يشكّل الاستثمار، في ولاية تيسمسيلت، الحلقة الأخيرة والأضعف، على العموم، في مسار التنمية المحليّة. فرغم مرور 62 سنة كاملة على تاريخ ارتقاء عاصمة الونشريس إلى مصاف الولايات، إلا أنها لاتزال'' تحبو'' في هذا الميدان، وتعتمد على جاراتها من الولايات، إلى حدّ كبير، في تزويد مواطنيها بمختلف السلع والمنتوجات والخدمات والمواد الاستهلاكية ومواد البناء، وغيرها، باستثناء محاصيل الحبوب. وتعكس صورة مناطق النشاطات الاقتصادية، التي أنشئت منذ أكثر من 02 سنة، بوضوح تامّ، مدى فشل الاستثمار في هذه الولاية، باستثناء بعض المبادرات الخاصّة، التي لايتجاوز عددها أصابع اليد. صحيح أن ولاية تيسمسيلت لم تكتسب قاعدة اقتصادية أو نقاط نشاطات اقتصادية محلية، خلال نشأتها، بموجب التقسيم الإداري الأخير، حيث شكّلت، في عمومها، من مناطق جبلية وغابية وأراضي بور وجيوب أخرى للفقر والحرمان؛ لكن هذا ليس مبرّرا للسلطات والخواص والمجموعات المحلية في تقاعسهم في رسم وتنفيذ خطط وبرامج استثمارية محلية تنعكس إيجابا على حياة سكانها، الذين يلجؤون، في معظم الأحيان، للولايات المجاورة، لطلب أبسط الخدمات. ملايير في مهب الريح خصّصت الدولة، مع نهاية الثمانينات، أموال معتبرة لإنجاز مناطق نشاطات اقتصادية في ولاية تيسمسيلت. وتم خلق ثلاث مناطق؛ الأولى في عاصمة الولاية، تتربع على مساحة قدرها 51 هكتارا، والثانية في مدينة ثنية الحد، على مساحة قدرها 9,2 هكتار، والثالثة في منطقة سيدي منصور ببلدية خميستي، على مساحة قدرها 7,2 هكتار؛ أي بمجموع 12 هكتارا. لكن الكارثة، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، هي أن هذه المناطق لاتزال جرداء، وأن المشاريع، التي اعتمِدت للانجاز، لم تر النور، إلى يومنا هذا. حيث تشير الأرقام الرسميّة، التي تحصلت عليها ''الخبر''، مؤخرا، أن من جملة القطع الأرضية المحجوزة، وعددها 95 من أصل 141 قطعة، هناك مشروعان فقط في طور الانجاز، يتعلّقان بمواد البناء والمراقبة التقنية للسيارات مع العلم أن الدولة أنفقت في السنوات الأخيرة مايفوق من 01 مليارات سنتيم لتهيئة منطقتي تيسمسيلت وثنية الحد من أجل تحفيز وترغيب المستثمرين الخواص على حجز المكان والانطلاقة الحقيقية في انجاز المشاريع لكن دون جدوى . تقع منطقة النشاطات لتيسمسيلت في الجهة الشرقية على طريق بلدية بوفرة (تيارت) أنشئت في سنة 9891 كانت تسمى في السابق المنطقة الصناعية. ومنذ ذلك الوقت وهي شاغرة، باستثناء بعض البنايات التي تحولت الى حظائر أو مستودعات تتوفر في المجموع على 78 قطعة 83 منها محجوزة لم يقم أصحابها أي مشروع فوقها. وفي سنة 5002 خصص لها مبلغ مالي قدره 7,8 مليار سنتيم للتهيئة، حيث أعِيد تأهيل شبكة صرف المياه وتم انجاز شبكة للإنارة العمومية والأرصفة وماء الشرب والجدار الواقي وانتهت بها الأشغال، كلها في سنة 7002. ورغم ذلك، لم يتحرّك أو ينجز أي نشاط بها. وبذلك، يبقى هذا الواقع وصمة عار في جبين كل المسؤولين، الذين تعاقبوا على رأس هذه الولاية. مناطق النشاطات المكان الأمثل لتشييد السكنات الفوضوية لا يختلف الأمر أيضا في مدينة ثنية الحد، التي تتوفر على منطقة نشاطات تضمّ 03 قطعة، 3 منها فقط محجوزة، مازالت، وبعد مرور أكثر من 51 سنة على انطلاقتها الفعلية، منطقة جرداء ومهجورة وقد صرف مبلغ قدره 6, 1 مليار سنتيم للتهيئة ويطرح الوضع فيها وفي بقية المناطق أكثر من تساؤل حول مصيرها ومستقبل الاستثمار في المنطقة وفي سنة 4002 تفقد وزير السك آنذاك (محمد أنذير حميمد) هذه المنطقة في ثنية الحد وحينها وجه انتقادات لاذعة للجهات المعنية بسبب عدم استغلالها وإهمالها بهذا الشكل ورغم ذلك لم يتغير واقعها الى يومنا هذا وبحسب بعض المصادر المسؤولة من ثنية الحد أنه لاتوجد في الوقت الراهن لدى السلطات رغبة لبعث المكان الذي بقى مجرد أعمدة كهربائية ومسالك وبالوعات وخزّان مائي أنجِز بداخلها لتزويد السكان بالماء، بل هي مهدّدة بغزو السكنات الفوضوية، حيث باتت تحاصرها الكثير من البنايات الفوضوية. وفي بلدية خميستي، وعلى بعد حوالي 5 كلم تتربع منطقة النشاطات في سيدي منصور على مساحة قدرها 7, 2 هكتار مقسمة الى 42 قطعة، منها 61 محجوزة لم تهيّأ بعد. وقد تقدّم أحد الخواص لانجاز مصنع للحليب بها؛ لكن يبقى الأمر مجرد كلام، لتبقى المنطقة، بدورها، فضاء لإنجاز السكنات الفوضوية. مناطق عذراء تبحث عن مستثمرين أمام هذا الوضع المؤلم، أبدى مدير الطاقة والمناجم، في تصريح ل''الخبر''، عميق أسفه واستيائه لتأخر انطلاق المشاريع المسجّلة، مؤكدا أن حال ولاية تيسمسيلت لايتحمّل كل هذا التعطل الحاصل من طرف المستثمرين، الذين تحصّلوا، حسبه، على قطع الأراضي، دون تجسيد المشاريع، التي وعدوا بها. وأوضح أن المنطقة لاتزال خصبة وعذراء، تبحث عن مستثمرين حقيقيين لتفجير طاقتها؛ فهي تملك من المؤهلات في القطاع المنجمي، على سبيل المثال، فرصا هائلة للاستثمار، على المدى القصير والمتوسط، كتوفّر مكامن الحصى والرمل والجبس؛ أي يمكن توسيع وتطوير الصناعية الاستخراجية بها، بشكل يسهم في تطوير التنمية المحلية. كما يمكن في هذه الولاية، وحسب ذات المسؤول دائما، تنمية الصناعة التحويلية في مجال المواد الفلاحية، كالتصبير والتبريد وغيرها. وعن طبيعة هؤلاء المستثمرين، أجاب مدير القطاع بالقول ''إن هؤلاء ليسوا في مستوى الاستثمار الحقيقي؛ فمساهمتهم تبقى ضعيفة''. ولو تم، حسبه، بعث كل مناطق النشاطات بالولاية لسمح للولاية بالانتقال الى مرحلة أخرى من الاستثمار، وذلك بخلق مناطق نشاطات صناعية. واذا بقيت الأمور على ماهي عليه، فلا يمكن لتيسمسيلت أن تنشيء منطقة صناعية، خلال 01 سنوات القادمة. ورغم ذلك، وحسب ذات المسؤول، فإن السلطات الولائية فكّرت في خلق هذه المنطقة وأدرجتها ضمن البرنامج الخماسي الجاري. وتتمثل في تهيئة 001 هكتار، كمنطقة صناعية بقرية سلمانة، على بعد حوالي 02 كلم جنوبي بلدية العيون. وقد وقع اختيارها في هذه النقطة البعيدة، لعدم توفّر معظم المدن والبلديات على مساحات كبيرة يمكن استغلالها في هذا المجال. من المسؤول عن كل هذا؟ آخر جولة قادتنا إلى منطقة النشاطات الاقتصادية كانت عشية يوم السبت الموافق ل32 من الشهر الجاري؛ حيث وجدناها مسرحا لرعي الأغنام ومكانا آمنا لبعض الأشخاص المدمنين على مادة الخمر. وهنا تُطرَح عدّة تساؤلات، من بينها كيف يغضّ الجميع البصر، ومن بينهم السلطات عما لاينجز في هذه المنطقة وتركها هكذا مهجورة، ولماذا لم تتخذ الإجراءات القانونية ضدّ المتخلفين عن تنفيذ المشاريع، أو لماذا لا يخصّص يوم دراسيّ طوال كل هذه المدة الطويلة لتشخيص المشكلة وطرح الحلول الممكنة مع المستثمرين والجهات المعنية وبقية الشركاء، مثل البنوك. وحسب أحد المستثمرين المعنيين، الذين تحدثت إليهم ''الخبر''، وهو صاحب مشروع إنتاج الخرسانة بمنطقة النشاطات لتيسمسيلت، فإن المشكل بالنسبة لهم عقد بيع العقد، الذي حال دون استفادته من قرض بنكي، كي ينطلق في تحقيق مشروعه موضحا بالقول '' في البداية كان دفتر الشروط الذي طرحته المحافظة العقارية يتضمن فيه سعر المتر المربع الواحد 222 دينار فضلا عن أرضية مجهزة ومهيّأة، وهو الأمر الذي لم يكن متوفرا، فقمت، على عاتقي، بانجاز بعض الأشغال في مجال التجهيز، أي الماء والكهرباء. وكان ذلك سنة 9002 ''. وفيما بعد، وحسب ذات المتحدث، تم تعديل دفتر الشروط الذي أصبح فيه سعر المتر المربع 008 دينار وتم حذف تجهيز وتهيئة الأرضية وأصبحت إشارة انطلاق المشروع متوقفة على تسوية عقد شراء القطعة، وفق دفتر الشروط الأول. بينما يرى مستثمر آخر العكس تماما، وهو صاحب مشروع إنجاز معصرة للزيتون، حيث أكد أنه لم يلاق أي صعوبات أوعراقيل إدارية، فقط تبقى إشارة انطلاق المشروع مرهونة بمدى إنتاج مادة الزيتون بالحقول، التي أنجزها، بمنطقة الرشيقة وحقول بقية الفلاحين المجاورين له. والمفارقة أن بعض المستثمرين غير المعنيين بمنطقة النشاطات الاقتصادية قاموا بتجارب ومبادرات يمكن الاشادة بها، على غرار انجاز ورشة لانتاج المسامير والسلك الصناعي بمكان مؤسسة توزيع مواد البناء سابقا، دون أن يستفيد صاحب المشروع من أي قرض بنكي او قطعة ارض مهيئة. غرفة التجارة والصناعة ''الونشريس''، التي تعدّ طرفا في الموضوع، ترى أن المشكل يكمن في المستثمرين في حد ذاتهم، دون سواهم، خاصة أبناء المنطقة والإدارة، حسب مديرها، وفّرت كل التسهيلات اللازمة للنهوض بالاستثمار والتحجج بمقولة إن الولاية معزولة خاطئ، فهناك مناطق أخرى من الولايات كان الجميع يدّعي أنها معزولة، لكنها تحوّلت فيما بعد إلى فضاء صناعيّ وتجاريّ كبير، على غرار مدينة العلمة، بولاية سطيف. ويوعز مسؤول الغرفة عزوف المستثمرين وبقاء مناطق النشاطات جرداء إلى نقص الدعاية والإشهار. والأجدر، حسبه، أن يوجّه المستثمرون الكبار من أبناء المنطقة مشاريعهم إلى ولايتهم، وليس إلى ولايات أخرى؛ فتيسمسيل غنيّة بالمواد الأولية، التي تفقتدها مناطق أخرى رائدة في هذا الميدان. وتعتزم الغرفة تنظيم ملتقى ولائي، قبل نهاية السنة، مع كل المتعاملين الاقتصاديين، قصد التوعية والتحسيس والتعريف بامكانات وفرص الاستثمار في المنطقة. كما ستعمل على خلق تواصل وتنسيق بين المستثمرين وقطاع التكوين المهني والتهمين لاستغلال اليد العاملة المؤهلة في مختلف الميادين. من جهته، أحد الأعضاء في اللجنة الولائية لمساعدة وترقية الاستثمار، والذي يشغل منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة''الونشريس''، حاليا، يعتبر أن المشكل يعود بالأساس الى غياب التحفيزات وعدم تجاوب البنوك مع المستثمرين، الذين أودعوا ملفاتهم على مستوى اللجنة الولائية، التي كانت، حسبه، تسير بخطة ثقيلة في وقت مضى. غير أنها أصبحت وخلال السنوات الأخيرة تنعقد مرة كل شهرين، وبصفة دورية منتظمة. كما أن المشكل يكمن أيضا في بعض المستثمرين، الذين يتوجّهون نحو الاستثمارات الخفيفة أو غير المجدية بالنسبة للمنطقة، كتسابقهم نحو الاستثمار في بيع وتوزيع مثلا مادة الاسمنت، وماشابه ذلك. ويخلص الجميع إلى أن هذا الملف يشكل تحديّا كبيرا لسلطات ولاية تيسمسيلت، لكسب معركة الإنتاج وخلق النشاطات واستحداث نسيج صناعيّ حقيقي يسهم في بعث ديناميكية اقتصادية محلية. وحسب العارفين بالملف، فإن الأمر يتطلّب التشخيص الدقيق ومعرفة كل مكامن الخلل.