الوادي، وفرّق كُمَنَاءه في الطرق والمداخل والشِّعاب والأخباء والمضايق، وأصدر إليهم أمره بأن يرشقوا المسلمين أوّل ما طلعوا، ثمّ يشدُّوا شدّة رجل واحد.