قضية نادرة جلبت إليها الأنظار. سيدة تبيع فلذة كبدها بمبلغ 50 مليون سنتيم لخالتها التي لم يرزقها الله أطفالا، قبل أن تتراجع وتعترف بصفقة فجرها شعورها بالأمومة، وهي تحتضن مولودها لأول مرة بعد 9 أشهر من الانتظار والصبر. تشير أوراق القضية التي دخلت أروقة القضاء للفصل فيها، إلى أن مشاعر الأمومة هي صاحبة الفضل في صحوة الضمير هذه، بمجرد أن وضعت مولودها في حي باب الوادي بقلب الجزائر العاصمة. وبيّن التحقيق مع الأم، بائعة رضيعها، أنها اعتمدت طريقا ملتوية لإنجاح هذه الصفقة غير الإنسانية، والتي لا تمت لأعراف المجتمع الجزائري بأي صلة. فكانت بداية الصفقة الوقوع في التزوير واستعمال المزوّر، بعدما اتفقت مع خالتها المغتربة التي لم يرزقها الله الذرية، على أن تنجب لها مولودا مقابل أن تمنحها مبلغا ماليا معتبرا، تعالج به أوضاعها الاجتماعية المزرية. ومن أجل إنجاح خطتها، حرصت الوالدة على إجراء الفحوصات الطبية والتحاليل المخبرية باسم خالتها، حتى تتمكن من تسجيل المولود باسمها، مقابل تسلمها 50 مليون سنتيم كدفعة أولى. وتفيد تفاصيل القضية أن مسلسل هذه المأساة تواصل بتصرفات خالية من الإنسانية إلى آخر لحظة، فحينما شعرت الأم بآلام المخاض، توجهت على عجل إلى عيادة بحي باب الوادي رفقة خالتها، التي كانت تمسك على الجمر من شدة الصبر والرغبة في إتمام صفقة الشراء ومغادرة التراب الوطني، فتوجهت هذه الأخيرة إلى الممرضة وسلمت لها دفترها العائلي، لتأخذ منه معلوماتها الشخصية بدلا من الدفتر العائلي للأم الحقيقية التي ليست إلا ابنة شقيقتها! غير أن الممرضة لم تكن ساذجة، فأخذت تتصفح صفحات الدفتر العائلي، مستغربة كيف تحمل سيدة تجاوزت الخمسين من العمر وتلد، ولا تظهر عليها أي ملامح الكبر. وردا على سؤال الممرضة حول سن الأم، أجابت هذه الأخيرة بأنها في الأربعين، وأن تاريخ الميلاد المدوّن في الدفتر العائلي خطأ لم يتسن لها تصحيحه مع مصالح الحالة المدنية، وهو التبرير الذي جنبهما الفضيحة والدخول في ''سين وجيم''. لكن ومع كل ذلك، شاءت الإرادة الإلهية ألا تنتهي هذه الصفقة على حسب هوى هاتين السيدتين، فقد أيقظ الله في قلب الأم شعور الأمومة، وصحا ضميرها، وغرقت في بحر الحزن على ما كانت تريد اقترافه تجاه رضيعها وفلذة كبدها البريء. واشتد عليها العذاب بعد أن انتهت خالتها من تسجيل اسم الرضيع باسمها، وأنها ستغادر الجزائر فور خروجها من العيادة. وفي تصرف فاجأ جميع من كان في العيادة، انفجرت بكاء وعويلا وكشفت أمامهم خيوط الصفقة، لتحال على التحقيق. وخلال هذا الأخير، أنكرت الأم التهمة المنسوبة إليها، موجهة أصابع الاتهام لخالتها بأنها هي التي دبرت الأمر لانتزاع رضيعها منها. أما الخالة، فقد صرحت بأن المبلغ المالي الذي سلمته للأم كان لمساعدتها فقط وليس ثمنا لشراء الرضيع، بسبب أوضاعها الاجتماعية المزرية. ولم تكن القضية لتتجلى أكثر من دون تدخل والد الرضيع، الذي صرح للمحققين بأنه اتفق مع زوجته على عدم الإنجاب، لكنها لم تستشره وحملت بالطفل الرابع كي تتكفل به خالتها. وفي هذا الصدد، وضع قاضي التحقيق لدى الغرفة الأولى بباب الوادي المتهمين الأربعة، أم الرضيع وزوجها وخالتها وزوجها المغتربين، تحت إجراء الرقابة القضائية، إلى حين استكمال التحقيق وإحالتهم على المحاكمة بتهمة محاولة بيع رضيع والتزوير واستعمال المزوّر. ومن جانبه، قام وكيل الجمهورية باستئناف أمر قاضي التحقيق لدى الغرفة الأولى لباب الوادي، القاضي بوضع المتهمين الأربعة رهن الرقابة القضائية، وطالب غرفة الاتهام بوضع المتهمين رهن الحبس المؤقت، خاصة أن اثنين من المتهمين مغتربين ويمكنهم التملص من قبضة العدالة.