أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمس، عن تقدم حكومته، في الأسابيع المقبلة، بمشروع قانون جديد لتخليد ''الحرب الكبرى وكل الذين ماتوا من أجل فرنسا'' من الجنود الفرنسيين، وذلك يوم 11 نوفمبر من كل سنة. ولم يتوقف ساركوزي عند هذا الحد من الاستغلال السياسوي للذاكرة، بل قال إنه يتذكر كل الجنود الفرنسيين الذين ماتوا في عمليات عسكرية خارج فرنسا، وخاصة أولئك الذين سقطوا في ''لاندوشين'' وفي السويس وفي شمال إفريقيا، في إشارة إلى الجزائر. هذا يعني أن فرنسا ساركوزي ما زالت، رغم ما قاله المؤرخون، تنظر إلى أن الاستعمار الفرنسي كان إيجابيا، وأن مشروع قانون تمجيد الاستعمار لم يكن لا خطأ مطبعيا ولا زلة لسان، بقدر ما هو تعبير بأن فرنسا لم تتخل قط ولم تتخلص من فكرها الكولونيالي. من حق فرنسا أن تبني النصب التذكارية لجنرالاتها وجنودها الذين واجهوا النازية، ومن حقها الاحتفال بأمجادهم وما حققوه من بطولات، لكن لا يجب وضع، في سلة واحدة، الفرنسيين الذين قاوموا النازية في الحرب العالمية الأولى والثانية، والذين احتلوا بقوة الحديد والنار ''لاندوشين'' و''الجزائر''، وهو ما يسعى إليه ساركوزي من وراء مشروع قانونه الجديد. إن جنرالات وجنود فرنسا الذين احتلوا الجزائر طيلة قرن و32 سنة، لم يأتوا فاتحين ولا محررين أو حاملين الورود، بل دخلوا بدباباتهم وأسلحتهم الجرارة ومارسوا، طيلة تلك العقود من الزمن، شتى أنواع الإبادة والتنكيل والتشريد والعنف ضد الشعب الجزائري، وتفننوا في التعذيب وجربوا في الجزائريين الأسلحة المحرّمة دوليا، وارتكبوا المجازر الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وحرقوا مئات الجزائريين في الأفران في فالمة وأطلقوا النار على آلاف المتظاهرين العزل في سطيف، واستعملوا سكان الصحراء كفئران في التجارب النووية التي أجراها عساكر فرنسا في رفان وتمنراست، والتي ما تزال آثارها قائمة إلى يومنا هذا. هذه الجرائم تستدعي التنديد بها في أي وقت وزمان، لسبب بسيط أنها لا تشرّف فرنسا التي تدعي حقوق الإنسان والحرية. أما أن يدعو الرئيس ساركوزي لتخليد الجنود الذين فعلوها والاحتفال بهم على أنهم أبطال، فهو ما يجعل ساركوزي في نفس مرتبة نتانياهو، ''كذاب''، لأن الذي يتحدث عن أن الاستعمار كان ''ظلما'' لا يمجّد أفعاله. [email protected]