تعددت أساليبهم لكن نهايتهم كانت واحدة.. الوقوف داخل قفص الاتهام للاستماع إلى حكم المحكمة بالسجن لسنوات، تكفيرا عن جرائمهم التي راح ضحيتها أبرياء.. يبدو أن حكايات المنتحلين لهويات غيرهم والمحتالين ونجاح أجهزة الأمن في القبض عليهم وتعرية أقنعتهم، أصبحت حديثا مشوقا، إلى درجة أن البعض منهم أصبح في أعين الكثير بطلا رغم جرائمه، تُروى عنه القصص ويتمتع بسماعها في إعجاب ودهشة لذكائهم وشجاعتهم، مقابل غباء بدا في ضحاياهم. تروي تقارير التحقيق حول الرائد سليم أن نجوميته اكتسبها من الإيقاع بضحاياه من إطارات سامية مدنية وأخرى عسكرية، والسر في نجاحه يعود إلى ربطه علاقات صداقة متينة مع البعض منهم ليغالط بها البعض المتبقي. استغل الكابتن سليم صغر سنه ووسامته وهندامه الأنيق حينما كان يرتدي الزي الرسمي، في الاحتيال ونصب الكمائن. وكان أغلب الضحايا يقصدونه لأجل الوساطة لهم في الحصول على مسكن والإعفاء من الخدمة العسكرية والاستفادة من صفقات عمومية، كان يقبل الملفات ويخاطر باتصالاته موهما في مغالطة بمركزه العالي، وفعلا أفلح في العديد من المرات في كسب الرهان، لكن كلها كانت بمقابل مادي. وتيسر حاله وأصبح مع أصحاب الملايين، وسار على تلك الحال إلى زمن خطب فتاة، هي ابنة مسؤول سامٍ أوقع به أيضا حينما أخذ منه مبلغا محترما من المال لأجل مساعدته في تسوية مشكلة عقار مهم، وسط المدينة، ليختفي إثرها ويقطع اتصالاته بخطيبته وأهلها، ما دفع بالصهر الجديد للسؤال عنه لتباشر عناصر الأمن تحرياتها، فنجحوا في الإيقاع به وتحديد هويته الحقيقية والزج به في السجن. لم تختلف ''صونيا'' الملقبة ب''مدام الماسكي''عن سابقها، إلا أن مسرح جرائمها كان كله على متن سيارات الأجرة. إذ كانت صونيا تخدع ضحاياها بأسلوب بسيط لكنه ذكي، فكانت كلما أقلّها صاحب سيارة أجرة (طاكسي) تخرج ثلاثة هواتف جوالة وتباشر اتصالاتها. وكانت تمزج كلامها الدارج بلغة فولتير ولا تنزع عن عينيها نظارة شمسية جميلة زادت في حسنها، وجل مكالمتها كانت عن صفقات السكن والوساطة لأجل الحصول على عمل والبيع بالتقسيط. وبدورها نجحت في الإيقاع بسائقي الطاكسي، بعد أن ترتب معهم مواعيد حين توصيلها إلى العاصمة وتسليمها ملفات مع كومة من المال مرفقة، كانت تختفي مباشرة بعد أن تحصل عليها وتغير من مظهرها وعناوين ضحاياها، إلى أن انتهى بها المطاف إلى الوقوف داخل قفص الاتهام بتهمة انتحال صفة الغير والنصب والاحتيال. أما كريم، فقد كان مشهورا وجريئا وذكيا وشجاعا، وهي صفات لا تتوفر إلا في الأشخاص الأسوياء. كريم احترف اصطياد البنات الحسناوات، كان يظهر لضحاياه أنه خاطب يطرق قلوبهن بغرض الزواج، وبنية بناء أسرة سعيدة، وكان ينتحل في كل مرة هوية العسكري المنضبط والحازم، ولسوء حظ ضحاياه كان أيضا وسيما وجذابا إذ يربط علاقات عاطفية مع صبايا يحلمن بزوج يحميهن ويوفر لهن السعادة بكل سهولة، وكان لا يختار إلا الفتيات ميسورات الحال ثم يتقدم بعد زمن ويعلن خطبتهن، ويزيد في كرمه ويغدق عليهن بالهدايا والمفاجآت السارة وغير المتوقعة. وبعد أن يطمئن الأهل إليه، يباشر كريم حيلته ويطلب من عروسه أن تتوسط لدى والدها ليقرضه بعض المال لحاجة طارئة، ولم يتردد أي نسيب في قرض فحل ابنته في اطمئنان وفرح، لكن الداهية المجرم يختفي فور ظفره بالغنيمة ويغيّر عنوان إقامته لينطلق في البحث عن ضحية أخرى لاحتياله. وحسب المعلومات الأمنية، فإن عدد ضحاياه قارب العشر فتيات، لينتهي به الحال إلى السجن مثل سابقيه.